انسحاب حزب الأخوان المسلمين العراقي (الحزب ألأسلامي العراقي) من الأنتخابات المزمع اجراؤها في نهاية كانون الثاني القادم لم تفاجيء احدا، فهذا الأنسحاب كان متوقعا لعدّة اسباب منها:
ا: ان قاعدته الأنتخابية تقع تحت سيطرة الأرهابين( البعثيين والسلفيين) الذين هددوا من يشارك في الأنتخابات بالويل والثبور وعظائم الأمور، وفي حالة كهذه يصبح حصول الحزب على مقاعد تتناسب وطموحه امرا شبه مستحيل ( وهذا قد ينطبق على حزب الدكتور عدنان الباجه جي ، تجمع الديمقراطيين المستقلين، بدرجة ما).
ب - تعرض مرشحي الحزب الى تهديدات صريحة ومبطنة من قبل الأرهابين بالتصفية الجسدية في حال مواصلتهم خوض الأنتخابات.
ج - تعرض الحزب الى ضغوط شديدة من قبل هيئة علماء المسلمين ومن قبل التنظيم الدولي للأخوان المسلمين الذي يعلن صراحة مساندته للأعمال الأرهابية في العراق.
وبالرغم من اننا نعرف ان قيام الحزب الأسلامي العراقي بتسجيل نفسه لدى المفوضية العليا للأنتخابات ثم تقديمه لاحقا لقائمة انتخابية هي محاولة لكسب الوقت وعدم قطع الطريق على محاولاته المستميتة من اجل تأجيل الأنتخابات، الا اننا نسجل له حرصه على دعم الأنتخابات ومشاركته الأيجابية في العملية السياسية التي تجري في العراق رغم الضغوط الكبيرة والكثيرة التي واجهته، ولكن هذا لايمنع من توجيه النقد البناء لعدم وضوحه وعدم كشفه لكامل الأسباب التي دعته للأنسحاب. فالسيد محسن عبد الحميد رئيس الحزب قال في مؤتمره الصحفي الذي اعلن فيه انسحاب حزبه من الأنتخابات ( ان الأوضاع الحالية لن تتيح اجراء انتخابات صحيحة نظيفة وكاملة في جميع انحاء العراق) ايلاف - اسامة مهدي-27-12-2004
ولاشك ان عبارة ( الأوضاع الحالية) عبارة مبهمة توزع الأتهام على كل الجهات بقدر متساو وتثير الغموض الذي يبدو متعمدا لخلط الأوراق لتلافي ادانة الجهات التي ارغمته على الأنسحاب والتي هي الجهات الأرهابية وداعموها محليا وعربيا ، وسيتضح لنا هذا الخلط اذا امعنا النظر في الأسباب الثلاثة التي ذكرها لتوضيح اسباب انسحابه والتي هي (ان الوضع الأمني المتدهور سيمنع الأنتخابات في ست محافظات (كذا ) اضافة الى ان عمل المفوضية للأنتخابات غير واضح ولم تجب على اسئلة توضيحية للحزب (لم يكشف عنها ) كما ان الأستمارات الأنتخابية لم توزع على جميع المواطنين وغياب الوعي الأنتخابي لديهم ) نفس المصدر السابق
ولو دققنا في هذا الكلام لوجدنا ان السيد عبد الحميد يساوي بين السبب المهم والرئيسي الذي هو التدهور الأمني ( الذي تحاشى ادانة مسببيه وداعميهم) وبين اسباب اخرى يمكن معالجتها مثل الحصول على (اجوبة توضيحية) من المفوضية العليا وتوزيع استمارات انتخابية على الناخبين ( في الواقع ان الأرهابين أحرقوها في الموصل ويمنعون الناس من استلامها في مناطق اخرى، وتسعى المفوضية العليا للأنتخابات لمعالجة هذا الخلل). وعموما فان اي مستمع للمؤتمر الصحفي الذي عقده الحزب الأسلامي العراقي لتوضيح اسباب انسحابه سيفهم ان الحزب الأسلامي لايحمل الأرهابين وداعميهم مسؤلية انسحاب حزبه، بل يحمل الحكومة العراقية وكل الأحزاب المشاركة في الأنتخابات مسؤلية هذا الأنسحاب لانها لاتوافق على طلبه بتاجيل الأنتخابات لمدة ستة اشهر، وكأنه يضمن ان التأجيل سيردع ،اولا ،الأرهابين ولايدفعهم الى توسيع نطاق ارهابهم، بعد ان يكونوا قد سجلوا نصرا ، وثانيا سيدفع المقاطعين الى المشاركة. ولاندري لماذا يحتاج المقاطعون الى ستة اشهر حتى يقتنعوا وينظمّوا الى المشاركة في الأنتخابات ، وماذا لو انقضت الستة اشهر ولم يتحسن الأمن ولم يغيّر المقاطعون موقفهم؟!!( المقاطعون يدعون ان سبب مقاطعتهم وجود الأحتلال، وكما هو معروف فأن الأحتلال لن يزول قبل استقرار العراق امنيا وسياسيا وهذا يؤكد انهم لن يشاركوا بعد انتهاء فترة التمديد المقترحة). اما عن قضية (غياب الوعي الأنتخابي) لدى الناخبين العراقيين فهذه قضية حشرت حشرا لأكثار اسباب الأنسحاب، لأنها قضية نسبية ومتطورة بفعل الممارسة ، وفي الواقع فان معظم العراقيين لديهم وعي بأهمية الأنتخابات ولديهم رغبة قوية(لوتركوا لحريتهم) في المشاركة فيها لأنتخاب ممثليهم الى المجلس الوطني. غير ان غياب مؤسسات المجتمع المدني لفترة طويلة وعسكرة المجتمع العراقي ادى الى انتعاش الروح العشائرية والمناطقية والمذهبية وغيرها من النزعات الضيقة التي تنتشر عند ضعف الروح الوطنية وعند غياب مؤسسات المجتمع المدني،وهذا يعني ان اغلب المواطنين سيصوتون بناء على هذه الأعتبارات الضيقة المنافية للروح الوطنية الحقيقية، وهذا الخلل لايمكن معالجته في ستة اشهر او ست سنوات، ولكن كلما تقدمت التجربة الديمقراطية خطوة الى الأمام وكلما توطد الأستقرار وشبعت البطون وهدأت النفوس فان وعي المواطن الديمقراطي عموما سيتطور بأستمرار.وخلاصة القول اننا نتفهم ( آسفين) اسباب انسحاب الحزب الأسلامي العراقي ومن حقه ان يقرر مايراه مناسبا له، ولكن من حق العراقيين عليه وعلى غيره سماع الحقائق ، لا انصافها، لتشخيص المسيئين وادانتهم وتحميلهم مسؤلية اي خلل، بدل لغة التعميمات التي تهدف الى تعمية الجمهور وطمس الحقائق او الدوران حولها. اننا نحترم ارادة كل الأحزاب والأفراد ولكن من يتصدى لمهام عامة عليه ان يضعنا في كامل الصورة،ويكون صريحا بصراحة ( ابو كاطع).
[email protected]