الذين يريدون إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، يتصورون أن بإمكانهم تحقيق حلمهم المريض، بالعنف والارهاب، وتخويف الناس وإرعابهم، وهم سوف لن يوقفوا عجلة الموت والدمار، إلا إذا يئسوا من إحتمالات النجاح، ولن يوئسهم شئ كإرادة العراقيين التي يجب أن تتمسك
بتصميمها على المضي قدما في المراحل الزمنية المتفق عليها لتقدم العملية السياسية
برمتها، وعلى رأس هذا الجدول الزمني، هو موعد الانتخابات العامة المزمع إجراؤها بداية
العام الميلادي القادم.
إن ما يحكم العلاقة بين الطرفين، هو صراع الارادات، وليس قوة السلاح، وأن من تكون إرادته هي الأقوى فسيضحك أخيرا، كما تقول الحكمة، فالعبرة بالنتائج وليس بالبدايات أو الوسائل، ولأن العراقيين هم صاحب المصلحة الأول والأخير في بناء الديمقراطية للحيلولة دون عودة العراق إلى سابق عهده، يحكمه الاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي، من قبل ثلة من العنصريين والطائفيين، مع إقصاء كامل لبقية أبناء الشعب التي تعاملت معهم الأنظمة السياسية المتعاقبة، كمواطنين من الدرجة الثانية، إما بسبب إنتماءهم المذهبي أو القومي، لذلك يجب أن تنتصر إرادتهم على قوى التخلف والظلام، التي ما تركت حراما أو موبقة إلا وارتكبتها بحق العراق والعراقيين.
وبرأيي فإن أفضل الطرق لحسم مثل هذا الصراع، هو أن ينجز العراقيون نجاحات، وعلى مختلف الأصعدة، لتسجيل النصر على الخصم بالنقاط، فلحسن الحظ، فإن الارهابيين لا يمتلكون خيارات كثيرة، إذ ليس في أيديهم منها سوى آلة القتل، التي بدأوا يخسرون بسببها، حتى الناس السذج والبسطاء الذين خدعوا بشعاراتهم البراقة، بادئ الأمر، عندما وظفوا الكلمات الدينية والوطنية المقدسة، كالجهاد والمقاومة، لتعبئتهم، ليكتشف هؤلاء، بمرور الزمن، بأنها ليست
سوى ورقة التوت التي يتستر وراءها الارهابيون الذين بات ضحاياهم من العراقيين فقط.
إن الارادة الصلبة والعزيمة الثابتة والانشغال بتحقيق الانجازات المادية الملموسة، والمضي قدما في طريق بناء النظام السياسي الجديد، المبنى على أسس الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية، وبذل المزيد من الجهد لتحسين مستوى المواطن العراقي، وعلى مختلف الأصعدة، كفيل بإنزال أمر الهزيمة في صفوف الارهابيين، فكل خطوة يخطوها العراقيون بالاتجاه
الصحيح، إنما هي بمثابة مسمار آخر يدقونه في نعش الضلاميين الذين لا يريدون بالعراق خيرا، ولذلك، فإن على العراقيين أن يحسبوا لخطواتهم ألف حساب وحساب، لتأت، دائما وأبدا، سليمة وفي الاتجاه الصحيح، وليتذكروا دائما الخطر المتربص بهم ليل نهار، حتى لا يوفروا عليه أية فرصة للنجاح، ويسقطوا من يديه أسلحته التي يمتلكها، وإن كانت قليلة.
إنها معادلة واضحة، وضوح الشمس في رابعة النهار، لا تحتاج إلى كثيرعناء لاكتشافها، فكلما تقدم العراقيون خطوة إلى الأمام، تراجع الارهابيون خطوة مماثلة إلى الوراء، والعكس هو الصحيح، فإن أية خطوة تراجعية للعراقيين، ولأي سبب كان، سيملأ فراغها الارهابيون بخطوة مماثة إلى الأمام، ولذلك على العراقيين أن يحذروا أية خطوة تراجعية، لأنها ستكلفهم كثيرا، فليعظوا على النواجذ ويتمسكوا بمواقعهم الأمامية، من دون أن يفكروا، حتى لحظة واحدة، بالتراجع، لأن تراجعهم هو تقدم لخصومهم من الارهابيين.
لا يمكن التكهن بالوقت الذي يستغرقه مثل هذا الصراع المصيري، قبل أن ينتهي وتنتصر إرادة العراقيين على قوى الشر والظلام، ولذلك لا يمكن مطلقا أن نربط العملية السياسية الجديدة بمديات هذا الصراع.
ستظل تزداد وتيرة العمليات الارهابية، كما ونوعا، كلما تأجلت الانتخابات العامة، واقتربت من موعدها مرة أخرى، وهكذا دواليك، لأنها هي المستهدفة أولا وأخيرا.
إنه صراع وجود، فإما أن يكون العراق الحر المعافى من مرض الاستبداد والديكتاتورية، الخالي من الفكر الشمولي والتمييز الطائفي والاثني، أو أن يخيم الظلام مرة أخرى، فتعود الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية والحروب العبثية والهجرة القسرية وغير ذلك، فكيف يمكن أن نرهن مستقبل العراق بمديات هذا الصراع؟ خاصة إذا تذكرنا بأن هدف الظلاميين هو وضع العصي في عجلة العملية السياسية الجديدة، لعرقلتها أو إلغائها نهائيا إن أمكنهم ذلك؟.
ثم، متى عرقلت الأزمات الأمنية والظروف الطارئة، العملية الديمقراطية، في بلد من البلدان التي أصر شعبها على طي الخطوات اللازمة، نحو التأسيس لنظام ديمقراطي؟.
حتى إسرائيل، هذا الكيان القلق واللامستقر، لم تعرقل أزماتها الأمنية المستمرة منذ نصف قرن، انتخاباتها البرلمانية، كلما إستحقتها دستوريا، فلماذا يعرقل الانفلات الأمني في بعض مناطق العراق، العملية الانتخابية برمتها؟ ألا يعني ذلك، إستسلاما مخجلا لمنطق الإرهابيين؟ وإنبطاحا كاملا أمام أعمالهم الإرهابية؟ واعترافا بنجاحهم في ابتزاز العراقيين؟ ما سيشجعهم على الاستمرار في نهجهم، ومواصلة أسلوبهم الابتزازي؟.
كذلك، فإن مثل هذا الاستسلام سيدفع، ربما، بالكثير من العراقيين إلى التفكير بانتهاج أسلوبهم، عندما يشعروا، وكأن الحكومة تكافئ الإرهابيين بالاستسلام لمنطقهم، ومساواتهم بالآخرين، عندما تصادر حقهم في المشاركة بالعملية الانتخابية.
إن التدهور الأمني، محصور في منطقة جغرافية محدودة جدا، فلماذا نحرم كل العراق، من حقه في المشاركة والانتخاب، بجريرة حفنة من الإرهابيين؟.
ألا يمكن إعتماد مبدأ الانتخاب لكل العراق، وإستثناء المناطق المأزومة أمنيا، من دون أن يعني ذلك تجاهلها بالكامل،إذ يمكن البحث في آليات إنتخابية أخرى تتلاءم وظرفها الأمني الاستثنائي؟.
ثم، أوليس من المعقول أن تكون الانتخابات، من العوامل التي ستساهم في نزع فتيل التوتر الأمني، ربما حتى في تلك المناطق المتمردة المحصورة، عندما يشعر الناس، أنهم بدأوا يشاركون بالفعل في صياغة العراق الجديد، من دون إستبعادهم، أو إحتكار ذلك من قبل حفنة من الساسة الذين لم يساهم المواطن في إنتخابهم أو حتى تفويضهم؟.
فكما تم حل الأزمة الأمنية في عدد من مناطق الوسط والجنوب، منها مدينة النجف الأشرف، بالحكمة والعقل والمنطق السليم، كذلك فإن بوادر إنفراج بدأت تشهدها عدد من مناطق الشمال والغرب، والتي تشير بشكل واضح إلى أن الارهابيين في هذه المناطق، أخذوا أهلها أسرى ورهائن لفرض مشروعهم التدميري المعرقل، وبرأيي فإن الاصرار على الالتزام بموعد الانتخابات العامة، له دور ايجابي ومباشر في إقناع الناس بضرورة الانعتاق من أسر هذه المجموعات الارهابية، للالتحاق بركب العملية السياسية الجديدة التي يشهدها العراق الجديد.
لقد ساق الذين رفضوا إجراء الانتخابات المبكرة في العام الماضي، تدهور الوضع الأمني، كحجة ودليل على إستحالة إجرائها قبل إستتباب الأمن، ووقتها تساءل الفريق الآخر أنه من سيضمن الوصول إلى حالة أمنية أفضل إذا أجلت الانتخابات؟ ومن سيضمن أن الارهابيين الذين سيشجعهم تأجيل الانتخابات إذا اعتبروه نصرا لهم، أنهم سوف لن يصعدوا من أعمالهم الارهابية والاجرامية، كما ونوعا؟ وهذا ما حصل بالفعل، واليوم يتكرر نفس السؤال إذا ما تأجلت الانتخابات، لأن هدف الارهابيين واحد هو عرقلة تقدم العملية السياسية بالكامل.
في ذات الوقت، فإن من المحتمل أن يتصاعد العنف بشكل كبير جدا مع الزمن، فمن سيضمن الموافقة، في هذه الحالة، على إجراء الانتخابات، حتى بعد إنقضاء الفترة الانتقالية،أي في نهاية العام القادم؟.
هذا، إذا أحسنا الظن، ولم نتهم أطرافا، يهمها جدا أن يستمر الوضع الأمني في التدهور، لفرض أجندتها الخاصة في طريقة تشكيل البرلمان، بما يضمن لها، أو لعناصرها، لا فرق، مواقع يعتد بها، لم تكن لتحصل عليها، لو تم تشكيله عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة.
لقد مرت أعرق الأنظمة الديمقراطية المعاصرة في العالم، بظروف أمنية مشابهة لما يمر به العراق اليوم، إلا أنها لم تستسلم لتحدياتها، ولم توقف عملية البناء الديمقراطي أو تؤجل إستحقاقاتها، نزولا عند رغبة جماعات العنف والارهاب.
خذ اليابان مثلا، التي بنت نظامها الديمقراطي تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع وهول الانفجارات، والتي ظلت تشهد أعمال عنف دامت قرابة خمس سنوات، وهي المدة الزمنية التي ظلت فيها تحت الاحتلال الاميركي المباشر، حكومة الجنرال الأميركي، إلا أن كل ذلك لم يعطل تقدم العملية السياسية الجديدة أو يجهض المولود الديمقراطي الجديد في بطن أمه.
الولايات المتحدة هي الأخرى نموذجا يحتذى، فلقد شيدت نظامها الديمقراطي في ظل تحديات الحرب الأهلية وحرب التخلص من التمييز العنصري التي رافقت التجربة مدة أكثر من مئة وخمسين عاما، وغيرها الكثير من الدول التي صممت على الانتقال من الفوضى والتخلف والديكتاتورية والأنظمة الشمولية، إلى النظام والاستقرار في ظل الأنظمة الحرة والمستقلة والديمقراطية، من دون أن تقدم لقوى الظلام أي إمتياز، من خلال إيقاف أو تأجيل أو التلاعب بأي جدول زمني متفق عليه، يساهم في التقدم بخطوات مدروسة وثابتة باتجاه إكمال تشييد المشروع الديمقراطي.
إن إرادة الشعوب هي التي تقرر، لتغير وتبني، لأن الارادة ثابتة لا تتزحزح، أما العنف
والارهاب، فموجة زائلة لا تستطيع أن تثبت أمام إرادة الشعوب، ولهذا المعنى أشار الشاعر بقوله ــ إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر ــ.
ولكل ذلك، أقول بصراحة، إنني شخصيا لا أخشى على العملية السياسية الجديدة في العراق، من الارهاب، وإنما من بعض العراقيين المتشبثين بالسلطة، هؤلاء الذين يخافون صندوق الاقتراع وترتعش فرائصهم من كلمات مثل، تداول السلطة والانتخابات والمساءلة، وأشباهها من أسس العملية الديمقراطية، خوفا من أن يخسروا مواقعهم التي أجلسوا عليها، لأي سبب كان، فراحوا يتحججون بالارهاب لعرقلة الجدول الزمني المحدد لتقدم العملية السياسية.
وإذا أردنا أن نتحدث بصراحة أكثر، أقول، أن هناك عراقيون يعرفون مسبقا أنهم سيخرجوا من مولد الانتخابات بلا حمص، كما يقول المثل، ولأنه لا أحد يجرؤ على الافصاح عن هذه
الحقيقة، لذلك تراهم جميعا يتلفعون بعباءة الارهاب لابعاد شبح الانتخابات، ما استطاعوا إلى
ذلك سبيلا، علهم سيجدوا لأنفسهم مخرجا من هذا المأزق الذي تورطوا به عندما رفعوا شعارات النظام الديمقراطي، فقد ينسى العراقيون بمرور الزمن، أو تتبدل الظروف، وعندها لكل حادث حديث.
أنا ضد فكرة تأجيل الانتخابات لسببين مهمين، الأول، لأنني لا أريد أن أمنح الارهابيين إمتيازا، ولا أريدهم أن يتقدموا خطوة إلى الأمام، ولا أريد أن أقدم لهم نصرا على طبق من ذهب، الثاني، هو أنني أريد أن أكتشف مع العراقيين أحجام القادة، الحقيقية، وأريد أن أكتشف مع الشعب، صدقية كلامهم وإدعاءاتهم وشعاراتهم التي ظلوا يرفعونها فترة طويلة من الزمن، ولنكتشف جميعا أحجام مساحاتهم التمثيلية، خاصة أولئك الذين إدعوا أكثر من اللازم، وقديما قالت الحكمة، أن مستوى الماء سيكذب الغطاس.
بصراحة أقول، إن التستر على مصادر الارهاب، خيانة.
وإذا كان الظالم والساكت عن الظلم والمعين عليه، شركاء ثلاثة، كما ورد عن رسول الله ـ ص ـ في حديث شريف، كذلك، فإن الارهابي والذي يعينه، والآخر الذي يتسترعليه وعلى مصادره، شركاء ثلاثة في الجريمة.
لأن الارهابي، لم يكن ليتمكن من تنفيذ جريمته، لو لم يكن هناك من يتستر عليه، وآخر يعينه على الجريمة، وثالث يوفر له الغطاء الشرعي، ورابع يحميه ماليا وإعلاميا، وهكذا، فالارهاب دورة كاملة، يجب أن تفتضح كل فصولها وحلقاتها، لتتعرى أمام الملأ، بعد أن نسقط عنها ورقة التوت التي تستر بها سوءتها.
إن الذين يتسترون على مصادر الارهاب، واحد من ثلاثة، بغض النظرعما إذا كانوا في السلطة الانتقالية أم خارجها، ينتمي إلى إتجاه ديني أم ليبرالي ؛
فإما أن يكون منتميا إلى جماعات العنف والارهاب، متستر بموقع حكومي أو تحت عباءة الدين وزي علمائه، أو أنه من المستفيدين من ظاهرة العنف والارهاب، ويتمنى أن تستمر في تدمير الحلم العراقي الجديد، أو أن له مصلحة مع مصادر الارهاب، سواء المحلية منها أو الاقليمية أو
الدولية، فيتستر عليها مقابل حفنة من المال، أو منصب حكومي أو ما أشبه.
إنهم، إما مشارك، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإما محابي، لا يريد أن يغضب أصدقاءه، أو يتبع المطامع، فيقايض التستر بمنصب أو حفنة من المال أو ما أشبه، وكل هؤلاء يعملون بالضد من إرادة ومصلحة العراق والشعب العراقي، وكلهم لا ينفعون لاقامة النظام السياسي الجديد، فالامام علي بن أبي طالب ـ ع ـ يقول، مشيرا إلى هذه الحقيقة ؛ لا يقيم أمر الله سبحانه، إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتبع المطامع ؛.
إن كل هؤلاء مسؤولون أمام الله تعالى، على كل قطرة دم يتضرج بها برئ، يوم ينادي المنادي يوم الفزع الأكبر ؛ وقفوهم إنهم مسؤولون ؛.
إن الارهاب، هو أخطر تحدي يواجهه العراق الجديد، وهو الذي يضعه اليوم على كف عفريت، وعند مفترق طرق، إنه يعرض حلم العراقيين في بناء نظام الشراكة الحقيقية بين مختلف مكوناتهم الاجتماعية، للخطر، ولذلك لا يجوز التساهل معه، كما لا تجوز المجاملة، لأن ذلك يعتبر إستهانة بدماء وأرواح العراقيين ومستقبلهم، ولذلك يجب الكشف عن كل ملابسات وحلقات الارهاب، ليفتضح أمره على رؤوس الأشهاد، وليعرف العراقيون ما هي مصادره؟ ومن الذي يموله؟ ومن الذي يدعمه بالفتوى الدينية الطائفية الحاقدة، والمال الحرام، ليميز الناس الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق الذي يتستر بعباءة الدين لذبحهم، والدين منهم ومن أعمالهم براء، براءة الذئب من دم يوسف.
إن الكشف عن مصادر الارهاب، واجب وطني، لا يتصدى له، إلا من لا يداري في الحق، ولا يتشبه في عمله بالمبطلين، ولا يميل مع المطامع وإن ضاع الحق، أما أولئك الذين يتسترون عليه لأي سبب كان، فهؤلاء، كما يصفهم أمير المؤمنين عليه السلام، بقوله ـ الراضي بفعل قوم، كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل، إثمان، إثم العمل به، وإثم الرضا به ـ.
ترى، لماذا لا يعرض الارهابيون الذين تلقي السلطات المختصة القبض عليهم كل يوم، على شاشات التلفزة، ليتحدثوا عن خططهم، ويذكرون أسماء المراجع الدينية التي أصدرت لهم الفتوى التي أباحت لهم فيها دم العراقي البرئ، وأسماء الأنظمة والاسر الحاكمة في عدد من دول الجوار، التي أمدتهم بالمال الحرام ليذبحوا به الابرياء، ويعددوا أسماء أجهزة المخابرات الدولية والاقليمية التي جندتهم لذبح الأطفال والنساء، لزرع الخوف والرعب واليأس في قلوب الناس، وليكشفوا عن بقية أسماء العناصر المرتبطة في شبكاتهم داخل العراق، وخارجه؟.
لماذا تتستر الأجهزة المختصة، على كل ذلك، إلا أن تكون متورطة هي ذاتها بالارهاب، أو أن أجهزة مخابرات صديقة لها متورطة فيه، ما يضطرها إلى التستر خوف الفضيحة، وحتى لا يزعل علينا أصدقاءنا، على حد قول وزير في الحكومة الانتقالية المؤقتة.
وإذا كانت الأجهزة المختصة تتستر على مصادر الارهاب، فهل يمكن أن تنتظر من المواطنين، المساعدة في كشف أوكار الارهابيين وعدم التستر على عناصر الارهاب، والامتناع عن
ايوائها، والاخبار عن أية معلومة قد تساعد على الاهتداء اليها، أو إحباط عملية إرهابية قبل
التنفيذ؟.
إن من يدعي أنه يحارب الارهاب، عليه أن لا يتستر عليه، بأي شكل من الأشكال، فالحرب على الارهاب والتسترعليه، نقيضان لا يجتمعان مطلقا، فمثلهما، كمثل الخطين المتوازيين، هل يمكن أن نراهما ملتقيين، في يوم من الأيام، عند نقطة ما؟.
إن التستر، كالايواء، وإن إخفاء المعلومات التي بحوزة الأجهزة المسؤولة، عن المواطنين، كإخفاء المواطن لمعلومة عن الاجهزة المختصة، لا فرق، فكلاهما يتستر على الارهاب، وبالتالي، فإن كلاهما يحرض على الارهاب ويقدم له دعما ما.
إذا أرادت الحكومة العراقية الانتقالية المؤقتة أن تغلق باب الشائعات، التي تتحدث بعضها عن تورط أجهزة معنية في موجة الارهاب، فيما يتحدث بعضها عن أسطورة الزرقاوي الذي يشك كثيرون في حقيقته، عليها أن تكشف للعراقيين كل المعلومات التي بحوزتها عن الارهاب ومصادره، لتبرئ ساحتها، وإلا فستظل متهمة في نظر العراقيين، حتى يثبت العكس، فلماذا تضع الحكومة، نفسها في موقع التهمة؟ وهي بأحوج ما تكون إلى ثقة المواطن العراقي ورضاه قبل أي واحد آخر؟ ولقد جاء على لسان رسول الله قوله ؛ رحم الله امرءا جب الغيبة عن نفسه ؛.
إن التستر على مصادر الارهاب، ليس بأقل خطر من الارهاب ذاته، لأن التستر يذكي ناره.
أما الذين يتحججون بالخوف من الاثارات الطائفية، للتستر على مصادر الارهاب، فهم ينطبق عليهم القول المأثور الذي يقول، كاد المريب أن يقول خذوني، وإن حجتهم هذه تثبت التهمة على مصادر الارهاب التي هي عادة إما سنية طائفية أو قومية عربية عنصرية، ومن أجل أن نميز حفنة الارهابيين عن سنة العراق الذين يتضررون من الارهاب كما يتضرر الباقين، وإن كان بنسبة أقل، لذلك يجب الكشف عن مصادر الارهاب، لنميز الناس، فلا يؤخذ المذنب بجريرة القاتل المجرم.
ويتساءل البعض، ترى، لماذا كل هذا العنف والارهاب في العراق؟.
بصراحة اقول، لأن أكثر المتشائمين، لم يكن ليتصور بأن الولايات المتحدة، سترتكب كل هذه الأخطاء الفضيعة في العراق، بعد سقوط النظام الاستبدادي الشمولي البائد.
إن أخطاء الولايات المتحدة، تحولت إلى ذرائع إستغلتها مجموعات العنف والارهاب التي تسللت إلى العراق من وراء الحدود، لتتحالف مع فلول النظام البائد، لتنتج كل هذا الارهاب الاعمى الحاقد.
لقد قطعت الولايات المتحدة، حبل المودة مع العراقيين، بسبب أخطاءها الفضيعة، ودفعتهم دفعا لمعاداتها، وأجبرتهم، في أحيان كثيرة، على حمل السلاح والقتال ضد قواتها المنتشرة في مختلف مناطق العراق.
ربما تكون الأحزاب السياسية التي تعاملت مع الولايات المتحدة، تتحمل جزلا من المسؤولية، على الأقل الأخلاقية ؛
أولا، لأنها لم تسع إلى التنبيه لهذه الأخطاء، ربما لأنها كانت مشغولة بتقاسم الكعكة وتوزيع الحصص، وأن من يكون حاله على هذه الصورة، لا يحاول، عادة، إغضاب من يمسك بالسكين لتقطيع أوصال الكعكة قبل أن يوزعها على الحاضرين.
ثانيا، لأنها لم تبادر فورا إلى توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية، لاستيعاب وإشراك أكبر عدد ممكن من القوى السياسية والتيارات الدينية، والمكونات الاجتماعية، وإذا تذكرنا بأن قادة هذه الأحزاب، جلهم تقريبا، هم من العناصر التي عادت إلى العراق مع القوات الأميركية، فسنعرف مدى عمق الفجوة بينهم وبين الشعب العراقي، الذي ظل إلى هذه اللحظة، لا يشعر بأنه ممثلا تمثيلا حقيقيا في العملية السياسية الجديدة، التي انطلقت إثر سقوط النظام البائد مباشرة.
لو ترك العراق وشأنه، فسيكون يابان الشرق الأوسط وأكثر، وهذا ما يقلق دول الجوار، للأسف الشديد، لأنهم يرون في العراق السليم والمعافى والمستقر، منافسا قويا لهم، وعلى مختلف الأصعدة.
إنه سينافسهم إقتصاديا وتجاريا وصناعيا وكمستوى معاشي، بل وحتى دينيا وحوزويا وعلميا، وعلى مختلف الأصعدة الأخرى، ولذلك يعتبره جيرانه منافسهم الأكبر، فلا يدعونه يتعافى من جراحه النازفة، ليقف على قدميه، ليعيد بناء نفسه.
ولكن، ما ذنب العراق الذي حباه خالقه تعالى من الامتيازات والخصوصيات والنعم، ما لم يمنحها لأي بلد أو أرض أخرى؟ فمنذ قديم الزمن، سمي العراق بأرض السواد، لكثرة الزراعة في أرضه والتي كانت تطعم بخيرها كل شعوب المنطقة، إمتدادا إلى بلدان إفريقية وشعوبها.
تعرفون، أن العراق هو البلد الوحيد في العالم، فيه الأنواع الثلاثة من
السياحة، وعلى مدار السنة؟ ففيه السياحة الدينية والطبيعية والتاريخية،
والدينية منها، لأتباع الديانات الثلاث، الاسلام والمسيحية واليهودية،
ولأتباع كل المذاهب الاسلامية، الشيعية منها والسنية، وأن السياحة الطبيعية متوفرة في الصيف والشتاء، فلو أن العراق تعافى من جراحه، لاستغنى حتى عن النفط، هذا الذي يسميه العالم بالذهب الأسود، ونحن نراه كيف يتقاتل عليه.
إن العراق يمتلك كل مقومات النهوض والبناء، ما يؤهله لأن يكون يابان الشرق الأوسط وأكثر، إذا ما ترك وشأنه، وإن كل ما يتمناه ويطلبه العراقيون من جيرانهم، هو أن يتركونهم وشأنهم، فلا يتدخلوا في شؤونه، أو يدعموا مجموعات العنف والارهاب التي تزرع الموت والدما ر، وأن يضبطوا حدودهم حتى لا يتسلل الارهابيون الى داخل العراق، وأن لا يمنحونهم فرص الظهور في الاعلام، لدرجة أن فضائياتهم تحولت إلى ما يشبه المصالخ البشرية.
ولكل ذلك، رأينا كيف أن دول الجوار وعموم الأنظمة العربية، ظلت تدعم نظام الطاغية صدام حسين، حتى آخر لحظة، وبمختلف أنواع الدعم، وهي تنظر إلى جرائمه بلا أبالية مخجلة، وترى ضحاياه يتضورون ألما، من دون أن يرتجف لهم حاجب أو شعرة في شارب.
إنهم، بصراحة، كانوا سببا مباشرا في توريط العراق بنظام إستبدادي ديكتاتوري شمولي أرعن، كنظام الطاغية البائد، حتى ينشغل العراق بمآسيه، فلا ينهض، حتى لا ينافسهم، فيقطع عنهم رزقهم، كما يقول المثل، وهم الآن يدعمون الارهاب والعنف، لذات السبب، لينشغل العراقيون بلعق جراحاتهم، فلا ينجحوا، حتى لا ينهض العراق من جديد.
إذ لو نهض العراق، فسينافس أهل البترول ببترولهم، وأهل الاستثمار بإستثمارهم، وأهل المال بأموالهم، وأهل الكفاءات والعقول والخبرات بكفاءاتهم وعقولهم وخبراتهم، وأهل الحوزات والمرجعيات بحوزاتهم ومرجعياتهم، وهكذا، ولكل ذلك فهم يفعلون المستحيل من أجل عرقلة نهوض العراق، ولكن...
يلزم طمأنة دول الجوار، والمحيط العربي على وجه التحديد، والسعي لاقناعهم، بأن عراقا حرا ديمقراطيا تعدديا، لا يهدد مصالحهم، بل على العكس، فإن عراقا متفجرا غير مستقر تحكمه الأقلية بالحديد والنار، يهددهم في عقر دورهم، إن عاجلا أم آجلا، فالعراق ليس لبنان، إذا شاعت فيه الفوضى وانزلق إلى الحرب الأهلية، فسيدمرهم، لأنه، وبصراحة، قطب الرحى في المنطقة، وهو مفتوح على كل جيرانه، بحدود، لو استغلها الارهابيون، فسيدمرهم، ويحيل نهارهم إلى ليل دامس الظلمة، ولا أظن أن جيران العراق نسوا تجربتهم مع نظام الطاغية الذليل، وكيف أنه كان سبب عدم إستقرار المنطقة لعقود طويلة، وأنه أرق ليلهم وسلب النوم من عيونهم، بسبب سياساته الرعناء والمتهورة، سواء في داخل حدوده، أو خارجها.
شخصيا، سأظل أراهن على صبر وتحمل وحكمة وتعقل العراقيين، لازال هنالك متسع من المراهنة، لأن الانجرار إلى مخططات الارهابيين، يمنحهم فرص النجاح، ويمنحنا الهزيمة، وإذا تذكرنا بأن هدف الارهابيين هو تدمير الحلم العراقي الجديد، فسنعرف بأن الانجرار إلى مستنقع الحرب الأهلية، سيمكنهم من تحقيق هدفهم، ولذلك ليس أمام العراقيين إلا الصبر والتحمل، لأن المنتصر في الحرب الأهلية مهزوم، وأن الفائز فيها خاسر.
لقد أثبت العراقيون، بأنهم أوعى من أعدائهم، الذين ينطبق عليهم قول الامام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين ـ ع ـ ؛ الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى ؛.
إن على الارهابيين ومن يقف خلفهم، أن يتأكدوا بأن العراقيين سوف لن ينجروا إلى مخططاتهم، وفيهم المراجع الواعون والفقهاء والعلماء المتنورون والقادة والزعماء الحكماء، والمواطن العادي الذي يعرف بالفطرة والشعور الوطني والاحساس الديني الأصيل، بأن إنجراره خلف مخططات الضلاميين، لا يقدم له أية خدمة، لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك فهو سيظل يعظ على جراحه حتى ينزل اليأس في قلوب القتلة، وعندها سيحتفل العراقي مرتين، مرة لأنه أنزل الهزيمة بالظلاميين، ومرة لأنه تقدم خطوة بالاتجاه الصحيح الذي سينتهي بإذن الله، إلى بناء العراق الجديد، الآمن والمستقر.


[email protected]

مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن.