&

تعتبر إدارة المخاطر من المهام القيادية والواجب القيام بها بانتظام لضمان استقرار الدول والمحافظة على كيانها. أنها عملية لتحديد وقياس المخاطر وتطوير استراتيجيات لإدارتها، بحيث تشمل هذه الاستراتيجيات تجنبها أو تقليل اثارها السلبية أو قبول بعض أو كل تبعاتها. فالحكومات الرشيدة عليها بأن لا تكتفي بما تنجزه على أرض الواقع، بل يستمر دورها بالنظر للأمام واستشراف المستقبل والتحسب لما هو آت. ان عديدا من الامم والممالك والحضارات ما كانت لتسقط وتندثر لو أن قياداتها امتلكت الجرأة ورباطة الجأش للاعتراف بالمخاطر والتعامل معها ومواجهتها. فكما قال داهية الصين صن تزو في أيقونته "فن الحرب" والذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد: "مبدأ الحرب أن لا تراهن أن العدو لن يأتيك، بل عليك الاستعداد لمقابلته، ولا تفترض أنه لن يُهاجِمك، وإنما عليك جعل الذات لا تُقهر".&

كان الاتحاد السوفيتي في عقوده الاخيرة يعتمد كليا علي عائداته النفطية لتأمين حاجاته الغذائية والمعيشية. فالاقتصاد كان شبه مشلول لانعدام التنافسية والابداع والانكفاء على الداخل. ومع ذلك كانت العائدات النفطية تُنفق بسخاء لتعزيز الترسانة النووية وتكديس الأسلحة ونشر الأيديولوجيا الماركسية عبر دعم حركات "تحرر" في أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. كان أنتاج الاتحاد السوفيتي من النفط في حينه قد تجاور الثمانية ملايين برميل يوميا أي ما يعادل انتاج المملكة العربية السعودية عملاق الأوبيك. لم يدر بخلد القيادة السوفيتية وقتها ان الأمور لا تبقى على حال وان تقلبات سوق النفط لا يمكن التعامل معها بطوباوية ورعونة، بل الأجدى تدارس مخاطرها وارتداداتها على الدولة والمجتمع. كان الاتحاد السوفيتي كفيل ضخم يقف على رجل واحدة متى ما تهاوت سقط الجسد كله. لم يكن السؤال عن حتمية السقوط بل كان السؤال متى وكيف.&

في العام 1986 انهارت أسعار النفط في الاسواق العالمية ونزل الامر كالصاعقة على رأس الرئيس الجديد ميخائيل غورباتشوف والذي لم يمضي أكثر من عام في مكتبه الأحمر. كان للتو قد أماط اللثام عن "ثورته" الإصلاحية والمعروفة بالبيريسترويكا لتعزيز الاقتصاد ولكنها سرعان ما ذهبت أدراج الرياح. لم تكن هناك خطط طوارئ معده مسبقا لمواجهة مثل هذا الظرف العصيب. فتعاظمت كرة الثلج وانحدرت الأوضاع المعيشية والاقتصادية الى مستويات قياسية لم تشهد البلاد لها مثيل من قبل. وفي أواخر العام 1991 وقبل شهر تقريبا من انهيار الاتحاد السوفيتي بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها وشهدت البلاد نقصا حادا في المواد الغذائية والتموينية وأنذر الوضع بثورة جياع، مما اجبر الرئيس غورباتشوف للإيعاز لأحد معاونيه بإرسال برقية عاجلة لرئيس الوزراء البريطاني في وقتها جون ميجور كانت قصيرة ومعبرة: "عزيزي جون؛ النجدة".&

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها / لكن أحلام الرجال تضيق