لم تکن عملية إختيار علي خامنئي کخليفة للخميني بتلك المهمة السهلة و العادية، ذلك إن العملية قد جرت وسط أجواء مشحونة بالتوتر و الضبابية و عدم الوضوح، خصوصا وإن إختيار خامنئي الذي کان في ذلك الوقت يعتبر مجرد ظل و شخصية جانبية قياسا للخميني الذي کما هو معروف عنه کان يتمتع بکاريزما لامناص من الاعتراف بها.

هناك من يعتقد بأن رجل الدين المتشدد بهشتي(رئيس السلطة القضائية) الذي قتل في حادثة تفجير مقر الحزب الجمهوري الاسلامي في عام 1981، لو کان حيا لما کان يتسنى لخامنئي أن يتبوأ بمنصب الولي الفقيه، لکن تداخل الظروف و مسير الاحداث و التطورات جرت بالصورة و الطريقة التي مهدت الطريق لکي يحظى خامنئي بهذا المنصب الذي يمکن إختصار النظام کله فيه، ولاسيما بعد تلك المساعي المميزة التي بذلها حليفه وقتئذ رفسنجاني في سبيل تعبيد الطرق أمامه کي يحظى بهذا المنصب.

من الواضح أن عهد الخميني کان عهدا عاصفا حفل بالکثير من الاحداث و التطورات الاستثنائية التي مهدت لفترة استثنائية ليس لإيران فحسب وانما للمنطقة کلها، لکن الذي لابد من ملاحظته و أخذه بنظر الاعتبار هو إن لشخصية الخميني تأثير و دور واضح في سير الاحداث و التطورات، خصوصا وإن الظروف و الاوضاع قد منحته هالة غير عادية دفعت الکثيرين للإنبهار به و تصوره شخصية مثالية و مقدسة، وقد کان الخميني الى اللحظات الاخيرة ممسکا بزمام الامور، مع الاخذ بنظر الاعتبار دور الحاشية المحيطة به من حيث التأثير عليه في إتخاذ القرارات"المصيرية" و الحساسة، غير إنه وفي کل الاحوال، فقد ساهمت الکاريزما التي يتمتع بها في حسم الکثير من الامور و القضايا و الملفات بإتجاه يتفق مع رغباته و ميوله.

إستلام خامنئي لمقاليد الامور کولي فقيه، کان أيضا إيذانا بالشروع في عهد جديد طفح بالکثير من الاحداث و التطورات الدراماتيکية التي کانت الکثير منها تميل لطابع تراجيکوميدي، وقد کان واضحا وعلى الرغم من الدعم السلطوي الاستثنائي التي يتمتع بها من جانب مختلف مٶسسات و أجهزة و قيادات النظام، بأنه شخصية عادية لايمکن أن ترقى أبدا الى مستوى الخميني، کما إن إدارته للأمور ‌أيضا کانت أيضا غير موفقة من العديد من الجوانب، ولأنه کان يشعر بضعفه و رخاوته في إدارة الامور داخليا و ماقد يترتب ذلك ليس عليه وانما على النظام کله، فإنه لم يکن أمامه من خيار سوى التعويل على عاملين هما: العامل الخارجي کبديل للتعويض عن الضعف و الهشاشة في إدارة الاوضاع الداخلية، ومن هنا فقد شهد عهده مايمکن تسميته بالفترة القياسية للتدخلات الايرانية واسعة النطاق في بلدان المنطقة، کما إن عهده قد شهد أيضا مايمکن وصفه بالتعاون و التنسيق الضمني مع الولايات المتحدة الامريکية حيث وصلت الى ذروتها في حروب أفغانستان و حرب الخليج الاولى و الثانية، والتي کانت إيران خامنئي عبارة عن دليل لواشنطن في غزو أفغانستان و العراق، حيث تخلص خامنئي بفضل ذلك من نظام طالبان في أفغانستان و نظام صدام حسين في العراق، أما العامل الآخر فقد کان السعي لإمتلاك القنبلة الذرية من خلال البرنامج النووي الايراني المثير للجدل و الشکوك.

نتائج و تداعيات تلك الحروب و ماقادته إليه بسبب من العديد من العوامل و الظروف المتباينة، منحت إيران خامنئي دورا توسعيا غير عاديا على صعيد المنطقة، وهو الذي فسره الکثيرون بإحتمال کونه مصيدة إستنزاف من جانب الدول الغربية، غير إن الاوضاع الداخلية في إيران و التي سعى خامنئي من خلال تدخلاته الخارجية و برنامجه النووي من السيطرة عليها فإن إنتفاضة عام 2009، قد جاءت لتثبت و تٶکد هشاشة و رخاوة خامنئي کولي فقيه عندما هتفوا بالموت له و مزقوا و حرقوا صوره وهو مايعتبر تحطيما لهيبته و النيل من مرکزه و مکانته، والذي أکد أيضا على فشل سياسة خامنئي لدفع أنظار الشعب الى الخارج هو ماقد ردده المنتفضون أيضا:(لاغزة و لبنان روحي فداء لإيران)، وهو مايبين عدم رضا الشارع الايراني على سياسة التدخلات التي ينتهجها خامنئي من أجل التعويض عن إفتقاده للکاريزما.

هتافات إنتفاضة 2009، ضد الولي الفقيه و ضد التدخلات الخارجية و التي کادت أن تودي بالنظام، يمکن إعتبارها بإنها تصويت شعبي إيراني على رفض التدخلات الخارجية، بمعنى رفض أحدى الرکيزتين التي إعتمد عليها خامنئي من أجل تثبيت دعائم حکمه بعد الخميني، غير إن الذي جرى للبرنامج النووي (الرکيزة الثانية للخامنئي)، کان هو الآخر ملفتا للنظر، إذ ظهر الخامنئي أشبه مايکون بشخصية هلامية و أميبية في إدارته للمفاوضات مع الدول الکبرى بشأن الملف النووي من خلف الستار، وإن تخطي 19 خطا أحمرا کان قد أعلنه خامنئي قبل أسبوع من التوصل للإتفاق النهائي قبل عام من الان، قد کان هو الآخر إعلانا آخرا بتحطيم جزء مهم آخر من"هيبة"و"مکانة" خامنئي و التي هي مکانة و هيبة الولي الفقيه أو أصل و أساس و جوهر نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية.

إثارة موضوع خليفة الخامنئي و الدعوة ضمنيا لعزله و إختيار قيادة جماعية للنظام کما دعا رفسنجاني لذلك في معرکة کسر عظم ضد خامنئي، وکذلك الاستنجاد بروسيا و صيرورة الدور الايراني في سوريا ثانويا قياسا للدور الروسي، و تصاعد مد الرفض و الکراهية للدور الايراني في المنطقة من جانب الشارعين العربي و الاسلامي، کلها مٶشرات أکثر من واضحة على إن رجل إيران المريض خامنئي قد أوصل النظام الى منعطف بالغ الخطورة خصوصا بعد أن نجحت المعارضة الايرانية المتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية في کسب دعم عربي و إسلامي غير عاديين خلال التجمع السنوي الاخير لها الذي حقق نجاحا کبيرا شهدت به العديد من الاوساط السياسية، وقد جاءت قضية الملف الصوتي الذي تم نشره على موقع المرجع الايراني الراحل المنتظري والذي تضمن معلوماتا حساسة عن مجريات الامور بشأن تنفيذ أحکام الاعدام بأثر رجعي بحق 30 ألف من السجناء السياسيين من أعضاء و أنصار منظمة مجاهدي خلق و التي وصفها المنتظري في هذا الملف أيام کان نائبا للخميني بأنه" أبشع جريمة منذ تأسيس النظام"، هذه القضية جاءت لتحرج إيران خامنئي أکثر فأکثر، بحيث إن توقيت إعلان و نشر هذا الملف يحمل الکثير من التأويل و التفسير و التحليل و الذي لايصب کله في صالح طهران.

هل سيکون هناك ولي فقيه ثالث في إيران؟ سٶال يطرح نفسه لکنه قد لايجد الإجابة الشافية و الوافية بنظر البعض ممن لايزالوا يراهنوا على هذا النظام الميت سريريا، لکن الاهم من ذلك هو إن منصب الولي الفقيه قد تم النيل من هيبته و أنزل من عليائه الى مستوى أقل مايقال عنه إنه لايتناسب أبدا مع السياق الذي رسم له ضمن نظام ولاية الفقيه.