عبدالله الحكيم
&

الحلقة الثانية والأخيرة
لا أدري متى كانت أول مرة يطبعون فيها كتاب ثلاث الآف تجربة جنسية من امريكا، ولكنني على أية حال قرأت الكتاب هنا في مدينة جدة، بعد أن وصل الى مكتبتي في منتصف الثمانينيات ولا أدري صراحة كيف وصل الى هنا على وجه التحديد.
كان من العسير على رجل أن يشرع في تأليف كتاب على هذا النحو، مهما كانت براعته في اختراق المصارد التي يحصل منها على معلومات، لأن الكتاب يستند أولا واخيرا الى مسوحات توظف من خلالها المؤلفة اللقاء والأستبيان والتوثيق مع أطراف نسائية بمعزل عن شراكة الرجل. ولسبب او لآخر كان الكتاب من خلال تجاربه يطرح سؤالا واحدا لنساء وفتيات جرى اختيارهن عشوائيا من المجتمع الأمريكي.
هنا لا نستطيع طرح السؤال بجرأة كما فعلوا في الكتاب، ولكنني أكتفي بالاشارة الى مبرراته البحثية، حيث تريد المؤلفة تقديم اسئلة الى عناصر الاستبيان لمعرفة مدى الرضا عن حياتهن الجنسية، وفيما اذا كن فعلا على خلفيات سابقة بانجاز الموقف الحميمي مع شركائهن الآخرين.
كانت النتيجة محبطة جدا لمؤلفة الكتاب، وربما أيضا للشارع الأمريكي حيث رجحت أكثر من& سبعين في المائة لثلاثة الاف سيدة وفتاة يمارسن حياة اجتماعية عن طريق الزواج أو المساكنة أنهن لا يصلن الذروة اثناء ممارسة العلاقة الحميمة، وطبعا هناك لا توجد مشكلة كبيرة في الاختيار، فالمرأة تختار والرجل يختار، وقطعا فالأمريكيون ربما يبدون أكثر تمدنا في ذاكرة الدعاية الاجتماعية من شعوب بشرية اخرى، ومع ذلك لا علاقة لتنامي التعثر الجنسي بوجود حرية من عدمه.
فالعلاقة الجنسية لا تتأثر بالطقس العام، لأنها في حد ذاتها ثقافة خلوية.
وقد ثبت من خلال الاستقصاء أنه ليس من السهولة ادارة الحياة الجنسية ببراعة بين كل رجل وامرأة حتى في أكثر المناخات انفتاحا على الحرية، فاذا كانت المرأة طبيعية والرجل يتمتع بموقف طبيعي أيضا، فمن الواضح ارجاع الخلل في علاقة حميمة على هكذا نحو الى مسؤولية الرجل.
وعلى هذا الأساس أعتبر كتاب الثلاثة الآف حكاية أو تجربة جنس أمريكية يتناول المصير الحميمي للمرأة بتعريته جوانب خفية من حياة الرجل.
ولذلك فهو كتاب عن المرأة حيال الرجل.
ثم لك ان تطرح القضية من الجانب الآخر، فالمرأة في صيغ تكذب على الرجل بدوافع أنها لا تريد له مزيدا من الاحساس بالذنب، أو ربما بسبب أنه تسد عليه منافذ لكيلا يمارس باثر رجعي في حقها اتهاما بالبرود العاطفي.
ولذلك فهي تتظاهر معه بالسعادة، على أمل تجاوز فجوة الغبن الحميمي في فرصة أخرى.
وفي حالات فالمرأة تخشى بطش الرجل نتيجة ترسب خلافات سابقة أو كأن تعيش معه، ولكنها لا تثق به من الداخل. ولذلك فهي تمارس معه سلوكا ارتداديا يندرج في العقاب الصامت. وفي حالات تسيطر عوالق بذكريات أليمة في تركيبها النفسي كأن تكون تعرضت لاغتصابات قديمة توقظ في أحاسيسها من نواح الاستجابة الشرطية عائق الوصول الى الذروة.
وطبعا فقد دلت ابحاث بمعلومات من اضبارات الأمن الامريكي نفسه قبل اسابيع قلائل على ثراء المجتمع الأمريكي بحالات التحرش ضد قاصرين وبحالات اغتصاب، وقد ثبت ايضا أن نسبة كبيرة من المغتصبات لا يبلغن عن حالات الاعتداء لاعتقادهن أن الادلاء بمعلومات يضع حياتهن في مواجهة& لوم اجتماعي، وبالتالي فهو يضيف الى حياتهن عبئا آخر من الاحتقان النفسي.

ومن هنا طبعا فالنضج وحده أو عامل الرغبة الصرفة أو حتى الاختيار الارادي لا يمكن تفسيره بأثر رجعي على مدى نموذجية لما يمكن تصل اليه هذه العلاقة من انسجام مثالي يضمن للطرفين تقاسما بناءا لانعكاسات الخلوة.
وعود على بدء بما هو وثيق الصلة بانحسار الموقف الجنسي في المجتمع المدني، فقد دلت ابحاث نشرتها النيويورك تايمز قبل أيام أن الاستخدامات الدوائية لاستطبابات الجنس تلاقي رواجا في صفوف الشبيبة، اذ لم يصبح المرضى وحدهم أو من تجاوزوا العمر الافتراضي للرغبة يتعاطون الدواء ممثلا في الفياجرا وغيرها من الأدوية، وهذا معناه أن هناك فئات وشرائح من الممالك الذكورية طالهم اضطراب الثقة بالذات لأنهم فقدوا القدرة في ممارسة أداء طبيعي يضمن للمرأة استقرارا جنسيا أثناء التراسل الحميمي، بحيث ينتهي الموقف بعد تجاوز الذروة الأخرى بمسافة صحيحة.
لكن الأخطر من هذا وذاك أن وقائع على هكذا نحو في حالة التنامي يمكن أن تفرز حالة عدم استقرار في صفوف الرجال، اذ لم تعد النساء وحدهن ضحايا للغبن الجنسي، فيما يظل الفرق الأكيد أن الرجل لا يستطيع تمرير التظاهر لخداع المرأة كما أن حياكته لمشروع الكذبة البيضاء بهذا الصدد هو شأن غير وارد من أساسه، اذ كيف وبأية وضعية يستطيع الايماء أنه ربما كان يتجمل ولا يكذب!!
كاتب صحافي سعودي
[email protected]
&