&
في 13 يونيو/ حزيران، اعتلى الكيان الإسرائيلي، رئاسة اللجنة القانونية، إحدى لجان الأمم المتحدة الست الرئيسة، لأول مرة في تاريخه، منذ انضمامه إلى الأمم المتحدة عام 1949. فاز الاحتلال بأغلبية مريحة، بـ109 صوت من أصل 173 صوت قانوني، من ضمن193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة، وفي المعتاد فإن المقعد يذهب بالتزكية، أو ما يطلق عليه «توافق الآراء»، بين أعضاء الجمعية، إلا أن الدول المعارضة للرئاسة الإسرائيلية دعت إلى تصويت عام، في واحدة من المرات النادرة، لتستجلب انتقادًا حادًا لها، من نائب سفير الولايات المتحدة في المنظمة، «ديفيد بريسمان»، مخبرًا إياهم أنه حتى ليبيا، أثناء حكم العقيد «معمر القذافي»، قد انتخبت لنفس المنصب بالتزكية، ولذلك «لا يجب أن نصوت اليوم»، كما قال.
&
ما فعله كيان الاحتلال، وما حققته من انجاز، هو نتيجة للسير في طريق طويل، عالجت تل أبيب عقباته، بكل الطرق الممكنة، وبنجاعة تتناسب مع سمعة الصبر الإسرائيلي، لتحقق في النهاية ما تريد. في العقد التسعيني من القرن الماضي، يمكننا ضرب أحد الأمثلة البليغة، على استبعاد تل أبيب من كل شيء تقريبًا، في الأمم المتحدة. بحسب من يشغل مقعد الأمين العام للمنظمة، المنصب الدبلوماسي الأرفع عالميًا، فإن المجلس الاجتماعي والاقتصادي، المعروف اختصارًا بـ«ECOSOC»، يحتل المرتبة الثانية في الأهمية، بعد «مجلس الأمن الدولي»، ممتلكًا تأثيرًا ونفوذًا لا يستهان بهما. بالرغم من اسم المجلس الذي قد يبدو مملًا، فإن أعضاءه يمتلكون القدرة على انتخاب عدد كبير، من أعضاء لجان الأمم المتحدة، كلجنة حقوق الإنسان، المتحولة لمجلس حقوق الإنسان، في عام 2006، ولجان التنمية المستدامة، وشؤون المرأة، لكن دورها الأهم هو التحكم في لجنة المنظمات غير الحكومية، NGO، التي تطوي تحت جناحها أكثر من 1600 منظمة إنسانية عالمية، في مختلف المجالات التنموية.
&
لم تمتلك تل أبيب أي فرصة لدخول المجلس، وامتلكت فقط عشرة مستشارين في المجموعة الثانية من فرع المنظمات غير الحكومية، مجموعة لجنة الاستشارات الخاصة، بينما لم يتواجد أي مستشار يهودي، في لجنة الاستشارات العامة الأهم.
&
لم تغب مشكلة الأمم المتحدة عن العقل والوعي الجمعي الإسرائيلي، وربما بدا الاهتمام الحكومي بها أكبر، بطبيعة الحال، إلا أن المنظمات اليهودية، العاملة بالخارج، لم تدخر جهدًا من أجل تحريك «القضية – المشكلة»، بشكل جماهيري.
&
في صيف 1998، نشرت اللجنة اليهودية الأمريكية عريضة إنترنتية، على موقع «القدس الافتراضية»، جاء فيها: «صدق أو لا تصدق، إسرائيل هي الدولة الوحيدة، من بين الدول 185 الأعضاء، غير المؤهلة للانضمام لمجلس الأمن الدولي، المجموعة السياسية والأمنية الأهم في العالم، حتى إن العراق مؤهل للانضمام، وكذلك إيران، وكوبا وليبيا وكوريا الشمالية والسودان وسوريا، السبع دول المصنفون من قبل الخارجية الأمريكية كرعاة للإرهاب، كلهم لائقون للانضمام وقضاء دورة قانونية كاملة في المجلس، أما إسرائيل، الدولة الديمقراطية، وعضو الأمم المتحدة منذ عام 1949، غير لائقة قانونيًا لذلك».
&
بعد العريضة، وفي العام التالي مباشرة، 1999، أرسلت الحكومة الإسرائيلية للسير «روبرت جينينغز»، أحد أشهر قضاة بريطانيا، ورئيس محكمة العدل الدولية بين عامي 1991 و1994، وأستاذ القانون الدولي السابق بجامعة كامبريدج، مطالبة إياه بإبداء رأيه القانوني في «مشروعية استبعاد إسرائيل، من عضوية إحدى المجموعات الإقليمية، في المنظمة الدولية الأهم عالميًا»
&
هذه العلاقة المتناقضة، ما بين الشعور الإسرائيلي بالرضا والغبن، جعل تل أبيب تسعى جاهدة لتوسيع رقعة نفوذها في المنظمة، وبالطبع لم تكن لتكتفي بعضوية مؤقتة في مجموعة دول غرب أوروبا، ولذلك سعت على مدار خمس سنوات للانضمام للمجلس الاجتماعي الاقتصادي، الأهم بعد مجلس الأمن، فمن ناحية ستنضم للمتحكم الأول في بنية المنظمات غير الحكومية في العالم، البنية الممثلة في شبكة مهولة من النفوذ الناعم شديد القوة، ومن ناحية أخرى تسقط إحدى أجزاء العزلة المفروضة عليها، عزلة تنفك ببطء شديد، بالرغم من دعم واشنطن المطلق.
&
بالفعل نجحت تل أبيب في نيل مرادها، وبعد خمس سنوات ونيف من المحاولات المستمرة، وفي 11 مايو (أيار) لعام 2006، وافق المجلس على انضمام إسرائيل، كعضو كامل، لمدة أربع سنوات، بدءً من يناير (كانون الثاني) لعام 2007، عضوية انتظرتها تل أبيب طويلًا، منذ عام 2007، بدأت إسرائيل مرحلة جديدة، تتعامل فيها بشكل فعلي كعضو شبه كامل، وتحاول زيادة رقعة نفوذها؛ من أجل الوصول إلى مرحلة ترشحها لرئاسة اللجان الست الرئيسة للأمم المتحدة، وربما الفوز بإحداها إن أتاحت الظروف ذلك.
&
بالطبع تبدو العملة الأولى في عالمنا: النفوذ، وتترسخ القناعة العامة يومًا بعد يوم، قناعة تبشر بأن التغيير يتطلب كمًا هائلًا من الأموال والأسلحة والتكنولوجيا، ما يمكننا أن نطلق عليه «مختصر أدوات
&
القوة»، لذلك قد يبدو لنا وجود وعي جمعي، بين العرب، لا يعطي الأمم المتحدة أي اهتمام، في النهاية: منظمة مثلها مثل غيرها، خاضعة للهيمنة الأمريكية، كما يتوارد لأذهان نسبة كبيرة منا، وهو المفهوم الذي يحمل نسبة من الصحة، ونسبة من الخطأ أيضًا.
&
تتمثل الحقيقة في أن الأمم المتحدة مهمة بالفعل، وفي ظل بحث أغلب العرب عن التأثير المباشر السطحي، وهو شيء مفهوم في سياقه، فإن المنظمة الدولية تمتلك، بعيدًا عن مجلس الأمن ودوله الخمس الكبرى صاحبة حق الفيتو، قوة ناعمة شديدة التأثير والانتشار، تمتد من أقصى العالم إلى أقصاه، قوة تسعى إسرائيل لتملكها، جزءً بعد جزء، وفي مقابل تراجع الدور العربي في الأمم المتحدة، باستمرار وبطء، فإن الدور الإسرائيلي يتعاظم يومًا بعد يوم.
&
&
كاتب وباحث
&