&

أكد ما جاء في تقرير السير جون تشيلكوت حول الحرب التي قادها التحالف الغربي بقيادة أمريكا ضد عراق صدام حسين، مكملا لما أوردته أربعة تقارير صدرت قبله ومعززا لوجهة النظر التى تقول ان لندن وواشنطن بادرتا بشن الحرب " قبل ان يستنفزا الخيارات السلمية التى كانت متاحة للتأكد من ان ما يملكه نظام الحكم العراقي لا يرقي لمستوي اعلان الحرب ضد العراق وشعبه بالكيفية التى جرت بها ".

وبعد سبع سنوات، ها هو التقرير الذي انكبت علي إعداده لجنة مستقلة بتكليف من مجلس العموم، بناء علي إقتراح من رئيس الوزراء جوردن براون / عمال، لإماطة اللثام عن تداعيات الدور البريطاني في تلك الحرب، يري النور ويحدث زوبعة عاتية من الانقسامات بين فئات كثيرة متنوعة علي مستويين الرسمي والشعب داخل بريطانيا وخارجها.

عاب التقرير علي رئيس الوزراء توني بلير، الزعيم العمالي، ومستشاروه انهم " وضعوا المملكة المتحدة في ورطة عظيمة " لأنه الزج بقوات بريطانية مسلحة في معركة لم تكن مستعدة لها!! ولم يراعوا التحذيرات التى توقعت أن تتعرض لها سياسات لندن من عواقب التقييمات الخاطئة لحجم ملف اسلحة الدمار الشامل العراقية.

وانتقد التقرير سرعة استجابته لخطط الإدارة الامريكية بقيادة جورج بوش الاب التى " قوضت سلطات مجلس الامن المخول وفق ميثاق المنظمة الدولية بالنظر في مثل هذه الملفات التى تهدد الامن والسلم العالميين ".

وكشف أنه لم يدقق كثيراً في المعلومات الإستخبارية التى قدمت له حول ملف اسلحة الدمار الشامل في عراق صدام حسين، والتى كانت كل المؤشرات تؤكد ان معظمها مخطئ وغير دقيق ويميل إلي تعزيز وجهة النظر الأمريكية علي حساب الواقع.

لا خلاف من جانبنا، أن&صدام حسين كان ديكتاتوراً وحاكا مستبداً.

لكن ما ذنب الشعب العراقي؟

صدام حسين غزا الكويت وهدد جيرانه، نعم&لكنه لم يكن يملك المخزون الضخم من اسلحة الدمار الشامل الذي اسحق شعب العراق ووطنه ان يدمر ينتهك ويمزق ويقتل ويشرد ابناؤه بهذه الكيفة المتواصلة حتي اليوم، و أن تتحول أرضه إلي حقل تجارب ومأوي أمن لمنظمات إرهابية عدة.

تأكيد التقرير الذي اعده السير جون تشيلكوت ان بريطانيا تسرعت في دعم الخطة الأمريكية لعزو العراق، كلام منطقي اعتمد علي تحقيقات استمرت لسبع سنوات وشهادة اكثر من 120 شاهد والإطلاع علي مئات من الوثائق والمستندات والقرارات.

لكن ما هي جدوي هذا الكلام الأن بعد أن ثبت بالدليل ان تلك الحرب كانت تستهدف العراق الوطن والشعب والتاريخ، وليس نظام حكمه؟؟ وهل من حق الشعب العراقي ان يطالب واشنطن ولندن بالتعويض المادي والمعنوي المستحق له بعد ان وجه التقرير انتقادات شديدة لرئيس الوزراء البريطاني ( 1997 – 2007 ) توني بلير؟

توني بلير&قال ضمن وقائع مؤتمره الصحفي – الإربعاء 6 الجاري - الذي استمر نحو ساعتين، أنه مستعد لتحمل مسئولية الاخطاء التى ارتكبت إثناء الإعداد لعملية غزو العراق، ولكنه انكر ان يكون قد خدع الشعب أو كذب علي مجلس العموم، أو انه أقدم علي ما أقدم عليه بسوء نية.

وبين انه، برغم اختلاف البعض معه حول " قرار التحرك العسكري ضد صدام حسين " إلا أنه علي يقين تام أنه إتخذ قراره أنذاك بنية خالصة وبما يخدم مصلحة البلاد العليا.

ودافع عن رسالته التي أعلن فيها للرئيس الامريكي أنه سيسير وفق خطوات إدارته " مهما كانت النتائج " وابدي اسفه وحزنه لوفاة 179 جندي من قوات المملكة المتحدة فوق ارض العراق بسبب هذه الحملة.

ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء الحالي.

طالب بضرورة استخلاص العبر والدروس من مجمل الأخطاء التى أشار إليها التقرير حول استعدادات المملكة المتحدة لخوض الحرب ضمن قوات التحالف بقيادة امريكا، لتكون دليلا عند الحاجة لإتخاذ قرارات مشاركة في حرب مستقبلية.

ونوه بضرورة ان يتحمل المستشارون الذين " وافقوا علي خطة الحرب " نصيبهم من مسئولية الاخطاء التي صاحبت الاستعداد لها وما ترتب عليها من سقطات لم يكن لها ما يبررها.

واشار إلي أن مجلس العموم يجب ان يراجع المذكرات والدراسات التى عرضت عليه أنذاك والتي دفعت الغالبية للتصويت " تأييداً لإقتراح رئيس الحكومة بضرورة الذهاب إلي الحرب، لأن صدام جسين يرفض الكشف عن ما يملكه العراق من اسلحة دمار شامل تهدد المنطقة بأسرها بالحرب والدمار ".

ملحوظة: كان ديفيد كاميرون من بين اعضاء مجلس العموم الذين وافقوا علي القرار الذي اصدره أنذاك بالموافقة علي ارسال قوات للمشاركة في فصائل التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن ضد صدام حسين!

عودة إلي توني بلير&الذي كرر اكثر من مرة ان العالم اصبح افضل بعد الخلاص من صدام حسين&ونسأله هل يملك الشجاعة لكي يوضح لنا كيف اصبح العالم اكثر سلماً وأماناً بعد هذا الخلاص، وما هي مؤشرات ذلك؟

في رأينا انه لا يملك اجابة صريحة واضحة وقاطعة علي هذا السؤال. لماذا؟

لأن الوطن العراق المتقاتل في حرب أهلية منذ ثلاثة عشر عاما، تحول إلي حقل تجارب لقوي اقليمية ودولية وصار يقترب من التفتيت والتجزأة يوما بعد يوما.

ولأن استنساخ تجربة تقسيم الوطن العراقي، في الجوار السوري حولت شمال البلدين إلي حاضنة للعديد من المنظات الإرهابية إشهرها – داعش – التي وسعت من دائرة بؤرها العدوانية الدموية إلي الجهات الأصلية الأربعة.

ولأن التفجيرات الدموية التى يصحو عليها الشعبين العراقي والسوري وغيرهما من الشعوب العربية كل إشراقة شمس، منذ ثلاثة عشر عاماً، تؤكد ان غزو العراق هو الذي فتح أبواب جهم علي المنطقة العربية، وليس هناك من يشير إلي قرب اغلاقها ولو بشكل تدريجي.

من المهم ان تراقب الشعوب العربية نتائج الانقسامات التى طفت علي السطح بين سياسيي بريطانيا ومجلس عمومها والرأي العام داخلها وخارجها، حول.

1 – ما إذا كان في الإمكان استخلاص بعض الجوانب القانونية من ثنايا تقرير تشيلكوت الذي يُعد " فنيا " بكل المقاييس، لكي تتمكن الأطراف المتضررة، من توجيه إدانات قضائية ضد المتسببين في الإقدام علي هذه الخطوة.

2 – هل في استطاعة اسر قتلي القوات المسلحة البريطانية وذويهم أن يرفعوا بموجب ما جاء فيه قضية ضد توني بلير ويقدموه للمحاكمة الجنائية؟؟ أم أن الامر كله لا يعدو أن يكون " محاكمة معنوية، أو محاكمة ضمير " أكثر منه مسعي قانوني لإثبات تزوير و سوء استخدام للتقارير المخابراتية؟

3 – هل يتحول هذا التقرير مع مرور الايام إلي وثيقة تضاف إلي ما سبقه، وإنتهي إلي معظم النتئاج التى توصلت إليها لجنة تشيلكوت، توضع علي الأرفف بلا فائدة؟؟ أم أن الرأي العام البريطاني قد صعد درجات في سلم الإحساس بالمسئولية في ضوء ما مر به من تجارب وأزمات طاحنة، آخرها ما يعيشه اليوم تحت ركام زلازال استفتاء يوم 23 يونية الماضي.

ما يهمنا هنا في المقام علي وجه التحديد ان نقف كشعوب عربية ومجتمعات مدنية إلي جانب الشعب العراقي إذا ما طالب بتحقيق دولي حول ما تعرض له من قتل وتشريد وتهجير منذ عام 2003 وحتي اليوم، وان نساند سعيه للحصول علي كافة التعويضات المادية والمعنوية المستحقة له بسبب ما لحق بوطنه ومجتمعه من تفتيت وتهميش وتقسيم، وما زُرع فوق ارضه من بؤر دموية لم يكن له بها صلة من قبل.

لأن ما عاشه من تداعيات المؤامرة التى تعرض لها منذ مارس 1003 ولا زال يتعرض له حتي اليوم يُعد من قبيل " جرائم الحرب " التى يجب ان يحاكم عليها مرتكبوبها، دون ان تسقط علنهم بمرور السنوات.

&

[email protected]

&