بعد اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية مطلع العام الحالي، أُعلن عن استضافة موريتانيا للقمة تبعاً للترتيب الأبجدي. ترتيب كان يتخطى موريتانيا طوال 43 عاماً هو عمر موريتانيا في الجامعة العربية بعد انضمامها رسمياً عام 1973، وهو انضمام تأخر 13 عاماً بسبب اعتراضات مغربية إبان مطالبة المغرب بضم موريتانيا إلى أراضيه مطلع الستينيات. تقول أوساط رسمية موريتانية إن موريتانيا تنتزع اليوم حقها باستضافة القمة بعد 43 عاماً على انتزاعها حق الاعتراف الرسمي بها كدولة عضو في جامعة الدول العربية، لتؤرخ بذلك لمرحلة جديدة من تعاطي موريتانيا مع الجامعة.

الإعلان عن استضافة موريتانيا للقمة في شهر مارس/آذار الماضي تبعه طلب بتأجيلها إلى 25 يوليو/تموز الحالي، لمنح موريتانيا مزيداً من الوقت للتحضير، فيما أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز أن القمة ستُعقد في بلاده ولو تحت الخيم، وذلك رداً على حملات التشكيك في قدرة موريتانيا على استضافة القمة بالنظر إلى تواضع بنيتها التحتية والخدمية.

تستعدّ موريتانيا لاستضافة القمة العربية يومي 25 و26 من الشهر الحالي، في ما تؤكد المصادر الرسمية انتهاء كافة الترتيبات لعقد القمة وتأكيد حضور عدد من القادة العرب للقمة التي اصطُلح على تسميتها بـ"قمة الأمل". ويحدو موريتانيا رسمياً وشعبياً الأمل في أن تتمكن من عقد القمة في ظروف سياسية وأمنية مُرضية، وهو ما تمثّل في تسخير كافة إمكانات وموارد الدولة للحدث الأهم بالنسبة لموريتانيا.

شرعت الحكومة الموريتانية في تشييد عدد من المباني والطرق وإصلاح وترميم عدد من المنشآت والمقار فضلاً عن تدشين مطار "أم التونسي الدولي" الجديد. وكشفت وسائل إعلام موريتانية عن إسهام عدد من الدول العربية في التكاليف المالية لاستضافة موريتانيا للقمة، ومنها السعودية والإمارات وقطر والكويت فضلاً عن الجزائر التي تُلقي بثقلها لإنجاح القمة وفق تصريحات سفيرها في نواكشوط.

على المستوى السياسي، أجرت الحكومة الموريتانية اتصالات سياسية بالمعارضة، من أجل تهدئة سياسية وإعلامية خلال فترة انعقاد القمة، وهو ما دفع حزب "تواصل" الإسلامي إلى إصدار بيان دعا فيه إلى إنجاح القمة، ورحب بالزعماء العرب، ما فُهم منه أن الإسلاميين لن يتظاهروا ضد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد أن انتشرت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعترض على زيارته موريتانيا. الترحيب بالسيسي أكده وزير الثقافة المتحدث الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ، قائلاً إنه سيكون هناك "ترحيب خاص بالرئيس السيسي"، في ما بدا كرد على الاعتراضات على زيارة الأخير.

بالمقابل، ينتاب المسؤولين الموريتانيين هاجس ضعف التمثيل العربي في القمة، إذ كشفت مصادر في اللجنة التحضرية للقمة أن كلاً من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الفلسطيني محمود عباس سيتغيبان، بعدما كان حضورهما مؤكداً، وذلك لـ"أسباب طارئة" فيما ينتظر أن يشارك كل من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير، إضافة إلى رؤساء اليمن وجزر القمر وجيبوتي والصومال، فيما تتمثل الإمارات بحاكم إمارة الفجيرة.و

من المغرب العربي فقد تأكد حضور الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس مجلس الأمة الجزائري ممثلاً الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فيما لم يتأكد مستوى التمثيل المغربي في ظل جفاء يطبع العلاقات بين موريتانيا والمغرب، على الرغم من النفي الرسمي من البلدين لذلك، والزيارات المتبادلة التي كان آخرها قبل أيام زيارة وفد مغربي حمل رسالة للرئيس الموريتاني من الملك المغربي محمد السادس.

كما تتمثل مجموعة من الدول العربية برئيس وزرائها، كما هو الحال في لبنان والأردن وليبيا، فيما تتمثل دول أخرى بوزراء خارجيتها، مثل السعودية والمغرب والعراق وسلطنة عمان وفلسطين والبحرين وتونس.

مجرد انعقاد القمة هو نجاح لموريتانيا، وتحميل قمة نواكشوط أكثر مما تحتمل أمر غير واقعي بالنظر إلى حجم التحديات التي يعاني منها العرب، والخلافات التي تقسم الدول العربية إلى محاور مختلفة ذات سياسات متضاربة. وهو ما أشار الأمين العام لجماعة الدول العربية أحمد أبو الغيط حين قال إن المواضيع التي ستُناقشها القمة هي المواضيع التقليدية كالقضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب وإنشاء القوة العربية المشتركة. ملفات خطيرة وملحّة تفرض نفسها على قمة نواكشوط، على رأسها الملفان الليبي والسوري. بالنسبة لليبيا لا يُتوقَع أن يخرج إعلان نواكشوط المزمع إعلانه في ختام القمة، عن تأييد الحكومة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، والتأكيد على مكافحة الإرهاب ذلك أن اللاعب الرئيسي في&الملف الليبي هو أوروبا إضافة إلى الأميركيين، فيما بقيت محاولات التأثير العربي في الملف الليبي محدودة التأثير والنتائج.

يغيب النظام السوري عن قمة نواكشوط كما أكدت وزيرة الإعلام الموريتانية هاوا تاندا، لكن الانقسام العربي يرجح أن يبقى حاضراً حيال الملف، وستكون موريتانيا في مأزق بما أن موقف حليفها التاريخي، أي الجزائر، مؤيد للنظام السوري، على عكس دول الخليج حليفة موريتانيا الأساسية في المنطقة.

أبقت موريتانيا علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري حتى الآن، وكانت العلاقات بأنظمة الثورات بروتوكولية فقط، فيما بقيت السياسة الخارجية لموريتانيا خلال هذه المرحلة رهينة لحالة من الغموض والازدواجية التي تفرضها المصالح داخلياً وخارجياً.

حالة الغموض هذه قد ستزيد من فرص موريتانيا في إدارة القمة العربية وحشد القادة العرب وتقريب وجهات النظر. تكشف المؤشرات أن القمة ستكون استثنائية بالنظر إلى مكان انعقادها والملفات المطروحة، فيما ستكون تقليدية بالنظر إلى تاريخ القمم العربية ومحدودية الدور والتأثير الذي تقوم به.