برلمانيون ونشطاء فرنسيون في تونس للتضامن مع أهالي الحوض المنجمي
بسيّس لإيلاف: على يساريي فرنسا معالجة أسباب أزماتهم الداخليّة

إسماعيل دبارة من تونس: وصل أمس إلى تونس وفد فرنسيّ رفيع المستوى يضمّ حقوقيين و نشطاء سياسيين. واستنادا إلى مصادر بالوفد فإنّ الزيارة تأتي في إطار تفعيل المجتمع المدني التونسي ومتابعة الوضع الحقوقي والسياسي بالبلاد ولاسيما تداعيات أحداث الحوض المنجمي التي جدّت في يناير الماضي و استمرت لأكثر من ثمانية أشهر متواصلة. و يتكوّن الوفد الفرنسي من 13 شخصية حقوقية وسياسية على رئسهم السيدة 'ماري جورج بيفات' زعيمة الحزب الشيوعي الفرنسي بالإضافة إلى ممثلين عن حزب الخضر و عدد من منظمات المجتمع المدني الفرنسي وهم على التوالي :جيرار بيسك ،هيلان فرنكو ،كليمنتين أوتين ، روبار برات ، سيسيل دوفلات ، سيسيل دي أوليفيارا، جون بول ماكينكو ، جاك جيلوت ، فيليب ليقرون ، عبد غاني ، جون روبارت براديير ، ألان ليبيتز و كارين غانتين.

صورة للوفد الفرنسي في المطار

و أجرى الوفد فور وصوله إلى العاصمة تونس لقاء بمقرّ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بحضور عدد هام من ممثلي الأحزاب السياسية التونسية والمنظمات الحقوقيّة. و أشرف على اللقاء المختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و بحضور ممثلي اللجنة الوطنية لمساندة نضالات الحوض المنجمي.

وقالت ماري جورج بيفات زعيمة الحزب الشيوعي الفرنسي إنها زيارتها إلى تونس تأتي تضامنا مع نضالات أهالي الحوض خصوصا في مدن قفصة و الرديف و أم العرائس و مساندة لهم من أجل حقهم في الشغل و الكرامة و لإيصال عبارات التضامن و التآزر من قبل الحركة الديمقراطية الفرنسية quot;. و تعهدت بوفيت أيضا بأنها ستقوم بإعلام الفرنسيين ووسائل الإعلام حين عودتها بحقيقة الأوضاع و ما يجري في منطقة الحوض المنجمي.

الناشط السياسي الدكتور أحمد بوعزّي قال في تصريحات لإيلاف:quot;السيدة بوفيت و التي تمثّل اعلي رتبة في الوفد الفرنسي الذي يزور تونس هذه الأيام قالت إنّ ما تحدثت عنه الحكومة التونسية من انجازات اقتصادية و نجاح اجتماعي بدا غير ملموس خصوصا و أنه لم يطل أهالي الحوض المنجمي المحرومين و هو ما دفع بهم إلى الاحتجاج و بالتالي تعرضهم إلى القمع و الزج بمعظم قياداتهم في السجون و محاكمة المئات من الشباب الذي احتجّ على تدهور أوضاعه الاجتماعيّةquot;.

من جهة أخرى علمت quot;إيلافquot; من مصادر خاصة بانّ بعض أعضاء الوفد الفرنسي الثلاثة عشر سيقومون في وقت لاحق بزيارة إلى مدينة قفصة الجنوبية (600 كلم جنوب) للقاء بعض أهالي المساجين و محاورة محاميهم بشكل مباشر. الكاتب و المحلل السياسي برهان بسيّس اعتبر في تصريحات خصّ بها إيلاف أنّ مثل هذا الخطاب الصادر عن الوفد الفرنسي لا يمكن أن يمثل أي دعم لقضايا أبناء الحوض المنجمي ، فهذه القضايا وطنية بالأساس لا شان لأي طرف خارجيّ بها ، و الأولى أن يتمّ الانكباب على معالجتها بإرادة أبناء الوطن لا غير خاصة في ظلّ المبادرات التي ما فتأ رئيس الجمهورية يتخذها لمزيد تحسين الأوضاع في مناطق الحوض المنجميquot;.

وقال الإعلامي المقرّب من الدوائر الرسمية في تونس :quot;لا نعتقد أنّ تونس بمكاسبها الاجتماعية و الاقتصادية المشهود لها عالميا من طرف جهات ذات مصداقية في حاجة لتقسيمات من بقي متخبطا في خطه الفكري والسياسي سيما بعد سقوط جنة النعيم الموعود في الاتحاد السوفيتي السابق و توابعهquot;. و يتابع برهان بسيس:quot; الذين جاؤوا من غبار أزمة يسار فرنسي فقد توازنه منذ عقود ، كان الأولى بهم الانكباب على معالجة أسباب أزماتهم الداخليّة قبل أن يحشروا أنفسهم في قضايا لا علاقة لهم بهاquot;.

اجتماع الوفد في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان

الزيارة التي أداها الوفد الفرنسي ستثير جدلا أكيدا في الأيام القليلة المقبلة ، كونها لم تتمّ بالتنسيق مع الجهات الرسمية أو الحكومية في تونس، بل اختار الزوار لقاء عدد من المنظمات و الشخصيات التي تثير إزعاجا للسلطة على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و رئيسها المختار الطريفي و الحقوقيتين سهام بن سدرين و راضية النصراوي و عدد آخر من وجوه المجتمع المدني التونسي المعارض.

quot;التصرّف غير غريب عن ورثة ذات العقلية الاستعمارية السابقة التي لم تتخلص بعد من عقد الاستعلاء حين كان هؤلاء الشيوعيون الفرنسيون أنفسهم يرفضون معظم تعبيرات الاستقلال الوطني بما فيها التنظم النقابي الوطني التونسي المستقلّquot; يقول برهان بسيس الذي هاجم كذلك مستقبلي الوفد الفرنسي قائلا:quot;الغريب هو موقف بعض النشطاء التونسيين الذين سقطوا بوضوح في دائرة الاستقواء بالأجنبي انتهاكا صارخا لمعاني العمل الوطني الذي يضع السيادة الوطنية فوق كلّ اعتبارquot;.

من جهة أخرى، يبدو واضحا من الحُضور الحقوقي و السياسي التونسي المعارض و المكثف مع ممثلي البرلمان والأحزاب والمنظمات الفرنسية أن هؤلاء اغتنموا فرصة الزيارة للتعريف بالوضع الحقوقي في البلاد وظروف عملهم التي لطالما اشتكوا من رداءتها. ومن المنتظر أيضا أن تكون الفرصة سانحة أمام ممثلي الأحزاب السياسية في اللقاء الذي سيجمهم بالوفد يوم السبت 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاريلتشخيص الوضع السياسي، خاصة قبيل سنة سياسية ساخنة تشهد استعدادا مكثفا من قبل كافة الفاعلين السياسيين في البلاد للانتخابات التشريعية و الرئاسية المزمع إجراؤها في 2009.

وجدير بالذكر أن ما بات يعرف باحتجاجات الحوض المنجمي تعتبر أطول احتجاجات اجتماعية شهدتها تونس منذ تولي الرئيس بن علي الحكم في البلاد في نوفمبر 1987، إذ استمرت الاضطرابات بجهة قفصة وما جاورها ثمانية أشهر، وخاض هذه التحركات الطلبة في الثانويات وفي الجامعات، والعمال نساء و رجالا ،وتتابعت الاحتجاجات والتظاهرات ضد البطالة والفساد وارتفاع الأسعار حتى خلفت 3 قتلى و عشرات المجروحين ، و مثلهم من المعتقلين. ولا يزال ثمان وثلاثون نقابيا ينتظرون المحاكمة وهم متهمون بجرائم حق عام من الممكن أن تتسبب لهم في أحكام ثقيلة ومنهم عدنان حاجي، الذي قد يواجه حكما بالسجن، لعشرات السنين و يعتبر ناطقا رسميا باسم تلك الاحتجاجات الاجتماعية.

*الصورة خاصة بإيلاف