أسوأ سياسي في العالم هو ذلك الذي لا يعوِّل إلّا&على تقديم المزيد من القرابين ليدوم مجده السياسي

معلومٌ أن اقليم كردستان العراق يتعرض بين الفينة والأخرى للاعتداءات المتكررة من قبل دولة الملالي، ويتعرض الاقليم للضغوطات المالية والسياسية من قِبل الحكومة المركزية، كما ويتعرض للهزات الداخلية المفتعلة من قبل رجالات طهران وبغداد، هذا عدا عن الحرب الضروس التي يخوضها الاقليم مع فايكينغ العصر داعش، ومع ذلك ثمة من لا يُقدِّر كل ذلك من كرد سوريا ويود أن يُشغل الاقليم كل فترة بمناوشاته السياسية مع جماعة قنديلستان في الكانتونات الثلاث، فيا حبذا لو يقدِّر هؤلاء الساسة حجم المخاطر التي تهدِّد حكومة الاقليم، ويكفوا عن الاتكاء على ظهر الأقليم أو أجنحته، فيكونوا فاعل خيرٍ للاقليم وليس عامل تعطيلٍ لمشاريعه الكبرى، بالتالي يضعوا ثقافة التعكز في الوقت الراهن جانباً حتى يستعيد الاقليم عافيته، هذا إن كانوا حقاً مع قوة الاقليم واستقلاله وازدهاره.

كما على قادة المجلس الوطني الكردي التوقع بأن ثمة من يستدرجهم إلى نقاط الاشتباك المباشر مع الأجنحة العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وربما كان الهدف المخفي من وراء استشراس الأسايش هو جر اقليم كردستان العراق الى المستنقع السوري، وذلك بطلبٍ وإيعازٍ مباشرمن قبل طهران ودمشق، ومن ناحيةٍ ثانية فالمجلس الوطني الكردي ليس لديه القدرة العسكرية لمواجهة ذلك التنظيم وأجنحته الأمنية والعسكرية، ولكن هذا لا يعني بأن عليهم السكوت على ممارسات أنصار الاتحاد الديمقراطي إنما العكس تماماً، عليهم تعرية ممارسات أولئك العناصر وقادتهم، ولكن بالطرق السلمية وبدون اللجوء إلى السلاح، ففي هذه المرحلة ووفق ظروفهم لا تلائمهم إلَّا الأساليب اللاعنفية للنضال السلمي، والتي لجأ إليها المهاتما غاندي في صراعه مع الانكليز، فالاستعانة بسلاح غاندي في المواجهة هي الطريقة المثلى بتصورنا في الوقت الراهن لمواجهة الأجنحة الأمنية والعسكرية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.&

أما مِن جهة مَن يساوي بين الكرد الذين يُقتلون في بعض الجبهات بسوريا، ومَن يُقتلون في كردستان العراق، نقول لهم بأن من يضحي بنفسه من أجل أي شبر من أرض اقليم كردستان فلن تذهب تضحياتهم سدى، وكل شهيد في الاقليم يساهم في رسم حدود الاقليم ويعزز من قوته وينتزع بدمه المناطق التي استقطعها نظام البعث ووارثيه في بغداد، بينما الكرد الذين يضحون بأنفسهم في منبج وتل رفعت وكل المناطق التي لا تخصهم، فتضحياتهم لا تفيد الكرد بشيء، إنما هي تفيد فقط حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتغذى ويقوي سلطانه بناءً على تلك القرابين، والذي لا يقدر على أن يثبت حضوره على الساحة السورية إلّا بتقديم التضحيات إرضاءً لذاته ولحلفائه، كما ضحى من قبله الحزب الأم أي حزب العمال الكردستاني بما يقارب الأربعين ألف كردي بدون أن يحرر ناحية من نواحي كردستان تركيا.

إذاً فالفرق شاسعٌ وواسع بين من لديه هدف استراتيجي وواضح يعمل لأجله ويسعى للوصول إلى هدفه بأقل التكاليف البشرية والمادية، وتنظيم آخر خطهُ هلامي لا قادتهم يعرفون إلى أين ذاهبون وما الذي يريدون! ولا القاعدة تدرك مرامي القادة وغاياتهم الماورائية! وما عليهم إلّا تقديم القرابين بناءً على حاجة القادة إلى ذلك، لذا يخال لمن يتابع مسار هذه المنظومة وكأنها في موسم حجٍ دائم، فما على الحُجاج المؤمنين بتلك العقيدة السياسية إلا تقديم المزيد من القرابين تقرباً من القادة (الآلهة) ومَن وراءهم، وليس من أجل الوصول الى الهدف الذي يحضهم على الإفتداء بأبنائهم لأجله.

وقد تبين ذلك جلياً في أكثر من موقعٍ في سوريا، إذ قدَّم الحزب المذكور العشرات من الشباب الكرد بدون مقابل وكان آخرها في مدينة منبج، بل وفوقها وبدلاً من شكرهم على تحرير المدينة تألب الرأي العام العربي ضد الكرد من وراء تدخلهم في شؤون تلك المناطق، مع أن الغرض منها كان تحرير الناس من داعش بناءً على توافقات دولية، بل ولم تقتصر الإشكالية على أنهم لم يجدوا مَن يشكرهم مِن غرماءهم السياسيين على الفعل فحسب، إنما جوبهوا أيضاً والكرد من ورائهم بشتى الوصمات، وذلك ربما من فرط ما يكنه الغريم من البغض التاريخي المتراكم، وقد عبّرت عن تلك الصورة الذهنية الكريهة عن الكرد الكاتبة ناديا عيلبوني في مقالةٍ لها في موقع السلطة الرابعة تحت عنوان: "أيها العنصريون، ما هي مشكلتكم مع الأكراد؟" حيث تقول الكاتبة: "يبدو أن النظرة العنصرية والدونية للمكون الكردي في سوريا، لا تقتصر على االمعارضة السورية فحسب، بل تعدتها الى معظم شرائح المجتمع السوري التي تربت عقليتها على خطاب حزب البعث الفاشي، الذي اقصى كل مكونات السوريين وحصرها بالعروبة الموهومة والمدعاة، وهذا هو الاخطر!".

فبتصوري مهما صنع المرء من الجميل لمن لا يكنون له الود فلن يلقى إلا النكران على ما فعل كأبرز تعبير يصدر عنهم، وذلك فيما يتعلق بمعارك أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي خارج مناطق نفوذهم، علماً أن أغلب أطراف الحركة الكردية في سوريا ممثلة بالمجلس الوطني الكردي ومنذ البدء ترفض مشاركة الكرد في محاربة داعش في مناطق لا تعنيهم، ورأوا في خطوة وحدات الحماية الشعبية تهوراً ومجازفة مجانية بحق الشباب والفتيات الكرد في محرقة الآخرين.&

ولكن حيال ذلك يبدو أن الاتحاد الديمقراطي مُلزم باتفاقياتٍ ما مع الجهات الدولية، وربما كان قراره مصادراً أيضاً من قبل الدول الاقليمية، لأنه من المعروف في العالم كله أن طالبَ الحق والحرية قد يُضحي بالغالي والنفيس في وقتٍ محدَّد ولأجل هدفٍ محدَّد، ولكنه لا يسترخص دماء أنصاره في كل الأماكن والأزمنة كما هو الحال مع روافد حزب العمال الكردستاني.&

لذا يطيب لنا أن نختتم المادة بجدلية المسمار والمطرقة، وسؤال المسمار عن كيفية اقتحامه للجدار وجوابه لو عرفتم حجم الضربات التي أتلقاها على قاعدتي لقدَّرتم موقفي وعرفتم عِلَّتي، إذاَ فكما هي بالضبط معادلة المطرقة والمسمار، فلربما كان الأمر ذاته هو ما يحصل بين الأسايش وقادة المجلس الوطني الكردي، وعلى المعنيين في المجلس أن يدركوا بأنه كلما كشَّر الأسايش عن أنيابهم يعني ذلك بأن هنالك ضغطاً وإملاءً وأوامرَ تصدر وتُتلى على مسؤولي ذلك الفرع المستحدث من قِبل أزلام البعث في دمشق وحلفائهم في طهران، طالما أن مركبة الاتحاد الديمقراطي لا تزال إلى يومنا هذا غير قادرة على أن تستقل بإدارة نفسها، فتقود ذاتها كما هو الاسمُ(الإدارة الذاتية)، بل وهي لا تزال تُقاد من قِبل قادة قنديل بالتنسيق والتشاور مع حاخامات العاصمتين المذكورتين أعلاه.&