&
تتسم السياسة في طبيعتها بشيء من الباطنية في عملها، فالسياسي عندما يتحدث لجمهوره فإنه يتوخى إقناعه بما يكرّس سلطته ويحقق المصلحة العامة في ذات الوقت، ويجتهد أن لا يبدو متناقضاً بين ما يقول وما يفعل ، وهو أمر ليس مذموماً؛ إذا كان يتوخى المصلحة العامة واستمالة الناس إلى ما يحققها؛ لأنها طبيعة السياسة وطريقة عملها. لكن الحديث في السياسة من منطلقات دينيّة تعتمد مبادئ كلية لا تقبل أنصاف الحلول، فإنها حتما ستبدو متناقضة، وفيها نفاق سياسي يتوخى صاحبها مصلحة ذاتية أو مصلحة جماعته الحزبية، التي تتدثر بالدين وتستتر به، في سعيها الحثيث لحصد السلطة وجمع الثروة من خلال تضليل أتباعهم وخداعهم بشعارات دينية، لا تصلح في المواءمة السياسية.
مثل هذا التناقض والنفاق السياسي يتبدى بصورة فجة، في أفعال تيار الإسلام السياسي، فنجد مثلا: أحد الدعاة الحركيين، يصف سياقة المرأة للسيارة في السعودية فعل محرم؛ يفضي إلى الفسوق وربما الدعارة، ويهدد سلامة المرأة وشرفها، رغم أنها البلد الوحيد في العالم تقريباً، الذي يتخذ الشريعة الإسلامية منهجاً وقانوناً. وعندما سافر هذا الداعية إلى أمريكا مصطحباً زوجته في رحلته وطال مكوثه فيها، استخرج لها رخصة سياقة, ووفر لها سيارة، وسمح لها بسياقتها في شوارع أمريكا التي لا يحكمها الشرع، بل تحكمها القوانين الوضعية، كما يسمّيها التيار الإسلامي الحركي، وعندما حُوصر بالسؤال عن هذا التناقض بين قوله في السعودية، وفعله في أمريكا، لم يجد ما يخرج به من هذا المأزق المتناقض إلا, أن قال: إن أمريكا أكثر أمناً للمرأة، بحكم وجود القوانين التي تجعل سلامتها متحققة، وبالتالي كانت سياقتها للسيارة فيها حلالاً، بينما سياقتها في السعودية التي تطبق الشريعة الإسلامية في كل مجالات الحياة، حراماً. فأي منطق فج وأعوج يقوده لهذا الحكم البليد، فجعل الشريعة التي يتشدق بها الإسلام السياسي صبح مساء غير كافية لحفظ أمن المرأة وسلامة عرضها وشرفها، بينما القوانين الوضعية التي يحاربها الحركيون، أكثر قدرة وكفاية على حماية المرأة منه في بلد يطبق الشريعة. ومن سخرية القدر أن هذا الداعية (وهو عضو في مؤسسة حقوقية وضعية!) والذي شعر بالأمان على زوجته لتسوق سيارتها في أمريكا وهو مطمئن على سلامتها، هو وحزبه من يحاربون صدور القوانين والأنظمة التي تجعل المرأة السعودية أكثر أمناً كـ(قانون التحرش الجنسي مثلاً) وتساعدها على ممارسة حياتها الطبيعة دون خوف أو وجل، وحجتهم أنها قوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان، وأن تطبيقها في السعودية وسيلة لإزاحة الشريعة شيئاً فشيئاً. فجردوا الشريعة الإسلامية من مقاصدها هو حفظ الكليّات الخمس: الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل. وبدت وكأنها قاصرة عن تحقيق الأمن والأمان للناس، كما تفعل القوانين الوضعية التي أشعرتهم بالأمان وجعلتهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي بعيداً عن الشريعة وأحكامها (الكاملة!!).
ليس هذا التناقض الوحيد، ولا النفاق السياسي الذي يصطبغ به التيار الإسلاموي في تحركاته السياسية، فهناك دويلة خليجية تقنّن بعض الكبائر في الشريعة الإسلامية، وتُقيم المهرجانات الرياضيّة والفنيّة لنساءٍ كاسيات عارية، ولها علاقة متينة ودافئة مع دولة إسرائيل المحتلة، وتسرح مؤسسات الغرب المدنية والعسكرية وقوانينه الوضعية وتمرح فيها، مع ذلك فهي في نظرهم حامية إسلامية، لأنها تحقق مصالحهم، وتُحسن وفادتهم بـ " الحقائب المشتهاة!! " وغيره الكثير، كإسلاموية السلطان أردوغان وممارسته &العلمانية في حكم تركيا وإعادته العلاقات والتعاون مع إسرائيل. والمقام لا يتسع للتفصيل فيها، ربما سنتطرق لها في مقالات لاحقة.
&