&مشروعية القضية الكردية في سورية، تستوجب على الأحزاب الكردية هناك الإبتعاد عن التعلق بالأفكار العقائدية المسبقة والفلسفات السياسية المنمطة في التعامل مع هذه القضية، واللجوء - بدلاً عن ذلك - الى التعاطي العقلاني مع جملة من العوامل التي يمكن أن تُساعد الكُرد في الخروج من محنته التاريخية ونيل حقوقه بأقل خسائر ممكنة، خصوصاً أننا نعيش اليوم في عالم مغاير تماماً، عالم صار بحاجة الى الذكاء السياسي، كما يقول المفكر الراحل محمد عابد الجابري(1935-2010م)، أكثر من حاجته الى التشبث بالآيديولوجيات.&

&على الكرد في سوريا أولاً أن يعي أن إفهام العالم و إقناعه بأن من حق الكرد أن يتمتع بكيان خاص به، ليس بأمر سهل إن لم نقل في غاية الصعوبة..! المسألة هنا معقدة أكثر مما نتصور، لدرجة لايمكن معها التعويل على أفكار مثالية من هذا القبيل والإيمان المخادع بإستيعاب الرأي العام العالمي الرسمي لوجود كيان كردي آخر على غرار ما هو قائم في كردستان العراق..!

&ومن السذاجة طبعاً أن يراهن الكرد على أمر كهذا، ذلك لأن هناك أكثر من معضلة، أولاً: ثمة واقع سياسي مأزوم لايبالي اليوم بما هو عدل و شرعي أصلاً وإلا لما وقعت كل هذه والمجازر والجرائم والحروب!، ثم أن هذا الواقع ذاته، مثقل بصراعات إقليمية ودولية لاتسمح لأي طرف بالتفكير في أي شيء سوى هزيمة الطرف المقابل والنيل منه، فما بالك بالإهتمام بما هو حق والتميز بينه وبين الباطل..!

&وحتى القدر السياسي للكرد نفسه - قدر التجزأ والتشرذم- هو الآخر، معضلة كبيرة، بل علة العلل لهذا الشعب!، فهو بمثابة لعنة تاريخية طويلة تعود جذورها من جهة الى مجازر الإمبراطوريات الدموية بحق شعوب المنطقة وإذلالها وتقسيمها، ومن جهة أخرى الى مخططات الإستعمار وخرائطه المصطنعة، التي فُرِضَت على حساب شعوب يتيمة وذات جغرافيا سياسية معقدة كالكُرد، ولسيطرة أبدية للمستعمر على مُقدرات وخيرات المنطقة، كما ولـ(صالح) شعوب وأمم أخرى قبلت نخبها السياسية بكل شيء - حتى العمالة والتبعية للأجنبي- لقاء قبول هذا الأخير بحكمها للبلاد والعباد، الأمر الذي لم يفهمه الكرد في حينه لأسباب مختلفة، أبرزها الجهل بالسياسة الدولية والإنشغال بالفتن والخلافات الداخلية..!&

&و بهذا المعنى، ينبغي إذن على الأحزاب الكردية في سورية أن تدرك هذه الحقائق المرة وتتبنى مواقفها بناءاً على دراسة الوقائع والأحداث والتجارب وليس على الآيديولوجيات العقيمة، وأن تمارس سياساتها بفعل الذكاء السياسي والوعي بحقل السياسة وتقلباتها، أو تحالفاتها وتقاطعاتها، أو معادلاتها وصراعاتها، أو إملاءآتها وأكراهاتها! وذلك لتفادي الوقوع دوماً في فخ المخططات الدولية والتفاهمات العلنية والسرية بين الدول المعنية بالقضية الكردية. وهذا يعني، من جملة ما يعنيه، أن على الأحزاب والتيارات الكردية في رۆژئاڤا أن تلتزم بعدة أمور، أهمها هو:

- أن تتجاوز خلافاتها الداخلية والقبول بالبعض على قاعدة الأهداف المشتركة وتحديد أولويات المراحل السياسية المختلفة في النضال و التحرير.

- الإيمان بوحدة القضية الكردية المشروعة في سورية وعدم القبول بالعبث بها لأهداف خارجية.

- والأهم من كل هذا، قطع الطريق أمام أي إستغلال إقليمي - لاسيما من قبل محتلي كردستان - للتعددية الحزبية في رۆژئاڤا والإختلافات في وجهات النظر.

- وأخيراً الإسراع في فتح باب التفاهم الكردي- الكردي على كل المستويات لمزيد من التناسق و التقارب والتلاحم.

&وفي هذا الصدد، علينا أن نقول بصراحة أن مسؤولية إنجاز كل هذه الأمور تقع، بالدرجة الأولى، على عاتق حزب الإتحادي الديمقراطي PYD، الذي له الهيمنة والسلطة في كردستان سوريا ويتحالف معه بعض الأحزاب الكردية الأخرى.

&كما وعلى PYD أن يعي أمر آخر في غاية الأهمية، وهو أن القضية الكردية في سورية لها إستحقاقها الخاص بها ولايمكن تعميم أي فلسلفة سياسية شاملة وجاهزة على مجمل القضية في كل أجزاء كردستان، وهذا يعني أن حل هذه القضية في شقها السوري لا يتم إلا من خلال الإقرار بخصوصية القضية، وهي يعني، قبل أي شيء، التمسك بإستقلالية القرار السياسي الكردي في سوريا و رفض مظاهر التبعية للحزب العمال الكردستاني PKK الذي نعلم بأنه حزب مناضل ومشروع وغير إرهابي كما تدعيه الأتراك وحلفائها، ولكن تجنب العلاقة والتواصل معه اليوم وفي هذه المرحلة بالذات، أصبح من موجبات العمل السياسي العقلاني.

&و هذا يعني أنه بإمكان PYD أن يحفاظ على الروابط القومية مع الأجزاء الأخرى لكردستان في حدود التشاور والتنسيق مع قواها السياسية عند الضرورة، ورفض التماهي الفكري والسياسي مع أي طرف منهم، وهذه الرسالة موجهة حتى للأحزاب الكردية السورية الأخرى أيضاً، التي لاتزال بعض منها - للأسف - متورط في تبعية غير مثمرة لدول إقليمية باتت جلياً للكل بأنها تستغل أي شيء لإحتواء القضية الكردية وضربها.

&من جانب آخر، يستوجب على PYD أن يقيم علاقات قوية مع العواصم الأوروبية والعمل على إثارة الموقف الأوروبي تجاه التدخل التركي في الأراضي السورية وعدم الرهان فقط على التناقضات المرحلية والتكتيكية بين مواقف الولايات المتحدة الأمريكية و تركيا، أو بين الأمريكيين والروس، أو نظام الأسد و أردوغان، أو الإيرانيين و الأتراك، إذ يمكن لكل هذه التناقضات أن تتغير وتتبدل بين ليلة وضحاها وبالتالي تضحي بكل من يتعامل معها بالسذاجة السياسية وقصر النظر الإستراتيجي.&

&كما وعلى PYD أيضاً أن يُحسن علاقاته مع حزب البارزاني، لأن ذلك من شأنه أن يوفر له دعماً معنوياً وبشرياً لا بأس به من قبل بعض الأحزاب الكردية السورية الأخرى، التي يقف وراءها البارزاني ولكن تدعمها أنقرة أيضاً لأهداف خبيثة ربما أسوأها هو إشعال نار الفتنة والإقتتال فيما بين وحدات حماية الشعب ومسلحي هذه الأحزاب، الأمر الذي لايمكن أن يقع مهما كلف الأمر..!

&

* كاتب و إعلامي - من كردستان العراق&