رغم مرور كل هذه الاعوام على جرائم النازيين في اوروبا المتحضرة الا انهم مازالو منبوذين ويٌطاردون ويُعتقلون ويحاكمون على جرائمهم التي ارتكبوها بحق الابرياء،تماما عكس ما يجري في العراق, حيث لايزال البلد مرتعا للقتلة والمجرمين والبعثيين الذين يحاولون جاهدا ان يعودو الى السلطة بثوب اخر.&

فبعد ضرب مدينة حلبجة بالسموم القاتلة من قبل النظام البعثي الفاشي, تحولت المدينة خلال دقائق الى مقبرة جماعية لاحصر لها ولو تمعنا اليوم في شوارعها وابنيتها وحاراتها وطرقها نرى اثارمخالب وانياب( سلطان هاشم وعلي الكيمياوي وحسين رشيد التكريتي وصابرعزيز الدوري) وجحوشهم الذين شدوا على ظهورهم احزمة الارتزاق والعمالة ليكونوا في المقدمة كادلاء قذرين ومنبوذين، نرى اثار المخالب على جسد تلك المدينة المنكوبة التي احرقت ودُمّرت عن بكرة ابيها بالمبيدات والسموم والصواريخ...

فبعد مرور كل هذه السنوات من وقوع هذه الكارثة البشعة،لايزال اهالي مدينة الشاعر ( عبدلله كوران )* يشعرون بضيق التنفس والاحمرار والحكة في العين وحرق في الجلد و احتقان الرئة والتعرق والتقيؤ والربو والسرطان واعراض مرضية مزمنة كثيرة أخرى.

فقبل 28 عاما بالضبط وتحديدا في 16 اذار 1988 شاهد العالم صورا مؤلمة لجثث امهات واطفالهن الرضع، وهي ملقاة وسط الطرقات وقرب ينابيع المياه وامام عتبات البيوت، مخنوقين بالغازات القاتلة قبل عيد (نوروز) بايام.&

نعم السموم التي لم تمهلهم كثيرا حيث ناموا نومتهم الابدية في حضن مدينتهم الجميلة التي تشوهت ملامحها ايضا بالسموم القاتلة بعد ان قصفت من قبل اسراب من الطائرات الهمجية الصدامية بالاسلحة المحرمة دوليا.

لهذا السبب ولاسباب اخرى كتب اهالي مدينة حلبجة المغدورة في مدخل مدينتهم وباللغات العربية والكردية والانكليزية (ممنوع دخول البعثيين)، يقال انها وصية لضحايا المبيدات والسموم القاتلة قبل ان يناموا نومتهم الاخيرة. ولهذا السبب يرفض اهلها دخول البعثيين اليها وبالحاح.

إﻻ أننا نتفاجأ بين الحين والاخر بزيارة البعثيين لها ولمتاحفها التي وضعت فيها القنابل والراجمات والصواريخ المعبئة بالسموم (هدايا النظام البعثي الفاشي) لاهالي حلبجة، لتبقى كشاهد على جرائم البعثيين من القتل الجماعي والأبادة بالاسلحة الكيمياوية المحظورة.

قبل يومين زارت نائبة في البرلمان العراقي محافظة حلبجة، وأعلنت من داخل مبنى النصب التذكاري الخاص بشهداء حلبجة، وأمام اهالي الضحايا الناجين من المبيدات القاتلة وتحت سماء المدينة التي عمت بالدخان والمبيدات والسموم و امتلئت ارضها بجثث الابرياء في اذار 1988 أنها ليس ضد الكرد وإنما هي ضد عمل الاحزاب السياسية الكردية وفي نفس الوقت وعدت اهالي الضحايا والمنكوبين بانها سوف تبذل قصارى جهدها لاعادة اعمار حلبجة. تلك المدينة التي دمرت ونسفت فيها البيوت بمن فيها، من قبل سيء الذكر صدام حسين وسلطان هاشم واخرين من رموز البعثيين الكبار.

في حين ان دخول البعثيين الى حلبجة وخاصة الى النصب الخاص بشهداء السموم البعثية أمر محظور وممنوع.

هل حقأ أن قبور الضحايا في حلبجة وارضها المليئة بالزنابق والبنفسج والرياحين والنرجس والازهار البرية المحروقة والمتناثرة التي يداعبها نسيم الصباح ويقبلها رذاذ المطر وتراقصها احلام الاطفال الذين خنقوا وناموا نومتهم الابدية في ساحات اللعب وامام عتبات دورهم وفي ملاعبهم الترابية الصغيرة وفي الشوارع وامام الدكاكين وفي ساحات المدارس، هل حقأ ان قبور الضحايا في حلبجة تحتاج الى أزهار و أكاليل غار من أمثال النائبة؟&

ام ينتظر اهالي حلبجة بفارغ الصبر تحقيق العدل وفي المقدمة تنفيذ ما اقرّت به المحكمة الجنائية العراقية بحق المجرمين والمدانيين والمطلوبين الهاربين من الجحوش (صداميين اكراد) الذين شاركوا النظام البعثي الفاشي في جرائمه بحق ابناء جلدتهم، كما يطالبون الحكومة العراقية بالعدل والمساواة والانصاف السياسي والاجتماعي والاخلاقي تجاه تلك المدينة التي دخلت التاريخ من اوسع ابوابه كهيروشيما وناكازاكي في اليابان.

متى ننفذ وصية أهالي الضحايا ونمنع دخول البعثيين الى حلبجة؟&

ـــــــ

* ولد الشاعر عبدالله ﮔﻭران عام 1904 في مدينة حلبجة، مارس مهنة التعليم من عام 1925 الى 1937 ثم عمل موظفا في دائرة الاشغال حتى اعتقاله عام 1951 ومن ثم ابعاده الى قضاء بدرة نتيجة نشاطه الوطني.. ثم خرج من السجن وتكرر اعتقاله عدة مرات الى ان حررته ثورة 14 تموز المجيدة في 10 8 1958.... يعتبر عبدالله ﮔﻭران رائدا من رواد التجديد في الشعر الكردي المعاصر ونصيرا بارزا للسلم ومناضلا صامدا في هذا الطريق... في عام 1962 عين استاذا محاضرا في القسم الكردي في كلية الاداب بجامعة بغداد، توفي في 18 11 1962 نتيجة اصابته بمرض السرطان.. لقد كتب عبدالله ﮔﻭ ران لنضالات الشعب العراقي بعربه واكراده، كما كتب عن السلام، الحرية، الشهيد، الخبز، الثورات والانتفاضات الجماهيرية،سجناء الرأي، نوروز، قصائد العشق وغيرها من القصائد الوطنية الرائعة والتي اصبحت شعارات واغاني تبقى خالدة الى الابد.&

&