&انتظر كثيرون اشتعال جبهة جنوب سوريا- شمال الأردن بعد تصريحات وزير الدفاع الأميركي، بأنها ستشهد عمليات عسكرية واسعة ضد التنظيمات الإرهابية، وبمشاركة أردنية، غير أن قراءة متمعنة لتلك التصريحات تكشف أن كارتر تحدث عن عمليات عسكرية انطلاقا من الجنوب، وليس في الجنوب، علماً بأن الجبهة الجنوبية لم تكن يوماً خارج نطاق استهداف الدواعش وظلت بوابة لهجمات منسقة ضد أهداف إرهابية في عمق الأراضي السورية. وإذا كان كارتر يزعم أن ذلك مفيد لناحية تعزيز أمن الأردن وفصل مسرحي العمليات في سوريا والعراق بشكل أكبر، فإن هذا يطرح تساؤلات في ظل إعلانات دولية عن تسريع حرب اجتثاث داعش، وخصوصاً من الموصل مع إعلان فرنسا بأنها سترسل حاملة طائرات إلى المنطقة إضافة لتعزيز دعمها الجوي للجيش العراقي، ويعني ذلك أن هناك تحركات ستراتيجية، قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد الإقليمي، في ظل معطيات تؤشر أنّ لدى واشنطن استعداداً للتساهل مع النظام السوري، خصوصاً وهي تعلن أن البحث في مصير الأسد مؤجل إلى مراحل لاحقة، وأن لا حلّ في سوريا من غير الجانب الروسي.&

من حق الأردن وواجبه أن يشعر بالقلق من أي تواجد للدواعش قريبا من حدوده مع سوريا والعراق، وهو وجود أغلق نقاط العبور الرسمية مع البلدين ودفع بالكثيرين للدعوة إلى إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، وهي دعوة لم تلقى نجاحا يًذكر خصوصاً وأن مدينة درعا وريفها تشهد حالة من الاستقرار النسبي، والمواجهات النادرة فيها تقع غالباً بين فصائل من المعارضة، أو هي مناوشات محدودة بينهم وبين قوات النظام المتمركزة في قلب المدينة وبعض بلدات المحافظة، والأهم أن مناطق درعا لا تشهد حضورا كبيرا لمقاتلي "داعش"، يستدعي من واشنطن شن هجوم عسكري واسع. فوجود "داعش" يقتصر على مجموعات محدودة القدرات، وتحركاتها تحت عين الجانب الأردني، وبرغم ذلك فان المنطقة الحدودية بين الأردن وسوريا تبقى خط عمليات، تتولى فيه قوات حرس الحدود والأجهزة الاستخبارية التصدي لمحاولات تسلل الإرهابيين وتجار المخدرات والسلاح، ورصد تحركات المجموعات المسلحة، وضمان عدم تمركزها في نقاط قريبة من الأراضي الأردنية.

يفضل الأردن بالتأكيد استمرار الحالة الراهنة عند حدوده الشمالية حيث تسود حالة من الهدوء بين النظام ومعارضيه، وهو يدرك أن اللجوء لتسخين هذه الجبهة من خلال شن هجمات واسعة برية أو جوية واسعة النطاق على معاقل داعش، يحتاج للتوافق مع موسكو بعد التيقن من مقدرة مناهضي هذا التيار على شن هجمات فعالة، والاحتفاظ بالأراضي المحررة، مثلما يدرك أن تمركز القوة الجوية التابعة لقوات التحالف على أراضيه يمنحه أفضلية يرى أن استثمارها يجب أن يكون في الرقة ودير الزور، لسد طرق الهروب نحو حدوده، كما حصل في العراق حيث كانت الأولوية لمواجهة داعش في الأنبار قبل الموصل، واأهم أن صانع السياسة في عمان واثق من نجاعة موقفه تجاه ما يحدث عند جارته الجنوبية ولا يجد مبررا لتغييرها، فما الذي يمكنه بقدرته المحدودة أن يحدث من تأثير أو تغيير، طالما أن تدخل القوى الكبرى لم يعد مجدياً.

لم يترك الأردن باباً للتواصل مع النظام السوري إلا وطرقه دون أن يتلقى الجواب ومؤخراً خبت رغبة عمان نتيجة رفض دمشق المتكرر وإصرارها على التعامل مع عمان بعقلية الثأر والانتقام لكن ذلك لم يمنعها من استقبال حزبيين أردنيين مؤيدين لسياستها لم يكن بمقدورهم إقناعها بعودة جيشها إلى الحدود الجنوبية لتؤكد على وجود دولة سورية قوية وصلبة على الجانب الآخر من الحدود وليس سرا أن عمان استعانت بموسكو أكثر من مرة لتبادل الرسائل مع دمشق التي تمنعت فيما واصلت بعض القوى فيها التحرش بالأردن بين وقت وآخروليس سراً أن الأسد يعتبر درعا وما يحصل فيها مشكلة أردنية، ورغم أن عمان رفضت في البداية هذا الطرح فإنها عادت للتعاطي معه من خلال اتصالات مع المعارضة على الحدود مع تجنب الصدام مع جبهة النصرة ووضع شروط على تحركاتها والانفتاح اكثرعلى المعارضة المسلحة المعتدلة والاحتفاظ بغرفة العمليات الدولية في عمان، وتطلب ذلك عمليا وجود أعين أردنية داخل الحدود السورية للبقاء مطلعة على ما يحصل قرب حدودها الشمالية المحروسة جيداً وبأحدث تقينات الدفاع الحدودي الموجودة في العالم واستغل الأردنيون خبرتهم المعلوماتية والأمنية والإجتماعية بالعشائرالسورية جنوبي البلاد لحماية أمنهم الذاتي واستغلال عدم الاتصال بالأسد لتقوية موقفهم في منظومة دول التحالف وبعلاقات الأردن القوية مع بعض الأطراف الإقليمية مثل تركيا والسعودية.

مهم جدا التذكير بأن إسرائيل ليست غافلة عن ما يجري وهي باشرت بإقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا في مساحة تسيطر عليها بعض فصائل المعارضة، وذلك بعد ان لم تعد الاوضاع الميدانية كما كانت، ولم تعد قوات المعارضة في الجنوب السوري على تلك الدرجة من القوة او الفاعلية او التأثير بعد الضربات الموجعة وأنشأت إسرائيل وحدة ارتباط تتولى التنسيق مع السكان السوريين القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ووزعت المساعدات عليهم وهي تستعين بجبهة النصرة وبعض الفصائل "الجهادية" الصغيرة، مستفيدة من تعثر محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وهي تستخدم أمام المجتمع الدولي حماية أمنها القومي وحدودهم وفي ذلك تبرير للدول المجاورة لسوريا لإنشاء مناطقها الآمنة الخاصة.