قيل في مفهوم السفاهة انها: "ضرب من الحماقة وقلة العقل وضحالة الرأي. ومن أبتلي بالسفه زل رأيه وفسد طبعه وغلب شره خيره. والسفه يدخل في القول والفعل والعشرة والمعاملة. ومن اكثر الغضب واستجاب لسلطانه ولم يلجم نفسه صار سفيها في تصرفه. ومن السفه إعطاء المال للسفهاء وإئتمانهم على كبار الأمور. ومن الحكمة ترك السفهاء وعدم مجاراتهم".&

اعلن مسؤولان ليبيان يوم الثلاثاء من الاسبوع الماضي، ان مخزون ليبيا المتبقي من الأسلحة الكيميائية قد تم شحنه بالكامل الى المانيا على متن سفينة دنماركية من ميناء في مدينة "مصراته"، وذلك في اطار عملية أمنية تمت باشراف الأمم المتحدة. وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى في 22 يوليو من العام الحالي قرارا لمساعدة حكومة الوفاق الوطني على التخلص من باقي الترسانة الكيميائية المتمثلة في نحو 13 طنا من غاز الخردل.

وقد اكد احد المسؤولين الأمنيين الليبيين هذه المعلومات بالقول: "تخلصت ليبيا من ترسانتها الكيميائية واصبحت بلدا خاليا من الأسلحة الكيميائية. نحن كليبيين لم نكن نريد هذه الأسلحة، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية الحالية ووجود داعش في المنطقة. والمعلوم ان "معمر القذافي" قد وافق في عام 2001م تحت الضغوط والتهديدات الأمريكية، على التخلص من اسلحة الدمار الشامل التي كانت بحوزته. وقد تم تسليم الأجهزة والمعدات الخاصة بتصنيع الأسلحة الكيميائية (وهي في الحاويات لم تفكك بعد) الى الولايات المتحدة، مقابل عدم التعرض لنظام حكمه ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده.

وفي 17 يونيو 2015م، اعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، انه تم التخلص من كامل نفايات الأسلحة الكيميائية السورية التي دمرت. وقالت المنظمة في بيان لها: "ترحب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالتخلص من النفايات الناجمة عن عمليات تدمير الأسلحة الكيميائية السورية التي تمت بنجاح على سفينة "كايب راي" الأمريكية". وقد تم ضبط ما مجموعه 1300 طن من الأسلحة الكيميائية ومعظمها من غاز الخردل وغاز السارين في سوريا. والمعلوم ان تدمير هذه الأسلحة جاء نتيجة اتفاق امريكي – روسي، بعد ان ثبت ان "بشار الأسد" قد استعمل هذا السلاح المحرم دوليا ضد شعبه، مقابل عدم اسقاط النظام الحاكم من قبل الولايات المتحدة.

بعد حرب الخليج الثانية والغزو العراقي للكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م، قامت القوات المتحالفة بتدمير كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية العراقية والمعدات والمواد ذات الصلة بها. وفي عام 1998م، ارسلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجموعة من المفتشين للبحث والتحري عن وجود اسلحة دمار شامل في العراق، إلا ان الحكومة العراقية آنذاك لم تتعاون معهم مما ادى الى انسحابهم من العراق، وقيام الولايات المتحدة وبريطانيا بشن عملية حربية، اطلق عليها اسم "عملية ثعلب الصحراء"، على نقاط محددة في بغداد.

اسلحة الدمار الشامل العراقية هي اسلحة قيل ان العراق امتلكها في عهد "صدام حسين"، وانه استخدم السلاح الكيماوي في بلدة حلبجة ضد المدنيين الأكراد، حيث قامت القوات العراقية بالهجوم الكيميائي في آخر ايام الحرب بين العراق وايران (من 16-17 مارس 1988م). قتل من سكان البلدة فورا ما بين 3200 الى 5000 شخص اغلبهم من المدنيين، وقد مات آلاف من سكان البلدة في السنة التي تلت الهجوم بسبب المضاعفات الصحية، والامراض والعيوب الخلقية.&

السلاح الكيميائي في الدول الثلاث دفع ثمنه شعوب هذه الدول على حساب اقواتهم واقوات الأجيال القادمة، وهذا السلاح لم يستخدم ضد العدو الاسرائيلي لا بطريقة مباشرة ولا كسلاح ردع كما كان يزعم حكام هذه الدول، بل تم استخدامه في كل من العراق وسوريا لقمع الشعبين العراقي والسوري، وكان من الممكن ان يستعمله "القذافي" ضد الشعب الليبي لو سنحت له الفرصة.

كلفت هذه الأسلحة مليارات الدولارات التي راحت هباء منثورا، ولو استخدمت هذه الأموال لتطوير مشاريع البنى التحتية من مدارس وجامعات ومستشفيات وطرق ومشاريع اسكانية وغيرها، لكان وضع هذه البلدان مختلفا عما هو عليه الآن من حروب اهلية دمرت البشر والحجر، وكرست الفقر والبطالة والفساد الضارب اطنابه في كل مكان.&

لا يقتصر تبديد الثروات الوطنية على إمتلاك السلاح الكيميائي، بل هناك من الحكام من يبددون ثروات شعوبهم للحفاظ على كراسيهم وعروشهم عبر صفقات خيالية ينتهي المطاف بتكديس اكثر معداتها في المخازن، وتتحول في النهاية الى خردة. إضافة الى الاستثمارات المالية الهائلة غير المدروسة بعناية في مؤسسات مالية وصناديق الاستثمار وشركات صناعية في الدول الغربية التي يتبخر اكثر من نصفها في حال حدوث اي هزة مالية كما حدث في عام 2008م. ولا ننسى تبديد الثروات الوطنية على بناء القصور والابراج السكنية العملاقة لإشباع الرغبات وإرضاء النزوات، والتي لا يستفيد منها المواطن بأي شكل من الأشكال.&

آخر الكلام: "عندما يستلم رجل سفيه لاعلم نافع له إدارة محل صغير فستجد أغلب الناس يتوقعون أن ينتهي ذلك المحل مفلسا في وقت قريب، وعندما يستلم رجل سفيه لاعلم نافع له قيادة شركة ما فستجد أغلب الناس يعتبرون شركته تلك من الشركات والمؤسسات صاحبة الأعمار القصيرة لامحالة. ولست أرجح إلا أن نفس الوضع ونفس القاعدة تنطبق على حكم السفهاء للدول والبلدان، فتنقلب حياة العباد بهم فيها عناء وشقاء، وتصبح الأنظمة والقوانين أدوات للفوضى والفساد الساطع كشمس الظهيرة في كبد السماء." (مقتبس من مقالة عن السفاهة لكاتب محترم لا يحضرني إسمه للأسف الشديد).