لفت نظري وخيب أملي خبر نية أحد المحامين في مصر رفع دعوى للتفريق( دعوى طلاق) بين الكاتب أسامة أنور عكاشة وزوجته أما إحدى المحاكم المصرية وذلك بسبب مهاجمة عكاشة لعمرو بن العاص (عكاشة هو كاتب سيناريو مسلسل يتناول سيرة ابن العاص عرض في شهر رمضان العام الماضي) في إحدى المناظرات التلفزيونية وحجة هذا المحامي أن عكاشة بمهاجمته لابن العاص أصبح في حكم المرتد الخارج من الملة.

أنا لست من المؤيدين لعكاشة بل لطالما اعتبرته منحازا للسلطة في المسلسلات التي كتبها خاصة اظهاره لرجال مباحث أمن الدولة بصورة إيجابية وبأنهم طيبون رغم أن الشعراء والكتاب العرب قد كتبوا الكثير عن قسوة هؤلاء وانتهاكهم لحقوق الإنسان وأنهم سبب رئيسي في جعل حياة العربي في وطنه جحيما وهذا واقع معلوم للجميع،ولكن بغض النظر عن رأيي في عكاشة فإن الأمر مختلف هذه المرة وأود أن أناقش الأمر من عدة محاور بعيدا عن أي تعصب أو انحياز إلا للحقيقة...

• في المناظرة التلفزيونية إياها والتي قال فيها عكاشة إن عمرو بن العاص "هو أحقر شخصية في الإسلام" برر الأمر بأن ابن العاص ليس من العشرة المبشرين بالجنة،الشيخ المناظر لعكاشة رد على ذلك بسؤال استنكاري لعكاشة فيما إذا كان لا يعترف إلا بالعشرة المبشرين بالجنة،دون أن يقدم هو ولا من اتصل للمشاركة في المناظرة حجة واضحة حول هذه المسألة والتي يقع فيها كثير من الناس وأعني قصرهم المبشرين بالجنة على عشرة،كان على الشيخ أن يوضح أن العشرة لهم حديث متعلق بهم ولكن ماذا عن آل ياسر والذين موعدهم الجنة؟وماذا عن آل البيت؟وماذا عن أصحاب بيعة العقبة من الأنصار؟وماذا عن شهداء بدر مثل عمير ابن الحمام وشهداء أحد كمصعب بن عمير؟وماذا عن أصحاب بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؟وغير ذلك الكثير الكثير من الأمثلة والأدلة الموجودة في القرآن والسنة والسيرة التي تدحض هذا الخطأ الشائع بين الناس فكثيرا ما أسمع من متعلمين وغيرهم أن المبشرين بالجنة عشرة فقط!بل ماذا عن أسامة بن زيد الذي يحمل عكاشة اسمه الأول ثم ماذا عن الصحابي "عكاشة بن محصن" الذي يحمل الأستاذ أنور اسمه أيضا؟!وكون الشيخ ومن اتصل مؤيدا له لم يوضحوا هذه المسألة هو أمر سلبي يؤخذ عليهم لأنهم هم أهل الاختصاص والعلم.

• لم الحكم على الرجل بالخروج من ملة الإسلام بناء على هذه الجزئية؟ إن هذه المسألة لا تتعلق بالعقيدة ولا بركن هام من أركان الإيمان أو الإسلام،فعلى فرض أن أسامة أنور عكاشة قام بخطوة إلى الأمام وأعلن أنه ينتمي إلى المذهب الشيعي الذي يهاجم ابن العاص والكثير من الصحابة بما فيهم بعض العشرة المبشرين بالجنة؛هل سترفع دعوى تكفير لمن ينتمي للشيعة بل حتى دون هذا الافتراض،هل يعتبر كل من يهاجم صحابيا خارج من الإسلام أي هل الشيعة خارج دائرة الإسلام؟ألا يتزوج السني من شيعية وتتزوج السنية من شيعي؟أيرى الأستاذ المحامي نبيه الوحش أن معركة كهذه تنقصنا خاصة في هذا الظرف وفي الوقت الذي يسعى فيه عقلاء السنة والشيعة إلى لملمة شعث الأمة؟لم نوسع دائرة الكفر ونضيق دائرة الإسلام؟ولم نجادل بغير علم راسخ؟

• سبق وأن رفعت دعوى كهذه ضد نصر حامد أبو زيد (رغم الفارق الواضح بين عكاشة وأبي زيد ) فهبت زوجته ابتهال يونس للدفاع عنه بكل ما أتيح لها من منابر بل وغادرت معه إلى أوروبا وكانت النتيجة في النهاية أن صدر قرار من المحكمة ببطلان حكم الطلاق الأول بعد أن أسهب الإعلام الغربي بالحديث عن القصة؛والآن لنفترض أن السيناريو تكرر وحكمت المحكمة بالتفريق بين أسامة أنور عكاشة وبين زوجته وبالطبع سترفض زوجته القرار وقد يغادر إلى أوروبا بل حتى إلى أمريكا لتستغل وسائل الإعلام هناك هذا الحدث وتنفخ فيه وتستنتج استنتاجاتها التي نعلم أنها رأي مسبق بالإسلام ؛سيقولون إن الإسلام يفرق بين الزوج وزوجته وأنه يحظر عليك انتقاد أي شخصية تاريخية وإلا نعتوك بالكفر وأن الإسلام والمسلمين ضد المبدعين وهلم جرا!بل قد يذهبون إلى أكثر من ذلك من خلال القول بأن هذا حال المسلم فكيف بحال غيره؟!فلم نعطي الفرصة لمن يتربص بنا الدوائر؟أليس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا؟ألا نتذكر أن محمدا رفض قتل ابن سلول رأس النفاق في المدينة حتى لا يقال أنه يقتل أصحابه وأشدد هنا على أنني لا أشبه عكاشة بابن سلول بل أضرب مثالا على حالة عداء واضحة مع الإسلام كيف تصرف معها من ندعي أننا نهتدي بهديه ونتبع سنته وليس مجرد ابداء رأي بشخصية ليس أسامة أنور عكاشة أول من انتقدها ولن يكون الأخير!

• ماذا لو كان أسامة أنور عكاشة أعزبا؟هل سترفع دعوى بعدم جواز تزويجه؟أم هل سترفع دعوى بأن يشترط في عقد الزواج أن لا ينتقد الزوج عمرو بن العاص! أرى أن من الأفضل لعكاشة ولخصومه أن لا يخرجوا الأمر خارج إطار المناظرات التلفزيونية والمقالات الصحفية وأن يبتعدوا عن المحاكم والدعاوى القضائية والرغبات "التطليقية" أو النزعات "التكفيرية"!

• ((وعلى الرغم من بعض مواقف "عمرو" التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها،فإن دوره كصحابي جليل بذل وأعطى ونافح وكافح....وهنا في مصر بالذات،سيظل الذين يرون في الإسلام دينا قيما مجيدا ويرون في رسوله رحمة مهداة...سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا-وأي سبب- لإهداء الإسلام إلى مصر،وإهداء مصر إلى الإسلام...))//كتاب:رجال حول الرسول-تأليف خالد محمد خالد،ص614-ص615 بتصرف//

عمرو موسى،عمرو خالد،عمرو ذياب مشاهير في مجالات مختلفة بل ومتناقضة ولكنهم جميعا من مصر ويحملون اسم "عمرو" فالكثير من أهل مصر يطلقون اسم "عمرو" على أبنائهم الذكور ليس فقط من المسليمن بل حتى من الأقباط،فكان على الأستاذ أسامة أن يحترم مشاعرهم بالنقد البناء للرجل بعيدا عن ألفاظ التحقير وغيرها خاصة في بلد يكن أهله احتراما للرجل وله في قلوبهم مكانة متميزة.

• بعد فترة الخلافة الراشدة ساد حكم التغلب والاستبداد وتوريث الحكم وتراكمت السلبيات حتى وصل بنا الحال إلى ما نعرف،هنا يجب على علماء الدين أن يرفعوا صوتهم بنقد تلك الحقب التاريخية بأحداثها وأشخاصها أيا ما كانوا فالصحابة ليسوا أنبياء مرسلين بل هم يخطئون وقد تسبب بعضهم بانحرافات كثيرة في مسيرة الأمة ولمن شاء الاستزادة فليقرأ كتاب "الخلافة والملك" لأبي الأعلى المودودي وهو عالم متبحر وليس كاتب سيناريو مسلسل تلفزيوني،إذا فعل العلماء ذلك وبدأوا بنقد تاريخنا نقدا بنّاء فإنهم يفيدون الأمة وينورون أبناءها وبنفس الوقت يغلقون الباب على من يريد نزع الخيرية منها وتشويه كل تاريخها بسبب الشخصية الفلانية أو العلانية، والحق يعرف بذاته لا بالرجال.

• أختم كلامي بالتأكيد على أن أسلوب رفع دعوى التفريق بين عكاشة وزوجته أسلوب خاطئ وبعيد عن روح الحوار في الإسلام وما هكذا تورد الإبل!أما السيد عكاشة فلم يعطه أحد إجازة منح شهادات تقييم تبدأ من "الحقير" إلى "الأحقر".

[email protected]
جنين/فلسطين