&البطريرك (مار اغناطيوس افرام الثاني كريم) ابن القامشلي، البطريرك 123 وأول بطريرك يحمل الجنسية السورية في تاريخ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، اقدم وأم الكنائس السورية والمشرقية. البطريرك افرام يعد رمزاً سريانياً آشوريا مسيحياً مهماً في سوريا والمشرق. من سوء حظ البطريرك، أنه جلس على عرش الكنيسة السريانية(أيار 2014)، وسوريا تشهد حرباً داخلية ونزاعاً مسلحاً على السلطة، ونظامها المتهاوي تخلى عن الكثير من مسؤولياته وواجباته في الدفاع عن أمن وسلامة مواطنيه. بالنظر للخطر الكياني، الذي تشكله الحرب السورية المستمرة منذ اكثر من خمس سنوات، على الوجود السرياني الآشوري والمسيحي، كسر (البطريرك) القواعد والأعراف الكنسية والاجتماعية. ففي خطوة غير مسبوقة بتاريخ الكنيسة، قام البطريرك افرام بجولة على الخطوط القتالية الأمامية حول بلدة صدد السريانية السورية،حيث تفقد مقاتلين سريان آشوريين، قاتلوا، الى جانب مقاتلين سوريين آخرين، عصابات تنظيم الدولة الإسلامية- داعش. في زياراته الثلاث لمدينة القامشلي، كانت تبرز أمام البطريرك تحديات ومشكلات سياسية وأمنية، تحول دون استكمال برنامج زياراته. في 19 حزيران الجاري، بينما كان البطريرك في القامشلي يرعى فعاليات إحياء الذكرى السنوية الأولى بعد المئة للإبادة الآشورية( سريانية – كلدانية) إبان الحكم العثماني 1915، ارهابياً يحمل حزاماً ناسفاً اراد اغتياله. من حسن حظ البطريرك، بفضل عناصر الحماية (السوتورو- ܣܘܬܪܘ)، الارهابي أخفق في الوصول اليه، فاضطر الانتحاري على تفجير نفسه بعناصر الحماية، أوقع بينهم قتلى وجرحى. استهداف البطريرك في مدينة القامشلي، التي يتقاسم النظام السلطة فيها مع ما يسمى "سلطات الإدارة الذاتية الكردية"، لم يكن مفاجئاً،بعد سلسلة اعتداءات وهجمات ارهابية منظمة تعرض لها مسيحيو هذه المدينة في الأشهر الأخيرة. حتى الآن لم تتبنى اية جهة محاولة اغتيال البطريرك افرام. هذا يترك باب الاتهامات مفتوحاً، خاصة بوجود أكثر من طرف،محلي واقليمي ودولي، له مصلحة في اغتيال أبرز الرموز السريانية الآشورية المسيحية في سوريا والمشرق.

ترك البطريرك والوفد الكبير من رجال الدين المسيحي المرافق له والحشد الجماهيري المشارك في فعاليات احياء الابادة، من دون حماية حكومية و في منطقة قريبة من المربع الأمني لدوائر النظام، يضع هذه الحكومة، أو على الأقل سلطاتها وأجهزتها العسكرية الأمنية المحلية في القامشلي، في دائرة الشبهات والاتهامات. جدير بالذكر، أن هذه السلطات رفضت التدخل والتصدي لهجوم ارهابي (دام نحو نصف ساعة) وقع في ايار الماضي على حي الوسطى المسيحي في القامشلي، وهي على بعد أقل من ثلاثمائة متر من منطقة الهجوم. ثمة من يتهم ميليشيات محلية بالوقوف خلف عملية استهداف البطريرك. من غير المستبعد أن تكون خلايا اسلامية ارهابية نائمة في القامشلي هي التي قامت بالعملية. البعض يتهم تنظيم الدولة الاسلامية(داعش). آخرون يعتقدون بأن الاستخبارات التركية هي من خطط لاغتيال البطريرك، كونه أول بطريرك سرياني يحي الابادة السريانية الآشورية، عبر مراسيم وفعاليات دينية وشعبية وحكومية ويقيم نصب تذكارية لضحايا الابادة في المدن والبلدات السورية. طبعاً، ما كان للبطريرك افرام أن يُقدم على هذه الخطوة ما لم يأخذ ضوء أخضر من النظام السوري، الذي لعب بورقة الابادة ضد الدولة التركية - التي يلاحقها شبح الاعتراف الدولي بالإبادة- انتقاماً منها على دعمها المفتوح للمعارضات السورية التي تقاتل حكم بشار الأسد. قد لا يهم كثيراً الشعب الآشوري (سرياني- كلداني) الجهة التي ارادت تصفية زعيمه الروحي(البطريرك افرام)، لأن أياً تكن هوية هذه الجهة والرسائل التي تريدها من وراء عملية الاغتيال، تبقى النتيجة أو النتائج هي ذاتها" ضرب وزعزعة الوجود الآشوري والمسيحي عموماً في سوريا وباقي دول المنطقة". بالنظر لتعقيدات الأزمة السورية، يصعب الوصول الى الجهة التي ارادت اغتيال البطريرك افرام، خاصة بوجود نظام مأزوم،لا يتعاون في كشف الحقائق المتعلقة بجرائم الاغتيالات. حتى لا تبقى محاولة اغتيال البطريرك، لغزاً مثل قضية مطارنة حلب المخطوفين(يوحنا ابراهيم) و(بولس اليازجي) منذ نيسان من عام 2013، ومازال مصيرهما مجهولاً ولا من دليل حسي على أنهما على قيد الحياة وحتى لا ُتقيد القضيتان ضد مجهول، ولأجل توفير نوع من الحصانة والحماية الدولية للرموز المسيحية في سوريا، من الضروري والمهم جداً أن يطالب البطريرك افرام مع البطريرك يوحنا اليازجي(شقيق المطران بولس اليازجي المخطوف) ومعهم بقية المرجعيات المسيحية في سوريا،بتشكيل "لجنة دولية" محايدة تفتح ملف المطارنة المخطوفين وتحقق بقضية استهداف البطريرك افرام في مدينة القامشلي. من غير المستبعد أن تكون الجهة التي خطفت المطارنة هي ذاتها أو على صلة بالجهة التي خططت لاغتيال البطريرك. للأسف، البيان الصادر عن البطريركية السريانية جاء مخيبا للآمال، وربما نسف أو ضيع فرصة تشكيل "اللجنة الدولية" المطلوبة. البطريركية في بيانها تنفي أن يكون شخص البطريرك هو المستهدف من العمل الارهابي. يبدو أن البطريرك لا يريد أن يكون سبباً في إحراج صديقه بشار الأسد، وتوجيه إدانة غير مباشرة لدوائره الأمنية التي تركته من غير حماية في مدينة القامشلي. ناهيك عن التأكيد على استهداف البطريرك، يفند مزاعم النظام المتعلقة بأنه حامي الأقليات والمسيحيين بشكل خاص من خطر ارهاب التنظيمات الاسلامية.&

منذ قرون طويلة، آشوريو ومسيحيو المشرق يدفعون ثم حروب الآخرين. أنهم ضحية الأجندات السياسية والطائفية والعرقية للمتحاربين. هذا ما أكدته مجدداً الحرب العراقية واليوم الحرب السورية. حول غدر الشعوب الأخرى بالآشوريين (سرياناً وكلدناً) وبقيادتهم ورموزهم الدينية والقومية وحول الجريمة الكبيرة الغير مكتملة في القامشلي، كتب الصحفي البريطاني الشهير (روبرت فيسك) يوم 22/06/2016، مقالاً في "الإندبندنت" بعنوان: محاولة اغتيال البطريرك مار افرام "تعيد إحياء مجازر من الماضي". يقول فيسك" يجب أن يكون البطريرك قد تذكّر مصير شمعون الحادي والعشرون بنيامين الذي كان بطريرك كنيسة المشرق الآشورية عام 1918 حين اغتيل في إيران من قبل زعيم كردي يدعى سيمكو شيكاك، وقتل معه حينها 150 من حراسه". وأضاف: "في نفس العام، قُتلَ آلاف الآشوريين، عندما قامت عشائر كردية بتحريض من العثمانيين بالهجوم على قرى آشورية، منها أروميا. وبعد أقل من عقدين، ارتكبَ الجيش العراقي مجزرة بـ6 آلاف آشوري، معظمهم قتلوا في زاخو ودهوك قرب الحدود التركية"... يبدو أن ثقافة الغدر مازالت قائمة سائدة لدى الآخرين، تلاحق الآشوريين؟؟. إذا كان الغادرون أخفقوا اليوم باغتيال البطريرك افرام كريم في مدينته القامشلي وهو زعيمها الروحي، قد ينجحون غداً في اغتياله وغيره من الشخصيات والرموز الآشورية (سريانية- كلدانية).

&

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات

[email protected]