&قلنا أن الفوضى الراهنة التي تمسك بخناق العالم، كل العالم، وتقوده سريعاً إلى كارثة كونية ليست إلا النتيجة الطبيعية لفصل النقود عن القيمة البضاعية في الذهب كما في غيره من البضائع.&

كان الناس قبل سبعينيات القرن الماضي يوفرون احتياجاتهم من السوق. يشترون سلعة ما بدولار واحد مفترضين سلفاً أن القيمة في السلعة هي نفس القيمة في الدولار. افتراضهم هذا لم يأت من فراغ فموجب قانون النقد الدولي وقع وزير الخزانة الأميركي كفيلاً للدولار تحويلاً بقيمته الإسمية إلى ذهب.
غير أن خللاً قاطعاً مانعاً اعترى قانون النقد الدولي حيث قامت الولايات المتحدة الأميركية ونتيجة حربها في فيتنام وانفكاك كافة الدول المحيطية عن مراكز الرأسمالية بفعل حركة التحرر الوطني 1946 – 1972 أنهكت مالياً ولم تعد قادرة على تغطية نفقاتها مما اضطر إدارة نيكسون في العام 1971 إلى الخروج من معاهدة بريتونوود 1944،التي كانت هي نفسها قد دبجتها، وتشترط على الدولة أن تمتلك من الذهب ما يوازي 20% من كتلتها النقدية. ذلك يعني أن الدولار لم يعد ذا قيمة محددة بعد الخروج من معاهدة لريتونوود ولم يعد توقيع وزير الخزانة على الدولار ذا معنى.
&
بدأ قطع العلاقة بين النقد والذهب بخروج الولايات المتحدة من المعاهدة التي كانت هي قد دبجتها، معاهدة بريتنوود 1944، وتبعها في ذلك مؤتمر الخمسة الاغنياء في رامبوييه 1975 الذين استعاضوا عن كفالة الذهب بكفالة شفوية تتعهد بموجبها الدول الخمسة متضامنة بالاحتفاظ باسعار عملاتها الخمسة ثابتة بالرغم من مختلف التغيرات التي قد تطرأ. وهو ما يعني أن الدول الرأسمالية الغنية الخمسة تعاهدت على تشكيل عصابة مضاربة في أسواق الصرف تتحكم باسعار عملات مختلف الدول في العالم بعيداً عن الإنتاج الرأسمالي لهذه الدول وهو الانتاج البضاعي.
مراكز الرأسمالية الكبرى الأربعة الأخرى، بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان، وقد فقدت محيطاتها لا يمكنها الاستمرار في الإنتاج الرأسمالي والاحتفاظ بقيمة نقودها كما كانت. فكان أن تنادت الدول الرأسمالية الخمسة الأغنى إلى قمة رامبوييه حيث ألغت غطاء نقودها بالذهب واستعاضت عن ذلك بكفالة جماعية للحفاظ على سعر صرف نقودها في الأسواق. القراءة الدقيقة لإعلان راميوييه تقول أن الدول الخمسة (G 5) شكلت عصابة مضاربة في البورصة تعمل على تثبيت أسعار صرف عملاتها الخمسة وبالنتيجة أسعار جميع العملات الأخرى مهما كانت الظروف المفاجئة، وهو ما يعمل بالعكس تماما من النظام الرأسمالي المعتمد على إنتاج البضائع التي هي الرحم الوحيد الذي تتخلق فيه القيمة (Value).
&
وهكذا كسرت منظمة الرأسماليين الخمسة الأغنى (G 5) قانون النقد الدولي وفقد النقد كل علاقة قيمية مع البضائع. وعليه فإن أي معادلة بين أية بضاعة تعادل أية نقود هي معادلة خاطئة لا تبررها أية مستندات مادية. تلك هي الفوضى، الفوضى الكلية الشاملة. الذهب الذي كان يقود العالم البشري منذ القدم حتى انهيار النظام الرأسمالي في السبعينيات أزاحته منظمة ال (G 5) عن مركز القيادة لتحل محله قرارات رغبوية ليست معلومة الحدود. وهكذا أصبح تبادل السلع والخدمات بين أفراد المجتمع،الذي ينظم المجتمع ويعمل على استقراره أصبح في فوضى شاملة تتم فقط بحكم تعسفي واعتباطي.
&
لا بد أن يتساءل الكثيرون عن إنكار العلاقة بين النقد من جهة والبضاعة من جهة أخرى طالما أنهم يشترون مختلف احنياجاتهم بالنقود!! هذا صحيح لكن أية نقود تلك التي توفر لهم احتياجاتهم؟ في العام 1970 كان سعر أونصة الذهب (70) دولاراً أما اليوم فقد تضاعف ثمنها عشرين ضعفاً ليصل إلى (1400) دولاراً، وكان سعر برميل النفط قبل السبعينيات (5) دولارات وتضاعف اليوم 28 ضعفاً ليصل إلى (140) دولاراً، في المواد الغذائية تضاعفت الأسعار ثلاثين أو خمسين ضعفاً وفي بعضها مائة وثمانين ضعفاً. النظرة المتفحصة للتبادل السلعي قبل مؤتمر الخمسة الكبار في العام 1975 وما هو عليه اليوم يدرك تماماً أثر إنكار الخمسة الكبار لعلاقة القيمة بين النقد والبضاعة وأن النقود التي كفالتها المضاربة في الأسواق المالية إنما هي نقود زائفة لا قيمة لها إلا لكونها الوسيلة الوحيدة التي تمكن الفرد من الحصول على احتياجاته المعاشية وهو ما قرره الخمسة الأغنياء في رامبوييه 1975.
&
إضطرار مراكز الرأسالية العالمية إلى التخلي عن إنتاج البضائع بعد أن فكت كافة الدول المحيطية روابطها معها ونالت استقلالها، ذلك ما أرّخ لمرحلة تاريخية جديدة تبدأ مع انتهاء مرحلة الرأسمالية والرأسمالية الإمبريالية لتبدأ مرحلة جديدة لم ينجح عامة الإقتصاديين والسياسيين في التعرف عليها حتى اليوم فيصفونها بالعولمة الرأسمالية التي تجدد شباب الرأسمالية، ويزعمون أن الشركات الرأسمالية انتقلت من المراكز إلى الأطراف بحثا عن قوى العمل الرخيصة!! أبت الجهالة إلا أن تتحدث عن نفسها. يجهل هؤلاء العولميون قانوناً أساسياً في الاقتصاد يقول أن العمل الرخيص ينتج سلعاً رخيصة والقليل من فضل القيمة التي هي الهدف الرئيسي للرأسمالي. ثم أن الشركة الرأسمالية في المركز اضطرت إلى التخلي عن إنتاج البضاعة لأنها لم تعد تجد سوقاً يمتص فائض الانتاج لديها فكيف يمكنها أن تتخلص من فائض الانتاج في الطرف!؟ ثم يفترض هؤلاء الأغبياء ضمنياً أن الطرف تحول إلى مركز والمركز إلى طرف ؛ ونحن نصدق أن مراكز الرأسمالية الكلاسيكية تحولت اليوم إلى أسواق واسعة لبضائع شرق وجنوب آسيا وهو ما يثبت انهيار النظام الرأسمالي في مراكزه، ولكن كيف لهؤلاء الأغبياء أن يصدقوا أن الصين وتايلاند وكوريا الجنولبة وماليزيا تحولت إلى بلدان رأسمالية إمبريالية!!؟ لمراكز الرأسمالية الإمبريالية شروط تاريخية لم تتوفر في شرق آسيا باستثناء اليابان التي كانت قد وصلت قاع الفقر بعد الحرب العالمية الثانية حتى العام 1951 حين هبّت الرأسمالية الأميركية " تنقذ اليابان من براثن الشيوعية ".
&
كان لينين قد أقام مشروعه في الثورة الاشتراكية العالمية مستهدفاً تقويض النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي حتى الوصول إلى الإشتراكية. ما حدث فعلاً هو تقوض النظام الرأسمالي العالمي في السبعينيات لكن بعد أن استطاعت البورجوازية الوضيعة السوفياتية بقيادة العسكر أن تستولي على السلطة وتدحر البروليتاريا ليبدأ انهيار الثورة الاشتراكية في مركزها موسكو، وهو ما أدى "لنظام" الفوضى في الاتحاد السوفياتي في الستينيات وترتب عليه انهيار النظام الرأسمالي لصالح الفوضى أيضاً. وهكذا استبدت الفوضى بالعالم بسبب البورجوازية الوضبعة السوفياتية وردتها على الاشتراكية.
&
السمات البارزة للمجتمعات التي تستبد بها الفوضى..
التراجع الكبير في إنتاج البضاعة.
انخفاض أعداد الطبقة العاملة البروليتاريا وكانت بحدود 70 مليون في أميركا في الخمسينيات وهي اليوم حوالي 30 مليون، وكانت في بريطانيا 32 مليون وهي اليوم 12 مليون فقط.
انزياح هذا الفرق في أعداد الطبقة العاملة إلى طبقة البورجوازية الوضيعة التي تعمل في إنتاج الخدمات.
تشوة الهيكلة الطبقية للمجتمعات. المحو الكامل تقريباً للطبقة العليا الرأسمالية وانتفاخ في الطبقة الوسطى، طبقة الورجوازية الوضيعة وتضاؤل طبقة البروليتاريا.
تورم سرطاني في إنتاج الخدمات.
ولما كانت الخدمات لا تخلق أي ثروة، يغرق المجتمع في تضخم نقدي وفي العوز.
يتم تبادل الخدمات مع البضائع بأضعاف أضعاف قيمتها ويتم استغلال الطبقة العاملة بصورة أبشع من الاستغلال الرأسمالي وتظهر على السطح دعاوى الاقتصاد المعرفي والملكية الفكرية ومثل ذلك من دعاوى وقحة تبرر استغلال الطبقة العاملة
تغرق الدولة في ديون أجنبية لسد حاجة المجتمع من البضائع كما هي الولايات المتحدة المدينة اليوم ب(20) ترليون دولار وبريطانيا المدينة ب (11) ترليون دولار.
مع سقوط النقود تسقط جمبع القيم المعنوية.
&
هذه هي الفوضى التي تستبد بمجتمعات اليوم دون أن يدرك العامة مخاطرها في وسط هذا الزعيق ملء فضاء العالم يطلقه كتاب وطلائعيو البورجوازية الوضيعة التي يستند سلطانها على الفوضى، والفوضي فقط التي تمكنها من استغلال الطبقة العاملة بصورة تتعدى آدمية بني آدم.
لا يدانيني أدنى شك في أن طبقة البورجوازية الوضيعة السائدة اليوم في العالم كله ستنهار في وقت قريب، وقريب جداً ويعمر قلبي الأمل بأن الفوضى التي ينتهي إليها انهيار البورجوازية الوضيعة ستكون فوضى خلاقة يبزغ في أفقها البعيد ضياء الإشتراكية، الإشتراكية السلمية اللاثوريه بعد أن تكون مختلف مؤسسات الإستغلال قد انهارت ذاتياً.
&