إعلان القذّافي فتح التطوع للقتال في غزةهدفه إستدراج الجهاديين
القماطي لـ quot;إيلافquot;: فلسطين ليست أولويّة للعقيد ودعوته مجرّد مزايدة

إسماعيل دبارة من تونس: لم يكن المدّ التضامنيّ الذي أبدته الجماهريّة الليبية تجاه أهل القطاع في الحرب الأخيرة بين حماس و إسرائيل متوقّعا أو شبيها بمساعدات باقي الدول العربية. ولم تختلف ليبيا مع ما تمّ ذكره عن بقيّة الدول العربيّة في الإعلان عن دعمها الامشروط لسكان قطاع غزّة، لكنّ العقيد القذافي لم يكن يرغب في التماهي مع بقية الزعماء العرب فأطلق دعوته الشهيرة لفتح باب التطوع للقتال إلى جانب الفلسطينيين يوم الخميس 8 يناير (كانون الثاني) الجاري في خطوة فهم منها الكثير. ووصف المحلل السياسي جمعة القماطي لـ إيلاف دعوة العقيد بـ quot;الفخ الأمنيّ الذي يتيح للنظام الليبي التعرّف على العديد من الشباب الليبي من ذوي التوجهات الجهادية وبالتالي إما اعتقالهم أو وضعهم تحت المراقبةquot;، ولا تخرج عن إطار المزايدة على الأنظمة العربيَّة.

ويرى محلّلون ومواطنون ليبيون مقيمون بتونس، أنّ دعوة القذافي تلك كانت quot;غريبةquot; و quot;غير منطقيّةquot; في مثل تلك الظروف، في حين اعتبر آخرون أنّ تضامن العقيد مع غزّة لا يخرج عن سياق المزايدة والتوظيف والرغبة في لفت الأنظار بمبادرات تفتقد للجدية كما تعوّد على ذلك، علاوة على رغبته المستميتة في إحراج بعض الحكام العرب بشكل عام، والمملكة العربيَّة السعوديَّة ومصر أو ما يسمى بدول الاعتدال بشكل خاص.

مراد 24 سنة طالب ليبي يتردّد على تونس باستمرار، قال لـ quot;إيلاف إنّ القذافي لم يكن جادًا في طرح مسألة فتح باب الجهاد إلى جانب الأخوة الفلسطينيين، لأنه لا يفهم في السياسية ولا يفقه كثيرًا في العلاقات الدولية، ولم يكن راضيًا عن بقاء ليبيا بعيدًا عن مسرح الأحداث عكس الحالة التي بدت عليها مصر والسعوديّة، فحاول لفت الأنظار إليه بهذه الدعوة التي لا معنى لهاquot;.

سامي ترهوني (اسم مستعار) 40 سنة - تاجر ليبيّ قال إنه لا يدري لماذا تنسب كلّ أشكال التضامن إلى نظام العقيد، فالشعب الليبي شعب عربيّ مسلم يقف إلى جانب إخوته الفلسطينيين شاء العقيد أم أبىquot;.

وبخصوص دعوة العقيد إلى فتح باب الجهاد أمام الشباب الليبي للقتال في الأراضي الفلسطينيَّة، اعتبر الترهوني هذا الكلام من قبيل الدعابة quot;فالعقيد يقول إنه مع السلام ومع حلّ الدولة ثنائيَّة القومية والمعروفة باسم quot;إسراطينquot; ولا ادري لماذا لم يستغلّ هذه الحرب لفائدة حملته الدعائية المبشرة بهذا الحلّ الطريف؟quot;.

واعتبر المحلّل السياسيّ الليبي جمعة القماطي في حديثه لـ quot;إيلافquot; أنّ quot;الكثير من التصريحات النارية والخطوات الرمزية التضامنية من قبل النظام الليبي مع أحداث غزة الدامية تفهم على أنها مجاراة للغضب الشعبي العارم في ليبيا، خاصة من تخاذل الموقف الرسمي العربي. مع العلم أن كثير من المبادرات لدعم غزة في ليبيا كانت على المستوى الأهلي وليس الحكومي على الرغم من غياب مؤسسات المجتمع المدني الممنوعة في الجماهيريّةquot;. وأضاف القماطي quot;موقف النظام الليبي والعقيد القذافي من القضية الفلسطينية لا يخرج عن إطار التوظيف ومحاولة التوجيه لكثير من الفصائل الفلسطينية وضربها ببعض أحيانًاquot;.

يذكر أنَّه في الثمانينات، نصح القذّافي ياسر عرفات (الذي كان محاصرًا في بيروت قبل ترحيله إلى تنونس) بالانتحار الجماعي مع أتباعه. ودعم النظام الليبي حينها مجموعة أبو موسى المنشقة عن عرفات ضد منظمة التحرير. كما استضافت ليبيا أبو نضال (صبري البنا) وجماعته المعادية لتيار عرفات لسنوات طويلة وفتحت لهم معسكرات في ليبيا قبل أن يتم طردهم كأحد شروط التقارب مع الغرب.

وتابع القماطي: quot;في تسعينيات القرن الماضي أرسل القذافي مئات من عناصره الأمنية إلى القدس المحتلة فيما عرف بوفد الحجيج الليبي بحجة الحج إليها بديلاً عن مكة. وجاء هذا التدبير بعد تنسيق مسبق مع إسرائيل من خلال شخص يهوديّ ليبيّ اسمه روفائيل فلاح، وكخطوة استفزازية للسعودية، ولكن مدلولها السياسي كان أيضًا هو دخول المسجد الأقصى المحتل وإقرار ضمني بسيادة إسرائيل عليه الأمر الذي أغضب الفلسطينيين حينهاquot;.

وبخصوص دعوة القذافي لفتح باب التطوّع للقتال إلى جانب الفلسطينيين، يرى القماطي إنها لم تكن جادة ولكنها في الأساس للمزايدة السياسية على الأنظمة العربية وامتصاص الاحتقان والغضب الشعبي العربي خاصة في ليبيا ومنطقة المغرب العربي. ولفت إلى أنَّه وفقًا للمعلومات quot;استجاب للدعوة في اليوم الأول قرابة 22 شابًا ليبيًا وقد تم اعتقالهم من قبل جهاز الأمن الداخلي واستجوابهمquot;.

ووصف القماطي الدعوة التي اطلقها العقيد بـ quot;الفخ الأمنيّ الذي يتيح للنظام الليبي التعرّف على العديد من الشباب الليبي من ذوي التوجهات الجهادية وبالتالي إما اعتقالهم أو وضعهم تحت المراقبة, فالنظام الليبي يعتبر فكر الجهاد وأتباع التوجه الإسلامي الجهادي من اشد خصومه وأعدائهquot;.

وأضاف quot;موقف النظام اللبيبي من حماس متوجس وتكتيكي وليس مبدئيا، والنظام الليبي لم يعترف بشرعية حكومة حماس بل وتربطه علاقات خاصة وقوية مع محمد دحلان وجماعته المطرودة من غزة والمعادية بشدة لحركة حماس. وقد تردّد دحلان كثيرًا على ليبيا في السنتين الماضيين وحصل على دعم مادي كبير، وهناك تقارير بأنَّ ليبيا توسطت لدى جمهورية صربيا لكي تستضيف دحلان وجماعته بعد طردهم من مصرquot;.

ويرى متابعون للسياسة الخارجية الليبية أنّ العقيد ورموز حكمه لا يضعون القضيّة الفلسطينية على سلّم أولوياتهم خصوصًا مع ما تبديه الجماهرية من توجّه مبالغ فيه تجاه إفريقيا مقابل التخلي عن بعض التزاماتها العربية.

وأكّد القماطي قائلاً quot;إنّ النظام الليبي أدار ظهره للعرب وتوجه إلى أفريقيا ووجد أنَّ حكامها يولون اهتمامًا أكبر بالعقيد الليبي ودولاراته الكثيرة. فالنظام الليبي لا يهتم كثيرًا بالقضية الفلسطينية ولا يضعها ضمن أولويّات سياسته العربيَّة والخارجيَّة، بل يولي اهتمامًا أكبر بكثير لخلافاته وصراعه وتنافسه مع المملكة السعوديةquot;.

كما أن ضرورات التقارب مع الغرب وخاصة أميركا - حيث يلعب اللوبي الإسرائيلي دورًا فاعلاً وأساسيًا - تتطلب عدم اتخاذ مواقف جادة وقوية مناهضة لإسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين، بل إن سيف الإسلام القذافي قد صرح أكثر من مرة بأنه quot;ليس لنا مشكلة مع إسرائيلquot;.

وختم القماطي بالقول إنَّ quot;أولويات النظام الليبي هي في استمراريته في الحكم وكسب ود أميركا واللوبي الذي يتحكّم بها، وبالتالي فإنَّ أيَّ شيء يتعارض مع هذه الاستراتيجيَّة الثابتة لدى العقيد يبقى متغيّرًا ومتقلّبًا ومرهونًا بالظروف والمصالحquot;.

يذكر أنَّ الجماهريّة أقامت جسرًا جويّا لنقل أعداد من جرحى العدوان على غزة للعلاج في المستشفيات الليبية، كما أرسلت شاحنات مساعدات عاجلة محملة بكميات كبيرة من الأدوية والمعدات الطبية وشحنة كبيرة من المواد الغذائية تمكنت من عبور معبر رفح.

وشهدت ليبيا تعاطفًا على الصعيدين الرسمي والشعبي مع غزة، فإلى جانب عشرات المظاهرات الحاشدة والمندّدة بالهجوم الإسرائيلي، أعلنت الهيئة العامة للاتصالات عن مجانية الاتصالات الهاتفية بجميع أنواعها (هواتف شركتي المدار وليبيانا) الصادرة من ليبيا إلى الأراضي الفلسطينية وذلك بداية من يوم الثامن من يناير وحتىّ يوم 28 ابريل من العام الجاري.

عائشة القذافي ابنة الزعيم الليبي والأمين العام لجمعية quot;واعتصمواquot; للأعمال الخيرية طالبت منظمة الأمم المتحدة السماح للجمعية باستضافة أطفال غزة في ليبيا، كما سمح النظام الرسمي لمواطنيه بالاستجابة لنداء رجل الدين المصري يوسف القرضاوي بجعل يوم الجمعة 9 يناير يومًا عالميًا لنصرة غزة وسمحت السلطات بتنظيم بعض المسيرات هنا وهناك، وأطلقت في اليوم ذاته حملة تحت شعار quot;نصرة غزة... هذا أضعف الإيمانquot;.