دراسة للعسكرية الأميركية تكشف أسباب هزيمة صدام (2/6)
صدام حسين أراد ترك غزو الكويت للعشائر بدل الجيش

حينما وجدت لعبة الثورات والعنف سيدها صدام حسين في العراق
زيد بنيامين- إيلاف: قضى صدام حسين فترة قصيرة في المنفى الذي اختاره لنفسه في مصر حيث درس هناك الحقوق من اجل ان ينال القبول الاجتماعي في العراق ولكي يصل الى مراتب عليا في حزب البعث.

كان الغضب والاحساس بالإهانة من انتصار اسرائيل في معركة الايام الستة عام 1967 كفيلة بان تزعزع أسس العديد من الأنظمة العربية القائمة.. وفي محاولة منه في استثمار الفرصة في ظل هذه الأجواء.. نجح حزب البعث العربي الاشتراكي في قيادة انقلاب معتمداً على قضية استفادته من اخطاء الماضي.

اختارت قيادة الحزب وقتها ايضا صدام حسين والذي كان قائداً ميدانياً كبيراً من اجل ان ينظم عمل الشرطة السرية في البلاد وإنشاء دولة الإرهاب لكي تمس حياة العراقيين والمجتمع عموماً حتى لا يفكر بطرد البعث من السلطة مرة ثانية، وقد نجح الحزب سريعاً في إبعاد جميع معارضيه وتحييدهم حيث لم يكن هناك شخص واحد يجرؤ على طرح سؤال حول احقية وشرعية تولي البعث للسلطة في بغداد.

لم يكن حزب البعث وحده في هذه الفترة قد تعلم دروس الماضي بل صدام حسين نفسه .. حيث اثبت صدام انه من انجح الطلاب الذين مروا في اكاديمية الحياة هذه ..

ظن صدام حسين من وجهة نظره ان الحصول على السلطة امر سهل لكن البقاء في تلك السلطة هو التحدي بحد ذاته حيثإن العراق من هذا المنطلق بحاجة الى نظام قاس يراقب شعبه باستمرار وخصوصا ذوي العقول المستقلة لان افكارهم تنعكس على اقوالهم واعمالهم .. وبالنسبة إلى صدام فان عدم الولاء سياسياً يعني اقسى درجات التدخل العسكري وعدم التردد في لحظة في اتخاذ القرار حول عدم الموالين سياسياً .. وقد نجحت هذه الطريقة بصورة غير مسبوقة في إخضاع العراق ولكن هذه السياسة نفسها ادخلت العراق في دوامة من الحروب والضحايا مع جيرانه.

نجح صدام حسين في تقوية مكانة حزب البعث في العراق من خلال الاعتماد على الاستراتيجيات السرية للاتحاد السوفياتي والمانيا النازية حيث اصبح المخبرون والجواسيس اساسيين في بنية النظام العراقي وتحول العراق الى (جمهورية الخوف).

يقول التاريخ ان المجتمعات التي عاشت هذه الظروف نفسها تعاني انهياراً فيما بعد حينما لا يثق الجار بجاره، ويخاف المواطن من الحديث امام عائلته ، وحينما يقوم الاطفال بنقل اخبار عوائلهم بعفوية لا يعون عواقبها ..

تقول وثيقة عراقية في هذا الشأن حصلت عليها القوات الاميركية واشركت في التحقيق: quot;لقد قامت هذه المرأة التي اجبرها والدها على الزواج من رجل اعمال لبناني باتهام والدها واخيها بنشر الاشاعات عن حزب البعث العربي الاشتراكي ونظام البعث ، وقد تقرر بناء على ذلك ان يقيم كلاهما في ضيافة الامن العام حيث حاول الابن الانتحار عدة مرات بعد ان حكم عليهما بالسجن ستة اشهرquot; (بحسب وثيقة يعود تاريخها الى العام 1992 وتحمل تحقيقات الاستخبارات العراقية تجاه قيام اب وابنه بالتعدي على النظام العراقي، وتم سجن الاب والابن بعد ان قامت الابنة بتقديم اخبارية عنهما وبلغت صفحات التحقيق المئتين)

ونجد وثيقة عراقية سرية اخرى تقول quot;في اجتماع لقادة حزب البعث العربي الاشتراكي، قام احد المسؤولين الحاضرين في الاجتماع بالاشادة بالقرار الحكيم الذي اتخذه القائد باصدار حكم الاعدام على رجل اخر (هو في الحقيقة شقيقه) بعد ان تعدى على النظامquot; (بحسب وثيقة عراقية يعود تاريخها الى 8 يوليو 1999 تحت عنوان صدام يلتقي قادة حزب البعث)

كانت مثل هذه الحوادث الفريدة تعطي صورة عن طريقة صدام في ادارة الامور وقسوة حزب البعث العربي الاشتراكي .. ستالين قال في احدى المناسبات quot;وفاة واحدة تمثل بالنسبة لي تراجيديا، اما مليون وفاة فهي احصاءquot; اما في العراق فان العديد عاشوا مثل هذه التراجيديا والعديد منهم لم يستطع ان يجملهم اي احصاء...

بدأ صدام حسين بالتخلص من عشائر برمتها، من اقليات عرقية كاملة، وكذلك العديد من العراقيين الذين لاينتمون الى الطائفة السنية وتحولوا الى احصائيات تحت حكمه..

كان جنود الرئيس العراقي يقتلون الاكراد بعشرات الالاف ثم قاموا باستخدام الاسلحة الكيماوية ضد الشعب العراقي.. في عام 1991 طلب صدام من الجيش العراقي عدم الرحمة بمئات الالاف من الشيعة الذين انقلبوا ضد النظام ..

وفي تصوير حصلت عليه لجنة التحقيق يظهر بجلاء الى اي مدى رغب صدام حسين في استخدام العنف خلال حرب الخليج 1991 حيث يكشف شريط الفيديو هذا عن خطط صدام حسين للتعامل مع الكويتيين .. وفي تسجيل صوتي عثر عليه يعتقد انه يعود تاريخه الى ماقبل اغسطس العام 1990 يناقش صدام حسين وعدد من المقربين منه خطة اجتياح الكويت وموقف الاميركيين منها وورد فيه ما يلي:

صدام حسين: سوف نقوم بتقسيم العشائر (العراقية) الى مجموعات، ستقوم كل مجموعة بتحرير جزء من الكويت والسماح لهم باخذ الغنائم التي يحصلون عليها في تلك المنطقة
الوزير: اي نوع من الغنائم سيدي؟
صدام حسين: الغنائم مثل الابنية والمخازن، كذلك سنسمح لرئيس العشيرة باخذ السيطرة الكاملة على المنطقة التي حررتها قبيلته... في الوقت نفسه يجب ان يطيعوا اوامري من دون مناقشة، لانني سآمر قوات الامن بقتل اي شخص يخرج عن اوامري واطفالهم ايضا اذا اقتضى الامر..
الوزير: سيادتك.. ماذا لو كان لهذا الشخص اخوة او اخوات .. سيحاولون الانتقام منك سيدي..
صدام حسين: اقتلوهم كلهم..

كان صدام حسين بانتظار الايام القادمة ليمارس طريقته القاسية في التعامل مع الامور، لكن كان عليه اول الامر تصفية حزب البعث العربي من الشوائب..

بحلول يوليو 1979 شعر صدام حسين بانه يمتلك القوة الكافية من اجل ان يتقدم ويتسلم مقاليد الحكم، وفي اجتماع مع القادة الكبار في حزب البعث العربي الاشتراكي دعا صدام حسين رفاقه ليشاهدوا ما يمكن ان يكون حالهم اذا اختاروا يوماً ما ان يقفوا ضده ..

اختار صدام حسين مراقبة المجزرة بصمت يقطعه بكلمات تحمل سباباً وشتماً ويدخن السيجار، بينما كان احد رجالاته يكشف اسماء المشتركين في المؤامرة للقضاء عليه.. في ذلك الاجتماع المفاجئ تمت تسمية 66 مسؤولا من قيادات حزب البعث باعتبارهم خانوا الحزب والثورة...

تم اقتياد الخونة الى الخارج .. الى خارج قاعة الجحيم.. وتم اعدام المسؤولين الستة والستين وفقاً لاحد المصادر وقد اعطي لبدلائهم في الحزب والثورة مهمة اطلاق النار على زملائهم... صدام هنا وبهذه الخطوة نجح في إبعاد معارضيه من جهة ، ووضع الدماء على ايدي وزرائه الجدد من جهة اخرى طالباً من عقولهم التفكير في النجاة فقط..

يتذكر طارق عزيز احد ابرز مساعدي الرئيس السابق صدام حسين تلك اللحظات بالقول quot;ما حدث في قاعة الخلد هو اقسى ما فعله صدام حسين طوال معرفتي به.. لقد قام باعدامهم جميعاً، كان من الممكن التعامل مع الامر بصورة مختلفة.. لم يكن من الضروري القيام بذلكquot; بحسب اعترافات عزيز للاستخبارات الاميركية..

خلال الربع قرن التالي .. احتفظ صدام حسين بالسلطة بالاستعانة بتلك الاساليب القاسية .. اعتبر صدام تلك الطريقة بالنسبة اليه على انها الوحيدة للتعامل مع الاعداء ..حتى تحول اعداء العراق الى صنيعة يدي صدام حسين نفسه، فايران اصبحت عدوة لدودة حينما شن صدام الحرب عليها بعد ثمانية اشهر فقط من توليه السلطة في بغداد.. كانت تلك السنوات الثماني من الدماء كفيلة باسكات معارضيه داخلياً ..

اما في الشمال فان عدم استقرار الكرد استمر حيث كانوا يتوقون للاستقلال ، وما كانت الحرب على ايران سوى حجة لكي ينالوا دعمها في مواصلة معارضة السلطة في بغداد حتى تحولوا الى مشكلة حقيقية .. اما الشيعة الذين شكلوا الجزء الاكبر من الشعب العراقي فقد كانوا تحت اعين الرقابة والشك خوفاً من دعم ايران التي تشاركهم طائفتهم الدينية..

في الحلقة الثالثة:
هوس صدام بالصهيونية جعله يخاف من رسوم (البوكيمون) الكارتونية!
ما اسباب كره صدام لبطرس غالي امين عام الامم المتحدة؟