اعتدنا نحن ابناء هذا الوسط العربي ان نقرأ عن اوضاع الشعوب الناهضة وتجاربها في ترسيخ اقدامها كشعوب متقدمة قدّمت للبشرية ثمار التقدم والنماء عسى ان نرقى ونحذو حذوها ونتعلم من ابتكاراتها مثلما استفادت امتنا قبلا من الاغريق والرومان وفارس والحضارات العريقة الاخرى التي تظللَ أبناؤها تحت خيمة الاسلام وانتجوا حضارة عربية -- اسلامية عريقة بسبب التلاقح الايجابي السليم وتحقيق التنوّع وتطعيم حقول حضارتنا بكل ما هو مفيد لأثراء قيمنا وسلوكنا&

ولكن ماذا يقول عنا الطرف الاخر، وكيف يقوّمون وضعنا الحالي.

عثرت مؤخرا، وبالصدفة، في أرصفة الانترنيت وبسطاته من الكتب المعروضة للتحميل على كتاب اسمه " العرب، وجهة نظر يابانية " لمستعرب ياباني معاصر اسمه " نوبواكي نوتوهارا " وهذا الكاتب عاش بيننا لما يربو عن 40 عاما قضاها في معظم البلدان العربية واستقر سنوات طويلة في مصر وسوريا ولبنان وردحا اخر في شمال افريقيا، وجال في حواضرنا وأريافنا وصحرائنا ؛ تعلّم لغتنا باتقان واتصف بعاداتنا وتقاليدنا وانغمس فيها حتى كوّن فكرة عنّا وأبدى قناعاته التي سأسردها هنا نقطة نقطة وحرفا حرفا بايجاز شديد بعد ان قرأت مؤلفه وأمعنت فيه مليّاً وهو خلاصة تجاربه ومعايشاته الطويلة بيننا.

أوجز ايجازا شديدا ماعرض وشاهدَ واستنتج بشأننا هذا العائش بيننا وقد يكون في كلامه بعض الشطط لكني رأيت ان اغلب رؤاه وليست كلها لم تجانب الصواب:

--- العرب في الأعمّ الأغلب متدينون جدا وفاسدون جدا بنفس الوقت، يوغلون في الانهماك بطرق الدين ويمارسون الشعائر ويعلّمون أولادهم دينهم منذ الصغر فهو في نظرهم له الاولوية في مناهج التعليم والتربية لكن ذلك لم يمنعهم من تفشي الفساد بين ظهرانيهم.

--- يعتقدون ان الدين قد وهبهم كلّ العلم بما في ذلك العلوم البحتة والتجريبية ما لايحصى منها اضافة الى العلوم الانسانية الأخرى ما يفوق التصوّر والسيد " نوتوهارا " هذا يذْكر صديقا له دائم القراءة للقرآن الكريم وظل سنوات وسنوات مكبّا على قراءته لكنه لم يتغير ويرقى بفكره نحو الرقيّ والنماء وبقي على ذاته ولم يطرأ ايّ تغيير في شخصه في حين اننا كمجتمع ياباني نضيف حقائق جديدة ومبتكرة بينما العربي يعمل على استعادة حقائقهِ القديمة ويبقى يلوكها في حاضره وقد يصحبها معه في مسالك مستقبله.

--- انعدام الاحساس بالمسؤلية يطغى في مجتمعاتهم بحيث يصل الامر الى الاستهجان والاستخفاف حتى بالسجناء السياسيين الأشراف والمخلصين الى اوطانهم الذين ضحّوا واستشهدوا من اجل مجتمعاتهم ويبعدون الاحياء منهم على تولِّي المسؤولية لأجل بناء مقبل جديد في بقاعهم المتخلفة وترتيب حاضرهم الحالي.

--- مايزال العرب يستخدمون القمع والتهديد والضرب المبرح والعقاب الجسدي والنفسي في تعليم الاطفال والفتيان في مراحل دراستهم الاساسية وما بعدها وتلقينهم ما لايستساغ في عصرنا الراهن من فكر سلفي غير منتج بل ويعيق مسار النمو والتقدم، والغريب في الأمر انهم يتساءلون: متى بدأنا في قمع اولادنا؟؟ وكأنهم ينكرون ممارساتهم الشنيعة تجاه فلذات أكبادهم.

--- شيوع النمطية الواحدة في سلوكهم السياسي بدءا من رأس الهرم ويحبذون أطر الحاكمية الواحدة " السلطة حاكم واحد سواء كان ملكا أو أميرا أو سلطانا أو زعيما عسكريا او مشيخةً " ولو بدا دكتاتوراً ممتلكاً كل الصلاحيات وتأنس به حتى القاعدة والرعية ولا يريدون التخلّص من العادات والتقاليد المتوارثة وتشكيل نظام حكمٍ حديث ؛ دون الافلات من العرف السائد والموروث اللصيق بهم والالتزام المتزمت في بقاء أفكارهم موحدة رغم عقمها وصنميتها ويصل الامر بالنمطية الواحدة حتى في المأكل والملبس والسلوك الاجتماعي كتقليدٍ أعمى لافكاك منه.

--- اللهج والثرثرة بالديمقراطية لسانا وتظاهرا قشريا دون الأخذ بها عملا وممارسة بشكل يثير الاستغراب والحيرة وفق طريقة / يقولون ما لايفعلون&

--- كل الحكومات في البلدان العربية تسخر من المواطن وتستهزئ به وتكذب عليه وتدّعي زيفا انها تشعر باوجاعه وترفع هراوتها ادّعاءً على الفساد والمفسدين ولكن تلك الهراوة ترتدّ لتقع على رؤوس المواطن المقهور والرعية المصدّعة الحائرة بتوفير ابسط مستلزمات العيش ولا تناله حتى في حدّه الادنى.

--- تكالب العنصرية على العرب والوقوع في مزالقها أمدا طويلا من قبل الشعوب الاخرى حينما استعمروا في القرون القريبة الماضية لم يمنعهم من النفور منها ؛ فمازالوا يمارسونها ضد بعضهم البعض وكل قبيلة لها أعلامها ومنطوية على نفسها عشائريا ومذهبيا وفي ديدنهم التفريق بين مواطنيهم ؛ فهذا ليس من أعمامي وذاك ليس على مذهبي وبعيد عن طائفتي والآخر لايعجبني بشكله وسحنته السمراء ولا يشرفني ان اتصاهر معه وأضع يدي بيده وآنف من أن أتآلف سويةً مادام معتقده يخالف معتقدي وقومي من غير دمهِ ولو كنّا ابناء وطن واحد&

--- فقدان الشعور بالمسؤولية العامة اذ ترى المرء منهم عند حدوث الاضطرابات والانتفاضات كثرة اعمال الشغب والتخريب وسرقة المال العام وكأن هذه هذه الثروات ملك لحكوماتهم وليست لهم فيستحوذون عليها سرقة ونهبا مشاعا وان صعب عليهم نقلها تراهم يمدون أيديهم اليها تخريبا وهدما حتى تكون أنقاضا وركاما لانفع فيه.&

--- وعن جمهرة الانتلجنسيا العربية يتساءل الياباني " نوتوهارا ": مازلت لا افهم كيف تسول نفس كاتب مثقف او اديب او شاعر ليسخّر قلمه من اجل مديح السلطة او احد رموزها مهما قدّم من مهارات فمثل هذه الأساليب التقريضية والمدائح والصراخ في الشعارات لرفع شأن سياسيٍّ ما تعدّ من المهازل عندنا ولايمكن ان يستوعبها عقل يفكّر ؛ فمن الغرابة رفع الأصوات والجهر بمديح رئيس او زعيم حزب ومن المعيب جدا انتشار صوره وشعاراته في الأماكن البارزة ولوحات الشوارع والساحات الرئيسية وكأنه نجم من نجوم السينما الهوليودية.

--- العرب بشكل عام لايستفيدون من تجاربهم وتجارب الآخرين ولا يتّعظون بالأخطاء التي مورست من قبل، وفوق كل هذا انهم يكررون أخطاءهم مهما جرّت عليهم من ويلات&

--- هناك شعور بالاختناق والنرفزة والسخط والتوتر والنظرات العدوانية الظاهرة في الوجوه والنظر الشزر وتكاد تكون ظاهرة شائعة في كل مرافق الحياة، في الشارع والسوق واماكن العمل وتكاد الابتسامات تختفي من العابرين والسابلة وكأن التجهّم والانقباض سمة شائعة وظاهرة في طلعات الناس أينما اتجهتْ وحيثما حلّت.&

--- المعيار الاساس في التحكم بالسلوك العربي المسلم يكمن فقط في الحلال والحرام ؛ فما رسخ في الدين بانه حرام فيجب النأي عنه ولو تغيرت الطباع وتجددت الازمان وكذا الامر في الحلال المقبول اسلاميا ولو خالف المدنية واعتبر ضرورة ملحة في واقعنا الراهن وكل ذلك يكمن في الخطاب الديني المقدس الممنوع التحرش والمساس به قيد انملة ؛ بل ان البعض منهم يتركون ثلاثة أرباع الحلال خوفا من ان يقعوا في الحرام توجسا وتحوّطا من الوقوع في الفعل والقول المحظور دينيا&

--- يبدي الكاتب الياباني نصحا وتنويها بان العرب لو أرادوا التخلص من جزء كبير من مساوئهم الاّ يذعنوا لحكم العسكريتاريا لان سبب كل الحروب المجنونة واللامشروعة هي العنجهية والتبختر العسكري بسيفه وصولجانهِ دون الإذعان الى العقل ؛ فالزمر العسكرية لاتبالي بالنتائج الكارثية التي تصيب الملأ المتعب أثناء وبعد الحرب بقدر مبالاتها بإشباع نزعات الانا والنرجسية الطاغية في نفوسهم الموتورة وتتلذذ بتعطيل حواس أفراد المجتمع " اخرس، صُم أذنيك، غُضّ بصرَك " وليعلم أصدقاؤنا العرب ان ادارة دفة البلاد ايّ بلاد تنحو نحو العصرنة والمدنية تفوق امكانيات ايّ فرد مهما حاز على قدرات علمية خلاّقة وموهبة واضحة وقوة كامنة فيه واتصف بكاريزما محببة من قبل الشعوب وهذه الادارة تأتي لمرة واحدة او مرتين على اكثر تقدير منعا من ظهور المركزيات الفردية وحالات الهيمنة على الهيكل السياسي وبعث الدكتاتوريات وسلطة الفرد الواحد.&

فتداول السلطة اسلوب حضاري متقدم من اساليب الانظمة السياسية الراقية كما ان الشعوب ولاّدة للمواهب ولم تعقم ابدا في انجاب الأخيار والأعلام والنخب السليمة سواء كانت سياسية او غيرها وفي حالة تجدد وتغيير نحو الأصلح والأنفع والاجدى.&

--- وأخيرا يُثني هذا المستعرب ثناءً كبيرا على الكرم المفرط وحسن الضيافة التي يتميز فيها العربيّ اذ لم يجد شعوبا تتصف بمثل هذا البذخ والعطاء الكبير حين يحتفي المواطن العربي بضيفهِ ولو كان في ضائقة مالية ويضطر ان يستلف من جاره او صديقه من اجل ان يغطي مصاريف مضيفه، فمثل هذه النفس الكريمة والإيثار لأكرام الاخرين ما كان لها ان تعيش وترضى ان تهجع في ظلّ ماضٍ رثّ وعقل مأسور في الحلال والحرام وليس جديرا بها ان تقع في مزالق الافكار السود التي عفا عليها الزمن وتنبذ الكراهية والمذهبية والتعصب الاعمى للأعراق والقبائل والخزعبلات الاخرى التي طمرتها المدنية الحديثة.&

عسى ان ينتبه أهلنا العرب المسلمون وغير المسلمين ويبدأوا في غسل أدران ماعلق في ثيابهم من هذا الوعث الضار، ففي نفوسهم ودواخلهم الكثير من النقاء والطهارات والنبل لابد ان تظهر وتبدو جليةً في وقت لاحق وكم نتمنى ان يكون هذا الوقت عاجلا لا آجلا.&

&

[email protected]