الواقع العراقي الجديد بكل مافيه من مظاهرسياسية يحتاج الى فهم جديد من قبل كل فئات الشعب، فهم يتعلق بنهاية مرحلة مرة وبداية مرحلة جديدة وجدية تهدف فيها المجاميع السياسية الى خلق حالة اخرى مختلفة تماما عن تلك المرحلة وتنتقل بالشعب الى مرحلة الدولة المؤسسة وليس دولة الحاكم ايا كان شكله.

على هذا لابد ان يصل الشعب الى هذا الفهم الجديد عن طريق الخطاب الجديد الذي يعتمد اليات عصرية تناسب ما هو متداول في العالم اليوم ومن شان هكذا خطاب ان يضع منبها في الذهن الجمعي لدى الشعب يرن كلما اقترب السلوك الشعبي من السلوك الذي كان متبعا في الفترة المظلمة السابقة.

لا اريد ان استرسل في هذه المقدمة قدر ما اريد ان اسلط الضوء اكثر على ما نشاهده في الشارع العراقي وبصورة يومية تكاد لا تغيب حيث نجد استصحاب الناس للحالة الاولى في كل ما تتصرف به او تتحرك له او تقوله وهناك من الامثلة الكثير الكثير. ولا يمكن بحال القاء المسؤولية كاملة على عاتق الشعب واتهامه بانه مايزال اسيرا لتلك المرحلة المظلمة.

بقدر ما يتحمل المسؤولون الجدد القدر الاكبر من المسؤولية لانهم ابتعدوا عن الشفافية في كثير من الامور الهامة التي تتطلب اشراك قطاعات من الشعب والى ابعد من ذلك ظل السياسيون الجدد يعملون بقاعدة المحاصصة في مسؤوليات الدولة ارضاء للاحزاب المشاركة مما القى مزيدا من الشك والتهم عليهم من قبل الشعب.

ان ابسط ما تسمعه من الشارع العراقي اليوم كلمة (يمعود شنو الي تغير ؟) وهي كلمة تشير بما لايقبل الشك على ان الشعب يرصد ويراقب ويتصرف وفق ما يفهم من اشارات العمل السياسي الجديد.

بامكان السياسيين الجدد اعتماد الكفاءات العراقية بدل طرح مرشيحي الاحزاب الذين ليس لهم حظ من الكفاءة في بعض المسؤوليات التي كلف بها اولئك، وبامكانهم ايضا استقطاب الشارع وجعله يدور في فلكهم عن طريق الوضوح والمباشرة بالخطاب الصريح الذي يحيط المواطن علما بكل ما يستجد على الساحة وعن الخطط التي يتم تبنيها من اجل النهوض بالعراق مرة اخرى.

نحن نسمع كثيرا من الشعب اضعاف ما يسمع المسؤولون ونعرف ايضا ان الارتباط الشعبي مع الحكومة الان في اضعف صوره وهو بحاجة الى تقوية وتثبيت ولا يتم ذلك الى عن طريق الفهم الجديد الذي يجب ان يجد له مكانا واسعا في الساحة العراقية فهم يبعد الولاءات الحزبية عن مؤسسات الدولة فلا يحابى هذا لانه من حزب الوزير او رئيس الوزراء ولا يبعد ذاك لانه فاقد الارتباط باي حزب في الساحة لان الاصل في الشعب انعدام الحزبية والحزب انما وجد لانه طريقة فضلى لتقديم الخدمة للشعب وليس ان يستاثر الحزب بمقدرات الدولة كما كان يفعل البعث ايام صدام البائد وكان نتيجة ذلك ان ضاع العراق والعراقي معا وسط السياسة الرعناء التي كان صدام يتبعها.

الان وفي غياب الفهم الجديد للدولة الجديدة يلاحظ الشعب المحسوبيات الحزبية من ادنى وظيفة الى اعلى وظيفة ولا ينكر اعتبار ذلك امتدادا لسياسة البعث البائد الذي كان يقصي غير البعثيين من الوظائف ولذلك وجدنا كما هائلا من المفصولين السياسيين.

الفهم الجديد الذي نريد ان يشيع بين اوساط الشعب يعني ان يستطيع كل مواطن المنافسة النزيهة مع غيره على فرص العمل والمسؤوليات ويعني ان ينتهي اي امتداد لما كان سائدا في الزمن البائد ويعني ان نخلق روح الشاركة الوطنية لدى كل الشعب دون ان يكون هناك امتياز لفئة واخرى على حساب فئات اخر. ويعني ان يكون المسؤول في الدولة موظفا مكلفا ليس له امتياز يخلق في نفسه العظمة والكبر ومقدمات الدكتاتورية، نريد ان نصل الى المشهد الذي نرى فيه الرئيس او الوزير يتمشى في الاسواق وياكل الطعام كما هو سائر الناس لا ان يكون محاطا بالاساطير ورؤيته تعد من المعجزات التي يتحدث فيها الناس كاعجوبة من الاعاجيب نريده فردا لايزيد ولا ينقص عن كونه موظفا يؤدي واجبه وحسب له فترة محددة يمارس فيها دوره من خلال وظيفته ولايفقد احترامه او يجر بالحبال ما ان يزول عنه المنصب نريد ان نحقق لاول مرة التداول السلمي للسلطة بعيدا عن الانقلابات والمؤامرات

والعمالة والجاسوسية التي اكلت الشعب دون طائل. بالتاكيد مثل هكذا فهم عسير جدا الوصول اليه في بيئة مثل العراق تعج بالامراض النفسية والاجتماعية والسياسية ولاسيما بعد ان بدا السياسيون يحيطون انفسهم بنماذج مشابهة من حيث الفكرة لنموذج (عبد حمود) وهو علامة مرض لاني ارى في ذلك اسرافا تعدى المطلوب فصار المسؤول يوقف شخصا او اشخاصا وراءه وهو يتكلم مع اناس مروا بنقاط تفتيش مزعجة ومع تاكد الامان منهم يظل ذلك الحارس يرمق الناس بعينين لا تنمان عن ثقة بهم.

فهم عسير لاننا مانزال نحمل فايروس تقديس الشخصية واعطائها الحجم الضخم القابل دائما لان يتضخم اكثر ومقاومة هذا الفايروس صعبة جدا لان هناك وسطا كبيرا يشجع هذه الفكرة وينميها ويسطح بذلك وعي الشارع الذي نريد له زيادة في الوعي.

ربما يكون هذا الفهم الذي انشده في هذه المقالة يمثل حالة من الحلم والخيال الجامحين ولكن الفترة التي خرج منها العراق مليئة بالدروس والعبر التي لايمكن اهمالها،فترة مظلمة بما للظلام من معنى ولذلك لا دواء لمخلفاتها الا بالعمل الدؤوب على خلق هذا المفهوم الجديد الذي يصنع المواطنة الصالحة ليس لدى الشعب فقط وانما لدى الحاكم والوزير وجميع المسؤلين صغارا وكبارا.

ولكن لاارى شخصيا اي بادرة على البدء بانشاء اوليا ت العمل لايجاد هذا المفهوم الجديد.

كاتب عراقي – بغداد

[email protected]