غابت الديار واطبق الظلام وأنا أغذ السير بلا هدف وبلا بوصلة تحت الأمطار. أرى جبالا تقترب مني بسرعة ثم تهرب فتعود وكأنها تلاعبني او تضحك علي. ومن ورائي اسمع المتنبي يقول:&

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

وانتهي الى بحر متلاطم الأمواج وثمة مركب صغير على وشك الغرق وركابه يصيحون مستغيثين وأشاهد صبيا يؤشر لي بيأس ورجاء طالبا النجدة.. أصيح لبيك لبيك وأنا الذي لا يعرف العوم وألقي بنفسي في اليم. عندما استيقظت صباحا كان العرق يتصبب مني ورأيت غيوما سودا تبتلع طلائع الشمس ولم تعد لي الطمأنينة إلا لسماع حركة بالقرب وثمة تهرير قط سرعان ما وثب على صدري كأنه رسول سلام وأمان.

في تلك الليلة نمت مبكرا وعندما استيقظت وأخذت أتابع نشرات الأخبار الفرنسية يوم العيد الوطني فوجئت وصدمت بأخبار شاحنة الموت التي كان يقودها وحش فقد كل انسانيته وراح يدوس على البشر أطفالا ونساء ورجالا. وتذكرت ما وقع قبل ذلك مؤخرا في كراد بغداد وشاحنة موت أخرى قتلت ما يزيد عن 300 شخص. كانوا يتبضعون مساء استئذانا للعيد. وسقوط المباني والمخازن والمقاهي على من فيها. رأيت الجماهير الفرنسية قبل الحدث مبتهجة والسواح يشاركونها الفرح، ثم وقع الهول الكبير وتغير كل شيء. في نيس الموصوفة بأنها عروس البحر تبنى التنظيم المجرم داعش الجريمة النكراء. أما في بغداد فإن الجريمة ظلت مجهولة هوية الفاعل. وتشير شهادات إلى أنها كانت نوعا من تصفية الحسابات بين قيادات الأحزاب الإسلامية الحاكمة. ولا أدري كيف تأتي سيارة شاحنة من ديالى وتمر بجميع نقاط تفتيش وهي محملة بأكداس من المتفجرات لتتفجر على رؤوس البشر. وأعود القهقرى الى ما حدث منذ مطلع القرن من جرائم باسم الإسلام في 11 سبتمبر وما بعده وصولا الى مجازر بروكسل وباريس. وأتساءل من جديد هل رأينا مظاهرة احتجاج حاشدة من الجاليات الإسلامية في الغرب تنديدا وتكفيرا للمجرمين. ربما حدثت بعض التحركات الصغيرة هنا وهناك ولكننا لم نر مظاهرة حقيقية كبرى واحدة على مدى عقدين من السنين وهذا يثير التساؤل ولاسيما حين نقصد بوجه خاص الجاليات المسلمة في فرنسا حيث يعيش 5 ملايين مسلم. أما بعض التصريحات الباهتة فكانت من قبيل حفظ ماء الوجه. أما فريق من المثقفين المسلمين فكان ولا يزال يبرر هذه المجازر بحجة ان فرنسا تتدخل عسكريا في أكثر من مكان. إنها تصريحات في الكواليس هنا وهناك ولا سيما بين مثقفين ينسبون انفسهم الى اليسار.

هذا الصديق الإيراني وهو من أقصى اليسار يقول: إن أصل كل البلاء والشر كان في حرب اسقاط صدام علما بأن فرنسا كانت ضد الحرب. ويقول لي لماذا لا تحدث جرائم كهذه في السويد أو النرويج مثلا. فباغته بسؤال ولماذا لم تقع حادثة إرهاب جهادية ولحدة في إيران لا من القاعدة ولا من داعش؟ قال: لأن أحدا لا يستطيع التنفس في إيران فأجبته وهل نسيت ان قادة وكوادر من القاعدة هربوا من أفغانستان الى ايران التي استخدمتهم مع النظام السوري ضد الشعب العراقي بعد سقوط نظام صدام؟ وهل سمعت بتصريحات الناطق باسم داعش عن العهود والمواثيق بينهم وبين ايران. سكت صاحبي وأغلقنا الموضوع.

وأضيف أيضا لماذا لم يدعو المجلس الأعلى للديانة الإسلامية في فرنسا من جوامع فرنسا إلى تخصيص اية مناسبة لإعلان ادانة الجرائم الإرهابية والتبرؤ منها. الحقيقة أننا أمام حرب عالمية جديدة ومن نوع جديد التي لا يمكن دحرها إلا برد عالمي وتنسيق على كل الجبهات ومعالجة أزمات المنطقة معالجة عادلة بما يستأصل الطغيان ويساعد على قيام أنظمة تؤمن بالعدالة والحرية والمساواة. أما التساهل الغربي مع المتهمين بالإرهاب كوضع أحد قادتهم المعتقل في فرنسا في غرفة واسعة مع صالة رياضة وتلفزيونات ونشر صوره كل يوم والحديث عنه ليل نهار فإنه لا يخدم هذا الهدف. وهذا المجرم التونسي البربري كان معروفا للشرطة والقضاء بعدوانيته المريضة ولكن القاضي لم يحكم عليه إلا بحكم خفيف مع وقف التنفيذ أي انه لم يسجن يوما واحدا، فهذا النوع من التعامل نع الإرهابيين يصب من حيث النتيجة في خدمة داعش وامثاله. صحيح انه لا يمكن تفادي ضربات داعش عندما ينفذها هذا المجرم او ذاك حيث ما اختار هدفه ان كان مهى او مترو او باصا ولكن من الممكن والواجب توجيه ضربات قاصمة موحدة ومنسقة تؤدي في نهاية المطاف الى تصفية هذا الوحش المنفلت.