لا يختلف اثنان على ان المنطقة تعاني من حالة اضطراب وفقدان الوزن والأخيرة حالة فيزيائية لوصف خروج الاجسام عن نطاق الجاذبية الأرضية وفي منظور تطبيقات السياسة تعني غياب واضمحلال الدولة , الدولة التي عدها كتاب السياسة الاوائل من ارقى صيغ العيش المشترك بين الافراد لضمان مستقبلهم فما الذي جرى لها في بعض عالمنا العربي حتى تآكلت الى الحد الذي صارت فيه عاجزة على الدفاع عن نفسها بوجه تحديات اقلها هذا الانهيار المريع للسلطة وتفشي الفشل والياس والفساد والاحتراب الداخلي مرة واحدة فما الذي جرى ويجري والى اين نحن سائرون؟؟

ليس من باب الاعتداد بالنفس او التنبوء فقد كتبت مقالا في هذه الصحيفة الغراء إيلاف عند أبتداء ما سمي وقتها الحراك بالربيع العربي او للأسف سمه الجحيم العربي قلت من ضمن ما قلت فيه من انكم سوف تبكون على هؤلاء الحكام الظلمة كما تصفونهم لأن البدائل هلامية وضبابية وتوقعت بروز الاخوان المسلمين كتنظيم بما عرف عنهم من انتهازية وسياسات مبطنة لاستغلال المناخ العام والقفز الى السلطة وتجييرها لهم الى الأبد تحت لافتة الديموقراطية.

&الأخوان المسلمون في الواقع هم من يتحمل اشعال نار هذه الفتنة التي يبدو انها لا تنطفئ نيرانها قريبا والذين تغلبت عليهم شهوة السلطة وزين لهم مفتيهم القرضاوي بان دولة الخلافة على منهجهم اصبحت قاب قوسين او ادنى وربما كان هناك من اقتنع او اقنعوه بانه الخليفة المنتظر فجاد عليهم بالمال وسخر لهم الفضاء البصري واطلقهم من قعر الظلام.

الحسن الثاني ملك المغرب الراحل عُرف عنه قدرة فائقة على نحت مقولات السياسة فرد على تعريف السياسة الكلاسيكي القائل بانها فن الممكن ليقول نعم لكنها ايضا هي فن التوقع.. وصانع القرار في اي بلد عندما لا يستطيع تفكيك معطيات المشهد السياسي واعادة تركيب صورته لاستقراء اتجاهات ومالات الاحداث في المستقبل عليه ان يمتهن اية حرفة اخرى غير السياسة.&

لا احد في عالمنا العربي ينفي بأن هناك سوء في الإدارة وتصريف شؤون العباد مثلما هناك فساد واستغلال نفوذ وتسلط الا ان هذه العلل لو بقيت في اطار المطالبة بالاصلاح والتدرج من غير هزات ارتدادية او تحطيم للبنى الارتكازية للدولة لبقيت منطقتنا في وضع احسن مما نحن فيه بما لا يجعلنا نترحم على الماضي فالشعوب احيانا لا تعي طبيعة الظروف التي يعمل وسطها السياسيون ونحن احوج ما نكون في لحظتنا الراهنة الى مصارحة النفس ومثلما يردد الاطباء التشخيص نصف العلاج فهل وضع ليبيا الان افضل وهل وضع مصر الان احسن من عهد مبارك وهل اليمن السعيد بحال صحية ومعافاة ام انها مشرعة ابوابها على الجحيم وهل الامن والاستقرار والسياحة والازدهار في تونس مثالي وهل ليلى المريضة في العراق يرجى شفاؤها قريبا واين كان كل هذا الكم العبثي من الارهاب يختبئ؟.. وفي اية تشققات كان يستلقي وينام..

الم تكن الدولة المقتدرة بجيشها وسلطتها ووحدتها الترابية سدا منيعا ضد الارهاب والتطرف فلو بقي القذافي هل كنا نسمع بأمارة سرت الداعشية وهل يتحول مفتي ليبيا السيد الغرياني الى زعيم ميليشيا ولو بقي صدام هل احدا سمع باسم الخليفة ابو بكر البغدادي ربما سيعرفه فقط جيرانه في جامع صغير في منطقة الطوبجي ببغداد حيث كان الخليفة الموعود اماما به و يجاهد من اجل الحصول على قبول الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة بغداد بحسب ما ذكر زميل له في الكلية.. الم يخرج الرجل الذي كان يشتم ويدحرج رأس تمثال صدام في ساحة الفردوس عام 2003م على شاشة السي ان ان قبل شهورليقول اتمنى لو يعود لأعتذر منه وأقبل رأسه؟؟.. كيف كان حسني مبارك ونظامه يتدبرون احوال مصر بميزانية مستقرة فالعملة الخضراء قد استقرت معه لعقود من الدهر حول سعر الخمسة جنيهات والامان كان يعم كل ارجاء المحروسة فلا جرعات مليارية للانعاش ولا أزمات.&

وفي تونس الجميلة حيث كان الدينار التونسي مستريحا والسياحة تزهو باحلى ايامها واليمن العزيزة لا اريد ان ازيد على قول ناشطة نسوية بارزة في الحراك اليمني ( لو كنا نعرف ما ينتظرنا لقبلنا راس المخلوع واكرمنا وفادته )؟ اسئلة مزعجة ومؤرقة للنفس لكن هذا هو الواقع فدولنا ليست منيعة وهي نتاج تراكم سنوات طوال وسارت الامور بطريقة مقبولة فهي اشبه بمبان قديمة لكنها راسخة وكان علينا صيانتها بالتدريج..

الفأس قد وقع في الرأس ماذا نفعل الان؟ واين هي الحلول؟ واين هي التسويات السياسية؟ ولماذا لا احد يستطيع فرضها بكل ما متاح من قوة وامكانات فنحن كأننا نشاهد مسلسل تلفزيوني تتناسل حلقاته من قتل وتدمير وتفخيخ وتشظي وحدة كيانات ومعارضات في فنادق تنتظر القفز الى السلطة بأي ثمن وارهاب يتفشى بيننا حتى وصل قطاره الى الاطفال الذين لا تتجاوز اعمارهم اربعة عشر ربيعا تحولو الى انغماسيين واحزمة ناسفة.. رباه اسعفنا مما نحن فيه والى اين نحن ماضون فلا احد يدري حيث لا نرى ضوء في اخر النفق وهل ستشرق شمس من جديد على الشام او صنعاء او بغداد او بيروت او طرابلس وان آخر دعوانا ان يحفظ الله بعنايته ما تبقى لنا من دول ويجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن.

[email protected]