هذه المقالة المتواضعة ليست للدفاع عن شخص الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان"، الذي أصيب في السنوات القليلة الماضية بالغرور وتضخيم الذات، نتيجة ما حققه الاقتصاد التركي من قفزات كبيرة خلال السنوات الإثني العشر الأخيرة" من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة "اردوغان"، والاستقرار السياسي الذي تمتعت به تركيا بعد اربعة انقلابات عسكرية منذ بداية الستينيات من القرن الماضي وحتى عام 1997م، اي بمعدل انقلاب واحد كل عشر سنوات، وكل انقلاب يرجع تركيا عشر سنوات الى الوراء على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

حتى لو اختلفنا مع "اردوغان" في نهج حكمه الذي اتبعه في الفترة الأخيرة حيث لم يعد يتحمل اي نوع من الانتقادات مما دفعه الى سجن بعض الصحفيين الاتراك وغلق الصحف ومحطات التلفزة التابعة لأحزاب المعارضة، هذا لا يعني ان نقبل بإزاحته عن السلطة عبر انقلاب عسكري مخالف للدستور، بل ان تتم إزاحته بالطريقة السلمية نفسها التي اوصلته الى السلطة، اي عبر صناديق الاقتراع بعد انقضاء مدة رئاسته الدستورية.

السبب الأول والأهم في فشل المحاولة الانقلابية هو وقوف جميع فئات الشعب وقواه السياسية دون استثناء ضد الانقلاب، بما فيها احزاب المعارضة ومن ضمنهم الحزب الكردي "حزب الشعوب الديمقراطي" الممثل في البرلمان، ونزول جموع هائلة من الشعب الى الساحات إستجابة لدعوة "اردوغان" للوقوف في وجه دبابات العسكر. أما السبب الثاني والذي لا يقل اهمية عن السبب الأول هو عدم اشتراك او موافقة القطاعات الأساسية في الجيش، وهي رئاسة الأركان وقيادات القوات الجوية والبحرية والبرية، وخيرا فعل رؤساء هذه القطاعات بعدم مشاركتهم في هذه االمحاولة الآثمة التي لو قدر لها النجاح لأغرقت تركيا في المجهول ربما لعقد من الزمن او يزيد، وقوضت كل ما حققته تركيا من تقدم على كل الأصعدة خلال السنوات الإثني عشر الماضية.

الرئيس "اردوغان" لم يكن في الماضي ولا في الحاضر يحظى بصك على بياض لشخصه، والدليل على ذلك خلافاته السياسية العلنية مع عدد من رفاق دربه وفي مقدمهم الرئيس السابق "عبد الله غل" ورئيس الوزراء السابق الذي استقال قبل فترة قصيرة "احمد داود اوغلو". ولو رجعنا الى النتائج التي افرزتها الانتخابات العامة التي اجريت مؤخرا حيث حصل حزب العدالة والتنمية على ما نسبته 49.50% من الاصوات، وهي نسبة كافية لإعطائه غالبية مطلقة (317 مقعدا من اصل 550)، لكن، في المقابل، نسبة من صوتوا للأحزاب المنافسة بلغت 50.50% من الناخبين.

لذلك آمل ان لا يخطئ الرئيس "اردوغان" قراءة ما حصل في نهاية الأسبوع الماضي بإعتبار فشل الانقلاب هو انتصار لشخصه هو وليس لمؤسسات الدولة والشعب التركي الذي اختار الديمقراطية اسلوبا للحكم منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي. الحكمة والحنكة السياسية تقتضيان من "اردوغان" ان لا يستغل محاولة الانقلاب الفاشلة للنيل من خصومه او مناوئيه السياسيين، بل ان يعمل في اسرع وقت ممكن على رأب الصدع في علاقته مع هؤلاء وذلك في البدء بإجراء مصالحة وطنية شاملة تبدء بمصالحة رفاقه في حزبه، ثم التصالح مع الأحزاب الوطنية الاخرى، وان يعمل على حل المشكلة الكردية بإعطاء الأكراد حكما ذاتيا ضمن الدولة التركية، وان يتبنى سياسة حسن الجوار مع الدول العربية المجاورة، وان يعمل على تحقيق سياسة "صفر مشاكل" مع دول الجوار التي طرحها رئيس الوزراء السابق "احمد داود اوغلو" عندما تولى رئاسة الوزراء.

في اعتقادي الشخصي، ان اعتقال وفصل حوالي 50 الفا من العسكريين وافراد الشرطة والقضاة والموظفين الحكوميين والمعلمين، ومنع الأكاديميين من السفر الى الخارج، كل هذه الاجراءات مبالغ فيها ولا تصب في المصلحة العليا للبلاد، وأتمنى ان يعاد النظر فيها باسرع وقت ممكن.

&تحية للشعب التركي واحزابه السياسية لدفاعهم المستميت عن الديمقراطية التي إرتضوها لأنفسهم اسلوبا للحكم، وقيادات الجيش الرئيسية التي لم تشارك في محاولة الانقلاب لإحترامها الدستور وإرادة الشعب.&

&