أحدث القرار البريطاني للانسحاب من الاتحاد الأوروبي ما يشبه الزلزال في الاتحاد الأوروبي بل وعلى النطاق العالمي. إن رئيس الوزراء كاميرون يؤمن بان مصير بريطانيا ومصالحها مع البقاء في الاتحاد مع بعض الشروط الذي حصل على تلبية معظمها. وقد قام برهان سياسي غير مسبوق حين دعى لاستفتاء شعبي حول البقاء في الاتحاد او الانسحاب الذي تطالب به نسبة كبيرة من البريطانيين المتأثرين بدعايات اليمين الشعبوي المتطرف الذي استغل ولا يزال يستغل مشاكل الهجرة والإرهاب وبيروقراطية مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل فراح يضرب على أوتار الاثارة القومية كشعار بريطانيا أولا. هناك بالطبع مشاكل حقيقية في مؤسسات وأداء الاتحاد وفي قضية الهجرة خاصة لا سيما منذ العام الماضي ودخول مليون مهاجر غير شرعي الى أوروبا الذين تتعمد انجيلا ميركل وصفهم باللاجئين وما هم غير مهاجرين غير شرعيين وثمة فرق كبير بين اللاجئ السياسي والمهاجر غير الشرعي.

&اما في مؤسسات الاتحاد في بروكسل فتتدخل أحيانا في قضايا هي في الصميم من السياسات الداخلية للدول وحتى في شؤون القضاء، كما حدث مثلا مع قضية ابي قتادة.

كاميرون اذن دخل رهانا سياسيا آملا ان تنتصر الحكمة والوعي ومصلحة بريطانيا ولكن ان النتيجة جاءت مخيبة للآمال. بدلا من التشبث في منصبه ومحاولة الالتفاف على النتيجة وقف بشجاعة ونكران ذات ليعلن ان الشعب قد قرر وانه يحترم القرار وأن الفترة القادمة تحتاج الى قيادة جديدة تحكم بريطانيا. وأعلن استقالته علنا وقال انم البلاد تحتاج إلى فترة استقرار ومن ثم يأتي فريق آخر للحكم. ومن المهم ان نذكر انه كانت قد صدرت قبل اعلان النتائج نداءات متكررة تطلب منه عدم الاستقالة بل ان بين أولئك بعض قيادات الانسحاب نفسه. ولكن كاميرون كان وفيا لمبادئه الديمقراطية والتقاليد البريطانية العريقة معلنا انه يحب وطنه ويرجو له كل الخير.

ترى اين هذا الموقف النبيل الرائع من مواقف أمثال ذلك الحاكم العراقي الذي كان يعلن باستمرار "ما ننطيها" لا نسلم السلطة وأعني المالكي. وأين من هذا الموقف الذي وقفه كاميرون من تشبث بشار الأسد بالسلطة على أشلاء مئات الآلاف وتجويع وتشريد الملايين، أو مواقف والده وصدام حسين والقذافي وعلي صالح ومن لف لفهم بالعالمين العربي والإسلامي. وأين منه مواقف حكام كوريا الشمالية والقيصر الروسي بوتين وكوبا وفنزويلا وامثالهم.

ليس عندنا في التاريخ العربي الحديث مثال عن تخلي الحاكم عن السلطة بملء ارادته غير مثال السوداني سوار الذهب. وهو مثال فريد لا اعتقد انه يتكرر. فالحكام العرب لا يغادرون السلطة وان طالبت بذلك غالبية الشعب. ومهما كثرت اخطاؤهم الكارثية، انهم يتشبثون بالسلطة ولو أدى ذلك إلى مصير أسود للشعب ولهم أيضا.&

إن موقف كاميرون النبيل جدير بالاقتداء وهو ليس غريبا في الدول الديمقراطية العريقة، فقد شهدنا أيام الأزمات الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي ان استقال أكثر من رئيس وزراء برضاه، ولكن هذا المثال لا يمكن ان نجد مثله في العالمين العربي والإسلامي والدول ذات الأنظمة الشمولية.

أخيرا لقد خسرت بريطانيا نفسها في كل الميادين بقرار الانسحاب والمأمول ان تأتي مفاوضات الانسحاب بأقل ما يمكن من الخسائر للشعب البريطاني كما ان على الاتحاد الأوروبي إعادة بناء نفسه ومؤسساته التي يجب ان تخترم سيادة كل دولة احتراما كاملا. أما اتفاقية شنغن فيجب الغاؤها في سلة المهملات

وتحية إلى كاميرون.&