يسعى معظم شباب العراق إلى اقتناء جهازين مهمّين، يعتبرونهما الضمان للتواصل الاجتماعي والدراسة واختصار الزمن، وهذان الجهازان، هما الحاسوب المحمول (لابتوب) ، والموبايل (الهاتف الخلوي).


تنامي التواصل الرقمي وانتشار التقنيات الحديثة في العراق

وسيم باسم من بغداد: اعتاد الطالب الجامعي رحمن سلومي على اصطحاب حاسوبه إلى الجامعة لحاجته الماسّة إليه في دراسته، كما يقتني سلومي أحدث جهاز موبايل يضمن له التواصل مع حلقة معارفه وأصدقائه. ويؤكد سلومي الرغبة الجامحة لشباب العراق في اقتناء الحاسوب والموبايل.

وفي جامعة كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) فإن من النادر أن تجد طالبًا أو موظفًا لا يقتني الهاتف المحمول. ويتوقع سلومي أن تشهد السنوات المقبلة اقتناء كل طالب في العراق حاسوبًا محمولاً.

وسيلة للتواصل
تشير دراسة أعدتها شركة quot;أورينت بلانيتquot;، إلى أنّ العراق يحتل المرتبة (136) عالميًا، في معدل انتشار الهواتف النقالة (الموبايل).ورغم بطء شبكة الانترنت في العراق، فإن الكثير من الأسر العراقية يحرص اليوم على الانترنت كوسيلة للتواصل مع العالم.

ومنذ عام 2003، تحتل منطقة اقليم كردستان المرتبة الأولى في استخدام شبكات الانترنت والموبايل، وتحلّ بغداد المرتبة الثانية، تأتي بعدهامحافظات وسط وجنوب العراق، وتأتي محافظة البصرة في مقدمة تلك المحافظات.

عقول عراقية
يلاحظ مراقبون ظهور عقول عراقية تنمّ عن قدرة على التماهي مع التقنيات الجديدة، فالكثير من الشباب العراقي يجيد اليوم الكثير من أعمال البرمجة، كما يجيد أساليب تطوير الحاسوب وتقنيات تصليحه. ينطبق الامر على الموبايلات، حيث افتتحت في بغداد والمدن الأخرى متاجر الموبايل، التي تحلّ أصعب المشاكل التقنية، وتستطيع تحوير وتطوير الكثير من برمجيات الهواتف المحمولة.

يأمل كامل الجميلي، وهو مشرف تربوي في الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد)، ان تنجح المؤسسات المعنية في دعم مشروع اقتناء الحواسيب لطلاب الجامعات على الأقل.

ويقول كامل ان وزارة التربية شرعت في إدخال منهاج الحاسوب في الدراسة الابتدائية والمتوسطة، لكنه يأمل في نقل التجربة من الميدان النظري الى التطبيقات العملية، ذلك فإن غالبية المدارس اليوم تتوافر على دروس نظرية، لكنها تفتقر مختبرات الحاسوب التي تمكَن الطالب من استخدام الحاسوب بشكل عملي.

ويشير احمد الى منهج تدريبي يتضمن معلومات أساسية حول مكونات الحاسوب وأنظمته، يتيح للطلاب المعرفة النظرية فحسب. وبحسب احمد فإن هذا ليس كافيًا، فبعض الطلبة لم يتعرفوا إلى الحاسوب عن قرب. ويقول احمد انه سعى الى شراء حاسوب محمول هذا العام، لكن كلفته الباهظة (حوالى خمسمائة دولار) حالت دون اقتنائه له. وفي الوقت نفسه فإن أحمد حريص على اقتناء موبايل حديث اشتراه بثمن يبلغ نحو مائة دولار.

ليس ترفاً
في الوقت الذي كان ينظر فيه العراقيون الى الحاسوب والموبايل وتقنيات التواصل الأخرى على أنها نوع من الترف في الأعوام السابقة، الا أن الأمر تحول الى ضرورة مع شعور الناس بالحاجة الماسّة إليها، واشتراط الكثير من المؤسسات والشركات المحلية والأجنبية العاملة في العراق على المتقدمين لطلبات عمل بشرط إجادة استخدام الحاسوب وتقنيات الاتصال الحديثة.

كما اضطر قيصر الجبوري، وهو تاجر، الى تعلم تقنيات الحاسوب، عبر دخوله دورة تدريبية في معهد لتعلم الحاسوب في كربلاء، لشعوره بالحاجة الماسة إليه في أعماله. لا تخلو مدينة عراقية من العشرات من متاجر الموبايل ووسائل الاتصال الاخرى، مثل الصحون اللاقطة، في وقت غابت فيه هذه الظاهرة تمامًا من الحياة العراقية قبل عام 2003، رغم أن خدمات الاتصال والبريد في العراق كانت موجودة في العراق في فترة مبكرة جدا، قياسًا الى الدول العربية.

ففي عهد الرئيس العراقي الساغبق صدام حسين كانت شبكة الانترنت متوافرة عن طريق المراكز أو عن طريق مودم الهاتف والاتصالات اللاسلكية، لكن لم يسمح باستخدامها إلا في نطاق ضيق في مجال القيادات فقط، عبر استخدام هواتف الثريا المرتبطة بالأقمار الصناعية.

ويبلغ يبلغ عدد مشتركي خطوط الهاتف الأرضي في العراق حوالى مليون ونصف مليون مشترك، بحسب إحصائيات عام 2009. أما مستخدمو الهواتف المتحركة فيبلغ حوالى 14 مليون مستخدم.

دورات تدريب
تنتشر في غالبية مدن العراق دورات تدريب الحاسوب والبرمجة، يشرف عليها أكاديميون أو أصحاب تجربة في مجال تقنيات استخدام الحاسوب.

كما تشهد الجامعات العراقية توسعًا كبيرًا في كليات علوم الحاسوب والمعلوماتية بسبب الإقبال الشديد عليها من قبل الطلبة.

أما احمد الجزائري في بابل (100 كم جنوب بغداد) فلن يتمكن في انجاز أعماله في التصوير الفوتوغرافي التقليدي والتصوير الرقمي من دون الحاسوب، فالحاجة الشديدة الى برمجة الكاميرات الرقمية الحديثة التي يستعملها، إضافة إلى تقنيات تعديل الصور ببرمجيات خاصة تحتم على العاملين في مجال التصوير، اتقان تقنيات الحاسوب وبعض البرمجيات الخاصة بفن التصوير.

في الوقت عينه، فان كل محال تصليح وبيع الموبايلات والصحون اللاقطة تحتاج البرمجيات في عملها. ويقول حيدر الياسري ان العراقيين استطاعوا ان يحدثوا انجازات رائعة في مجال علوم الحواسيب وتقنيات الاتصال، فلم يوظفوا خبرات اجنبية في هذا المجال، بل تمكنوا عبر الممارسة والتجربة خلال سنوات من الاستعانة بالمصادر العلمية، من تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في مجال تداول المعلوماتية والبرمجيات.

ويشير الى ان معظم العالمين في هذا المجال هم عراقيون، ما أتاح فرص عمل جديدة ساهمت في رفد الاقتصاد العراقي، وزيادة دخل الفرد.

الكفاءات المحلية

يلفت المبرمج علاء المرفدي، وهو مصمم مواقع الكترتونية، الى ان معظم مصممي المواقع الالكترونية اليوم هم من الكفاءات المحلية، حيث لم يستعينوا بالخبرات الأجنبية مطلقًا في هذا المجال.

كما يشير الى ان كل مصممي ومبرمجي الصحف العراقية هم عراقيون ايضًا نجحوا في تسخير المعرفة والارتقاء بها في إخراج جرائد عراقية تنافس الجرائد الأجنبية من ناحية التصميم والنوعية.

في الوقت نفسه، فإن جل مصممي الغرافيك وبرمجيات الفضائيات العراقية هم من الأيدي الفنية المحلية، ومعظمهم اكتسب تجربة من العمل لبضع سنين خارج العراق، حيث وظفوا خبراتهم في تطوير الفضائيات العراقية الكثيرة.

من مظاهر الإقبال على تقنيات التواصل الحديثة، ما يتحدث به صباح حسين، صاحب متجر لبيع الحواسيب، عن الإقبال الشديد من قبل الأسر على اقتناء الحواسيب المنضدية والمحمولة والهواتف النقالة، ناهيك عن الإقبال المنقطع النظير من قبل الشباب على هذه الأجهزة.

الربيع العربي في العراق
يقول جمعة حسين، وهو مهندس برمجيات، ويشرف على دورات تعلم الحاسوب والانترنت في واسط (180 كلم شمال بغداد)، ان ما يتداوله الإعلام من ان ثورات الربيع العربي اعتمدت تكنولوجيا المعلومات، مثل فايسبوك وتويتر والرسائل النصية، شجّع الشباب العراق على الإقبال الكبير على اتقان علوم النت والحاسوب، لا سيما بين اولئك الذين يتمتعون بمستوى تعليمي يساعدهم على هضم البرمجيات وتقنيات التواصل الاجتماعي.

ويضيف: يتخرج في المعهد الذي أعمل فيه حوالى 30 طالبًا شهريًا، حيث إن العدد يتزايد باستمرار. ويتابع حسين: رغم ان الدولة لا تقدم الدعم الكافي لصناعة البرمجيات وتقنيات المعلومات، الا ان هذه الصناعة تتطور في العراق بشكل سريع، لأنها تعتمد على عقول الشباب، لا سيما المتخرجون، فهي صناعة لا تحتاج مواد خام، عدا الحواسيب والبرمجيات، إضافة الى الإبداع الذي يتوافر في العراق بشكل كاف.