حدث هذا في 27 يناير 2010 والمكان العاصمة الامريكية واشنطن حيث أعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما حينما كان يلقي خطابه عن حالة الاتحاد عن المبادرة الوطنية للتصدير، والتي كانت تهدف لمضاعفة الصادرات الامريكية مرتين في غضون خمس سنوات. كان العملاق الامريكي يستقيظ من الهلع الذي انتاب الاسواق منذ عامين، والأهم كانت هذه المبادرة موحهة للصين لفتح أسواقها للصادرات الامريكية وأعادة تقييم عملتها اليوان لموازنة السوق التجاري بين البلدين والذي كان يميل للصين بشكل فاضح في حينه. لم تستجيب الصين بل وتجاهلت الدعوات الامريكية المتكررة من خلال قمم ما يعرف ب G20 أو من خلال صندوق النقد الدولي لإعادة التوازن المنشود. فلجأت الولايات المتحدة الى سلاح أقتصادي فتاك تجبر من خلاله غريمها للنزول عند أرادتها. كان هذا السلاح عبارة عن سياسة نقدية أطلقتها واشنطن نهاية العام تدعى التسهيل الكمي Quantitative Easing وهي باختصار طباعة أوراق نقدية جديدة. كان الهدف أغراق الصين بالدولارات المطبوعة حديثا وحيث ان الاخيرة كانت تربط عملتها بالدولار، فسيساهم هذا بالتضخم في الصين وارتفاع تكلفة المعيشة فيها ونجحت الخطة الى حد ما.

وككل صراع بين عملاقين كان لابد من أضرار جانبية تؤثر على الصغار الأخرين. فانتاب العالم في حينه موجة من التضخم وارتفاع لأسعار الطاقة والمواد الغذائية الضرورية لمعيشة مئات الملايين من البشر. ولأن المنطقة العربية ليست استثناءاً، فعانت الكثير من دولها، وخصوصا من كانت تعتمد على الدعم الخارجي، من هذا الغلاء القاتل ووصلت اقتصاديتها الى حد الانهيار. فكانت الاضطرابات والمظاهرات في بداية العام 2011 التي اجتاحت تونس في البداية ثم تلتها مصر وليبيا واليمن والأردن والمغرب وسوريا وكان محركها الأساسي الحالة الاقتصادية البائسة والظروف المعيشية القاهرة. حيث لم يكن لما أطلق عليه في حينه بالربيع العربي أهداف سياسية واضحة أو تطلعات ديمقراطية والدليل على ذلك ما آلت اليه الأمور في الكثير من هذا الدول حيث سادت الفوضى وانهارت الأنظمة السياسية فيها.

كانت تلك محاولة لفهم الأحداث ولربط بعض أجزاء الصورة ببعضها لكتابة تاريخ ما جرى واستشراف مستقبل قادم. لا يمكن ان نعزل أنفسنا عن العالم فما يحدث فيه يؤثر علينا ايجابا أو سلبا. نعم في رأي المتواضع كنّا أضرار جانبية لصراع الجبابرة وكنا حلقة صغيرة في صراع يمتد على حافتي المحيط الهادي. حروب العملات قد تكون أخطر ما سيواجه العالم في العقود القادمة وأثارها لا يمكن الاستهانة بها فهي تمس حياة الانسان أيا كان تاجرا أو عاملا، مزارعا أو صانعا. فليكن منا طائفة تُعنى بدراسة ما يستجد حولنا من أزمات اقتصادية وما يليها من إجراءات تصحيحية تقوم بها الدول الكبرى لتجنب أو تقليل الاثار الجانبية الناجمة عنها. لا حاجة لبعثات وحضور ندوات ولقاءات، فالأمر يبدأ بالتدوين ثم التحليل فالتوصيات والباقي تفاصيل.