في الوقت الذي شدت أنظار العالم بما فيه العربي إلى قائمة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي أدرجتها حكومة نتنياهو في مناطق الأولوية القومية، غاب عن بال الجميع مطالعة القائمة بصورة شمولية. فمن نظرة ألقتها إيلاف على القائمة التي نشرها موقع يديعوت أحرونوت، بتاريخ 9 ديسمبر الحالي، فقد ورد في القائمة اسم قريتين عربيتين سوريتين، هما مجدل شمس وبقعاثا في هضبة الجولان سوية مع مستوطنة كتسرين الإسرائيلية.

تل أبيب: عندما توجهت quot;إيلافquot; إلى مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، ألون لوئيل لاستطلاع رأيه، بدا الرجل مندهشًا عندما لفتنا نظره إلى حقيقة إيراد اسم كتسرين سوية مع قرية مجدل شمس وضمها لقائمة الأولوية القومية الإسرائيلية. وأكد لوئيل أنه من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لا تعتزم الاستثمار في قرية مجدل شمس التي يصر أهلها على هويتهم السورية ورفضهم أي تعامل مع السلطات الإسرائيلية ليصل إلى القول إن العبرة هي في إيراد اسم كتسرين وهو ما يعني عمليًّا صد الباب كليًّا، في ولاية الحكومة الحالية، أمام أي خيار لاستئناف المفاوضات مع سوريا، كما أنه يوصد الباب أمام استئناف الوساطة التركية إن لم يكن يهدد عمليًّا العلاقات مع تركيا. ويرى لوئيل في هذا الحوار أن حكومة نتنياهو تتحدث عن السلام وتعمل للحرب، وأنه إذا واصلت الحكومة الحالية خطها فإن العام 2010 سيكون مصيريًّا من حيث تدهور مكانة إسرائيل الدولية وعلاقاتها مع الفلسطينيين وسوريا وحتى تركيا والأردن ومصر.

لوئيل يشير أيضًا إلى بداية الخيط في عودة العلاقات مع تركيا لمجاريها ودور حزب العمل في ذلك.
وقد أجرت إيلاف الحوار التالي مع ألون لوئيل ونورده حرفيًا:

إيلاف: سيد لوئيل خلال أقل من 48 ساعة، أعلن نتنياهو (أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، الاثنين الماضي) أنه تلقى إشارات إيجابية من ساراكوزي، ومن تركيا بأن سوريا تنازلت عن شروطها المسبقة للمفاوضات، لتعود الكنيست وتصوت على قانون اشتراط استفتاء عام قبل المصادقة على الانسحاب من الجولان، ماذا تفهم من كل هذه التطورات وكيف يستقيم ذلك والحديث عن إحياء المسار السوري - الإسرائيلي؟

لوئيل: لنبدأ إذا من البداية خطوة خطوة: أنا أعيد البداية إلى زيارة فؤاد (وهو اسم التحبب لوزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي، بنيامين بن العيزر) لتركيا مؤخرًا. فلغاية زيارة فؤاد لتركيا، صحيح أنه سبقتها زيارة نتنياهو لباريس، وكانت هناك بطبيعة الحال أحاديث عن إمكانية استئناف المفاوضات مع سوريا ولكن باعتقادي، فإن سفر فؤاد لتركيا،أدخل الحياة من جديدإلى هذا المسار، لأنه وفق كافة المؤشرات والإشارات، وأيضًا طبقًا لأقوال فؤاد (الوزير بن العيزر ) نفسه خلال لقائه مع وزير الخارجية التركي أوغلو، طلب من تركيا العودة للتوسط بين إسرائيل وبين سوريا، ووفقًا للردود التي رأيتها، من قبل وزير الخارجية التركي،وحتى ردود عبد الله غول، وحقيقة سماح الأتراك بتصوير اللقاء وتغطيته صحافيًّا مع المصافحة، والحديث عن زوال وانتهاء الأزمة مع تركيا، فقد فهمت عندها أن الأتراك أخذوا الأمر على محمل الجد.

وما تمكنت وأستطيع فهمه أنه خلال الأسبوعين التاليين (لزيارة بن العيزر لتركيا) وأيضًا طبقًا لتصريحات نتنياهو في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، فإنني أفهم أن الفرنسيين وعلى ما يبدو بشكل رئيس الأتراك، نجحوا في التوصل إلى معادلة تقول كالآتي: لن يضطر نتنياهو إلى إبلاغ السوريين مسبقًا أنه مستعد للانسحاب، أي أنهم يتنازلون عن الشرط المسبق، ولكن بشرط أن تكون تركيا هي الوسيط في المفاوضات، وبهذه الطريقة فإنهم حلوا لنتنياهو مشكلة الالتزام المسبق، وفي الوقت ذاته حلوا المشكلة للسوريين من حيث أنهم يواصلون السير عبر الوسيط التركي، حيث أودع أولمرت وديعته بشأن الانسحاب من الجولان، وعليه يواصل الأتراك دورهم، فهم يملكون التزام أولمرت، إذ تستأنف المحادثات بناء على التزام أولمرت وليس على التزام أولمرت.
كان هذا التطور إيجابيًّا من وجهة نظري، أي أنه كانت هناك معادلة قادرة على استئناف دبلوماسية الرحلات المكوكية بين دمشق والقدس، على غرار ما قام به الأتراك خلال العام 2007، لحين بناء حد كاف من الثقة بين الطرفين من أجل إطلاق المفاوضات.

إيلاف: لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، قام في غضون ذلك بفهم هذه الثقة ؟

لوئيل: بالضبط، ودعني أضيف إن هذا التطور بأكمله قد حدث تقريبا قبل يومين من حكاية قانون الاستفتاء العام، فعندما مثل بيبي أمام لجنة الخارجية والأمن (الاثنين الماضي) وتحدث عن تنازل السوريين عن الشرط المسبق. وخلال النقاش في الكنيست كانت هناك أغلبية كبيرة حيث أيد القانون 68 عضو كنيست، وليس هذا فحسب فقد صوت كل من براك وفؤاد لصالح مشروع القانون، أي أن الأتراك لا يصدقون ما تراه أعينهم، فقبل أسبوعين أو ثلاثة، وصل فؤاد إلى أنقرة وطلب منهم العودة للتوسط في المفاوضات مع سوريا، وإذا به يعود إلى البلاد ليصوت مع مشروع استفتاء شعبي في موضوع الجولان، وهو يدرك أن كل طفل في إسرائيل يعرف أن هذا الشرط لن يمكن إجراء مفاوضات ، وأنا لا أتحدث عن إمكانية إفشال الاستفتاء العام للانسحاب من الجولان، وإنما كيف يمكن الخوض في مفاوضات ومطالبة السوريين بالتنازل عن علاقاتهم الإستراتيجية مع إيران وحزب الله وحماس، وسنقوم بدورنا بإبلاغ الجمهوري الإسرائيلي بذلك وعندها سيقرر الجمهور الإسرائيلي ما إذا كان سيقبل بإعادة الجولان لكم، من سيقبل في الخوض في مفاوضات في شروط كهذه. ولذلك أعتقد أن ما حدث منذ التصويت على مشروع الاستفتاء هو أننا عدنا إلى نقطة البداية. أعتقد أن الجانب التركي في مثل هذه الظروف لن يكون قادرًا على استئناف الاتصالات والبدء ببناء خطوات الثقة بين الجانبين بعد إقرار قانون الاستفتاء العام.

السياسة نفسها في الجولان وفي الضفة الغربية

إيلاف: سيد لوئيل كما قلنا سابقًا فإن قائمة مناطق الأولوية القومية التي أقرتها الحكومة تشمل أيضًا قريتين سوريتين هما مجدل شمس وبقعاثا، وأيضًا مستوطنة كتسرين في الجولان، كيف ترى ذلك؟

لوئيل: بالنسبة إلى قريتي مجدل شمس وبقعاثا ومستوطنة كتسرين فباعتقادي إنه إذا لم أكن أنا قد سمعت بأمرها لغاية الآن، فلربما لم يسمع السوريون بهذا الأمر ، فأنا لم أر أي ردود أو تعقيبات سورية بهذا الخصوص. في حال كان هذا صحيحًا ( وضحنا للوئيل أن مصدر المعلومات هو القائمة التي نشرها موقع يديعوت، وأن الصحافة الإسرائيلية لم تنتبه للأسماء العربية، مجدل شمس وبقعاثا، ربما لأنها ظنت أن المقصود هو بلدات عربية داخل إسرائيل) فإن المهم هنا هو إدراج مستوطنة كتسرين ضمن مناطق الأولوية القومية. فكومة إسرائيل لن تستثمر أموالا في قرية مجدل شمس ولا أعرف ما إذا كان السكان هناك على استعداد للتعاون مع حكومة إسرائيل، فتسعين في المئة من الأهالي يحملون هوية سورية ولكن قد يكون الهدف هو طمس وإخفاء موضوع مستوطنة كتسرين. وإذا استمر الآن البناء والتطوير في كتسرين فهذا نفسه ما نراه في الضفة الغربية، إذن تعلن حكومة إسرائيل عن تجميد الاستيطان ولا تصدر تراخيص بناء ، لكنها تعطي المال الذي يمكن تعزيز وتقوية جوانب أخرى ميدانيا.

عمليًا، فإن ما يحدث في الجولان، في ظل الحكومة الحالية، هو نفسه ما يحدث في الضفة الغربية: هناك ضغوط للحديث عن دولتين، فيتحدث رئيس الحكومة عن إقامة دولتين، وعندما تكون هناك ضغوط للإعلان عن تجميد الاستيطان، تتحدث الحكومة عن تجميد الاستيطان، ولكنها تعمل في الميدان كل ما يمكن حتى لا تقام دولتان، ولا يكون تجميد للاستيطان. الشيء نفسه يحدث في الجولان: هناك ضغط فرنسي وأميركي وتركي بهذا الخصوص، عندها يسافر الوزير فؤاد، لتركيا، ويطلب استئناف المحادثات، ليعود إلى البلاد ويعمل عكس ذلك تمامًا يصوت مع قانون الاستفتاء العام ويرصدون الأموال لمستوطنة كتسرين.

الاستنتاج الوحيد الذي يمكننا أن نتوصل إليه من كل هذا الأداء وهذه المناورات هو أن عندنا حكومة يئست من السلام وهي لا تمكن إطلاق وبدء محادثات لا مع الفلسطينيين ولا مع السوريين، وأعتقد أن هذا خطأ ليس فقط في السياق الفلسطيني أو السوري، بل لأننا بهذه الطريقة سنفقد أيضًا مصر والأردن، وهناك حكومة تفضل مواصلة السيطرة على الضفة الغربية وعلى الجولان وتقول نحن سنتدبر أمورنا في كل شيء: سنواجه الضغط العالمي، والعداء الفلسطيني والسوري، فلن يقدر علينا أحد؟

إيلاف: أي أن الحكومة الإسرائيلية تتحدث بخطابين، خطاب للاتحاد الأوروبي وللإدارة الأميركية حول رغبتها في السلام، لكنها في الواقع تقوم بفرض الوقائع على الأرض؟

لوئيل: بل أقول إنها تتحدث عن السلام وتستعد للحرب، فهي تقول لأوباما ما يريد سماعه، دولتان لشعبين، تجميد الاستيطان، لكنها على الأرض تقوم بكل ما يلزم وما يمكن أن يحول دون قيام دولة فلسطينية، وهو المبدأ نفسهبخصوص الجولان، فهي تتحدث عن السلام وتقوم عمليا بالعكس من ذلك تماما. فالحكومة الحالية تخضع للعالم وتسمعه ما يريد من جهة، ومن جهة ثانية ترضخ للمستوطنين، بل إنني أعتقد أن هذا ليس رضوخا لهم. لأن هذه الحكومة وعلى رأسها نتنياهو تؤمن بأن تعزي الاستيطان والمستوطنات يخدم مصالح إسرائيل والشعب الإسرائيلي. فهذا ليس أولمرت، ولا شارون ولا تسيبي ليفني وإنما نتنياهو. ونتنياهو لم يمر بالتغيير الذي مر به الآخرون، فهو يعتقد أنه يقوم بما يراه مناسبًا وصحيحًا لصالح إسرائيل.

إيلاف: أي أن الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن لسلام دون أن تكون جادة في السعي له؟

لوئيل: عمليًا فإن الخطوتين الرئيستين لنتنياهو، خطاب بار إيلان، وإعلان تجميد الاستيطان، نزولاً عند ضغوط أوباما، لم يحققا على ارض الواقع الهدف المنشود، فعندما لم يسفرا عن استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، فإنهما عمليًا لا يساويان شيئًا في نظر الإدارة الأميركية، وبالتالي فإن الحكومة ونتنياهو انتظرا بعد كل خطوة أن يرد الفلسطينيون بالعودة المفوضات وعندما لم يتحقق ذلك عاد نتنياهو إلى سياسة الاستيطان، ومرة أخرى لإعلان التجميد مع العلم أن هناك الكثير مما يمكن القيام به خلال هذه الفترة ، إكمال بناء الوحدات التي بدأ العمل بها وما شابه ذلك، لكنه كان واضحًا في البداية ، منذ أن أعلن نتنياهو أنه لن يجمد البناء في شرقي القدس، ولن يوقف البناء في الضفة الغربية، فلم يكن هناك أي أمل لاستئناف المفاوضات.

لكن ما يؤلمني الآن هو ما حدث على المسار السوري، وخاصة على اثر التحول في الموقف التركي، فمنذ زيارة الوزير بن العيزر لتركيا أوقفت تركيا الهجوم على إسرائيل، والهجوم الذي صدر بالأمس كان على اثر إقرار قانون الاستفتاء الشعبي. هذا يعني أنه حتى هذه الفرصة التي كانت متاحة لاستئناف المحادثات ستضيع سدى.

إيلاف: كيف سيؤثر ذلك أيضًا على مستقبل العلاقات مع تركيا؟

لوئيل: دعني أكمل، فقد أردت القول إننا عمليا سندخل العام 2010 في وضع لن يمكن خلال العام كله استئناف مفاوضات سلام مع الفلسطينيين ولا مع السوريين، ونحن على عتبة سنة صعبة جدًّا لإسرائيل على الصعيد الدولي. فباعتقادي فإنه إذا لم يتم خلال العام القادم إطلاق مفاوضات جادة لا مع الفلسطينيين ولا مع السوريين، فإن الوضع السيئ الذي ستواجهه إسرائيل هو تدهور الأوضاع باتجاه العنف، والأقل سوءا هو أن تعلن الأمم المتحدة في نهاية 2010 عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وأعتقد أننا نسي باتجاه عام عنيف ميدانيًّا وصعب جدًا، من الناحية السياسية إسرائيل، لدرجة أننا سنجد أنفسنا أكثر عزلة أمام العالم مما نحن فيه الآن، في نهاية 2009.

إيلاف: وفوق هذا كله هناك العلاقات مع تركيا، فما حدث يعني في الواقع أن إسرائيل خدعت تركيا، وكذبت عليها، أرسلت وزيرًا يطلب السلام ويطلب الوساطة التركية وحل الأزمة ولكن عندما عاد لإسرائيل وحققت الزيارة الهدف غيرت الحكومة موقفها؟

لوئيل: آمل جدًّا ألا يكون الأمر كذلك، أعتقد أنهم (أي الجانب التركي) لم يدركوا لغاية الآن أبعاد مسألة كتسرين، وأعتقد أنهم يدرسون الآن مسالة قانون الاستفتاء العام. أعتقد أنه إذا كان الرد السوري، بعد مسالة الاستفتاء العام، أنه ليس هناك أي مجال لاستئناف المفاوضات فسوف نرى المزيد من التدهور في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، في مجالات جوهر العلاقات وليس فقط التراشق الإعلامي، أي في مجالات لم تتدخل بها الحكومة التركية، فرغم أن أوردغان هاجم إسرائيل إعلاميا إلا أنه سمح باستمرار ومواصلة أمور كثيرة متبادلة بين البلدين وأعتقد أنه إذا استمر الحال لعام آخر من دون مفاوضات لا مع الفلسطينيين ولا مع سوريا، فإن العلاقات بين البلدين ستتدهور أكثر فأكثر.