&

الى أبنائي وأحفادي ممن جرّتهم المليشيات والفصائل الحزبية والقوى خارج القانون الى حمل السلاح وزعزعة الامن والاستقرار في بلادي العراق التي عرقت خجلا مما يجري في مرابعها من ويلات وكبوات وحماقات.

أعرف انكم أغرتْكم هذه الأحزاب السياسية ورؤوس أفاعي المليشيات النافخة في ابواق الطائفية وأجّجت فيكم مشاعر الكراهية لبقية ابناء بلدكم ممن يشاركونكم العيش في هذا الوطن المبتلي بالنزاعات وانكم اضطررتم الى الانضمام في تشكيلات ميليشيا تلك الاحزاب والتيارات التي تدّعي حماية الدين أو المذهب بينما هي تسيء لجوهره من حيث تدري او لاتدري وزججتم أنفسكم بسبب البطالة العائمة في بلادنا عسى ان ينالكم شيء من لصوصية هؤلاء الذين عبثوا بمعتقداتنا وشوّهوا سمة التآخي والمحبة التي احتوتنا قبلا متجاورين ومتآصرين يسند بعضنا بعضا حاملين معا هوية الوطن الواحد يوم كنا نضمر معتقداتنا واعراقنا ومذهبيتنا في نفوسنا ولا نُظهرها خجلا واستحياء باعتبارها أصغر من ان تطال محبة الوطن الكبير العالي الهمّة والانتماء اليه ونكشف عياناً عن انسانيتنا ومواطنتنا كونهما اعلى وأسمى من خصوصيتنا.

دعني اسألك بُنيّ الغالي على قلبي يامن تتسلّح خارج إطار قواتنا المسلحة الرسمية المشروعة ؛ انا الاب الحنون عليك.

هل انت فرِحٌ بما تفعله حينما تفجّر بيتي أو تنتزعه مني وتطردني من جنّتي في هذه الدنيا الملأى بألف جحيم&

هل يعمر بيتك وانت تضع العبوة الناسفة لتهدم أسسه وأركانه... وهل تتذكر أننا بنيناه معا ورفعنا عماده وكم تظللنا بسقفه وتسامرنا وفرشنا مائدتنا وشبعنا سوية من خيراته وكنا صفّا واحدا لمجابهة من يعاديه وذقنا المرارات كلها وتحملنا حتى الحروب العبثية وغير المشروعة لحفظ بلادنا؟

ولتعلمْ ان حياتك لن تطول ياوليدي ان قتلتني ويتّمت أطفالي وجعلتهم بلا معيل وضيّعت مستقبلهم ورمّلت حليلتي وأمّ اولادي

هل يرضيك ان يتسوّل نسلي على قارعة الطريق يتزاحمون بين المركبات وعلى الارصفة توسلا بالمارة والعابرين من اجل عملة بخسة قد لاتصل الى ايديهم؟

هل تتلذذون ايها المسلحون اذا رأيتم أكواما من الحريم من الارامل اللائي فقدن ازواجهن بسببكم والشيوخ الهرمين الذين فقدوا أولادهم المعيلين تتدافع على ابواب الجمعيات المسماة بالخيرية وما تُدعى بمنظمات المجتمع المدني وهي تعطي الفتات من المساعدات والجزء الاكبر من العطاءات الخاصة بالدول المانحة تسرق في وضح النهار ويلقمها هؤلاء القائمون على تلك المنظمات المشبوهة المليئة بالفاسدين الحرباويـين المتزيين بزيّ الكرماء ؟؟

أعرف ان دولتنا عاجزة ومُقعدة وفاقدة الحول والقوة امامكم ولكني أخاطب ماتبقى من جذوة ضميركم الذي مازال ينبض ببقية إنسانيةً وأتوسم فيكم ان تكونوا عونا لا فرعونا.

تيقنوا ان موتي على ايديكم لن يجعل حياتكم اجمل، واذا كنتَ الان فاقدا للاحساس الانساني فتذكر انك ايها المسلّح خارج نطاق القانون سيؤنّبك ضميرك يوما ما ؛ فالضمائر لاتموت وان غفت بعض الآماد لكنها حتما ستصحو وسيقتلك الندم والتأنيب وستشعر انك تخاف من ظلّك وسوف تتعذب كثيرا حتى يقتلك العذاب فأنت انسان راقٍ نظيف السريرة لكن الطمع والحاجة – ما أقساهما – جعلتك تفقد الجانب المضيء من انسانيتك.

صدقني لو كان موتي يسعدك ويرفع من شأن بلادنا ويزيح عنها الهمّ والكدر ويبعد عنها هؤلاء السفلة والاوغاد الذين يعتاشون على موت وعذاب بني جلدتهم ؛ فاني على استعداد لان أموت انا وعيالي وكل اهلي وأقدّم نفسي نذرا وأضحية كي تعيش انت بسلام وتنعم في وطن خال من ساحات الدم والرصاص والفزع.

ان جوع اطفالي لايشبعك وهدم بيتي لايشيّـد بيتك ونزحي عن دياري ومحتدي لايؤمن الاستقرار لك، وهجرتي عن بلادي يُفقده موارده البشرية ويضيّع عقولها البانية وسيكون البلد خرابا وحقوله صحراء جرداء وان أفضل البناء ماكان في يد وعقل مواطنيه كدحا وابتكارا.

ليتك تبادلني المحبة والزهور والعطاء والتسامح بدلا من الجثث والخوف والهلع.

انا وانت من صنعنا العداوة والبغضاء بيننا حينما كانت عقولنا ومشاعرنا مغيّبة الوعي ومرهونة بيد الموتورين وطالبي الثأر والبغيضين من ابناء السفاح ومثيري الكراهية والتافهين الذين لايعتاشون الاّ على العداوات ويدبّرون النزاعات في ليلهم البهيم الحالك وهم من وضعوا ستارا اسود في وجهينا كي لانرى السمات والمشاهد والالوان التي اشتركنا معا في تكوينها ورسمها في فسيفساء بيوتنا وكانت تزيّن جدران وأركان بيتنا العراقي، فلنمزّق هذا الستار الاجرد لنرى الحقائق ساطعة بدون ان يوسخها العابثون بسخامهم ولوثات بصاقهم البذيء.

لا اريد ان اطيل عليك ولدي الغالي وتذكر ان هذه الحالة الشاذة التي نعيشها كلنا، وانت في معترك الحرب العبثية سوف تنسيك طفولتك وفتوتك وعودك النضير البريئ الكامن فيك لو بقيت رهينة لهذه الميليشيات وستُنهك فتوة شبابك وتقتل فيك ميعة الصبا وجذوة وشهامة الرجولة التي من طبائعها ان تسرع لنصرة المظلوم وتقف لمعاندة الظالم بشجاعتها، اما مواهبك التي اختزلتها من الادب والفن والثقافة في مراحل عمرك النابضة بالمرح الطفولي وزينة الشباب وقوة الرجولة وان ماتعلّمته من حسن الخلق وتربية الوالدين وفي مراحل دراستك فانها ستذهب ادراج الرياح وتُمحى تدريجيا مع أزيز الرصاص وأنفاس الحب، ونفثات الناي الحزينة الشجية التي طربتَ لها قبلا ستَـتَـشتت في فوهة البندقية بدلا من قصبة ومزمور الموسيقى.

ادعوك بكل صدق واخلاص ومحبة ان تتخلص من عبء سلاحك الثقيل على جسدك الفتِيّ الغضّ وروحِـك التواقة للجمال الغائب عنك لتعيد ومضات شبابك الضائع في ادوات العنف.

ابدأ بانتزاع كل مايثقل كاهلك من ادوات القتل وشريط الرصاص في عاتقك ومحزمك وما يخامر عقلك من خواطر الكراهية والمقت.

دع أجواءك تغازل نسمات السلام بدلا من خناق دخان الانفجارات وشميم الرصاص وان تشيّد علاقة حب مع فتاة احلامك وترسم مواعيدك ومشاويرك معها بدلا من تغتصب فتاة ضعيفة أنهكها الرعب والخوف وتمارس الجنس معها عنوةً بقوة سلاحك لتعود الى حياتك الجميلة الاولى وتجول مع اصدقائك في المتنزهات وتزور معارض الرسم وتشاهد أرقى الافلام وتقتني الكتاب المحبب لديك الذي أوصى استاذك وأصدقاؤك واسعو الافق بقراءته وتُـنمِّي عقلك بما ينفعك وينفع وطنك وبني وطنك أجمعين.

ان سلاحك المخيف المصوّب على أهلك وجارك أجدى ان تديره في وجه أعداء بلدك من غزاة الدواعش ومَن يناصرهم من خائني بلادنا ومن يحرّكهم، ومن متزعمي الجرائم المنظّمة الذين نراهم علانية يسرحون ويمرحون بين ظهرانينا، ومن المعيب جدا ان تزعزع جبهة بلادك الداخلية وتعيث فسادا في أحيائها وشوارعها وتثير الرعب بين السكان، فقد اخذت هذه الظواهر المزرية تتفاقم كثيرا وبلغت مخاطرها حدا لايمكن السكوت عليه وكأن الداخل صار جبهة حربٍ تفوق ما يجري في ساحات الحروب مع دخلاء الدواعش.

ودعني أذكرك بتجربة المقاومة الشعبية التي سميت وقتها " قوات الانصار " يوم أصاب الإنهاك قوات الجيش الاحمر السوفياتي في الحرب العالمية الثانية ولم يعد قادرا على مواجهة العدو النازي والفاشي وتطوّع الملايين من ابناء الاتحاد السوفياتي سابقا للدفاع عن بلادهم وهم خليط من الأجناس والأعراق والأديان والإثنيات تحت راية وطن واحد يوشك ان يُمحى ؛ وسطروا ملاحم البطولة التي يندر ان تكون مثيلا لها في التاريخ الحديث يوم كانت معظم المدن السوفياتية قد حوصرت سنوات من قبل النازيين حتى استعاد جيش البلاد أنفاسه وحقق انتصارات لاحقة

اجل هكذا تكون البطولة حين يحمى وطيس الحرب وتتفاقم البلايا والرزايا في البلاد، بسط الامن والاستقرار في الداخل ومواجهة العدو الخارجي معا ؛ فلا تنتصر ايها المسلح المليشياوي والمأجور من الاحزاب الطائفية على ضعفاء اهلك ممن انهكتهم فوضويات لاحصر لها فالانتصار والفوز على الضعفاء وخاصة من اهلك واقرب المقربين اليك هو من أخسّ الهزائم.

تذكّـرْ ايها المسلّح المغرر بك انك انت وليس غيرك من يمدّ المليشيات والاحزاب بالقوة والاستمرار ويجعلها تستمر في التخريب والتنكيل ببلادنا وأهلينا، ولولاك لما اشرأب عنقها وتطاولت شرّا وإمعانا في القتل والنزح والتهجير وخنق بقية حياة فينا فلماذا تكون أداة طيّعة وكفّا ضاربة ضد أخوانك ومواطنيك وجيرانك؟

واعلم ان ابواب الرزق الشريف مفتوحة لو شرعت في البحث عنها بجهد ومثابرة بعيدا عن أكياس المال الحرام من هؤلاء وفتّش عن منفذ رزق شريف يُرضي ضميرك ولو كان قليلا شحيحا، فالقليل الآتي من كدحك وهمّتك وتفانيك وعرق

جبينك هو الحلال الوفير الناتج من تعب يديك وعقلك بدلا من ان تستجدي اللصوص وتكون أجيرا ذليلا لسادتك وتدنّس نفسك وعائلتك من المال الحرام

خوفي انني أصيح في وادٍ غير مأهولٍ ببشر، وأحرث في ماء بحر، وأحفر نفقا في إبرة أصابها العوج والخدر ؛ فما في اليد حيلة الاّ نكتب ونومئ لما يجري من جسام الأخطاء عسى ان نظفر بمن يرى ويسمع ويتّعظ مع انني أدري ان رهاني ليس وفيرا وقد يكون خاسرا

&

جواد غلوم

&

[email protected]

&