طالعتنا القناة الفضائية المصرية الاسبوع قبل الماضى مستضيفة شيخا من شيوخ الازهر يمارس فىأحد برامجها فعل الافتاء وهو الفعل المحبب الى نفوس المشاهدين هذه الايام حيث يغلبنا الوسواس القهرى فى الشئون الدينية فيجرفنا سيل الافتاء.

المهم اتصل احد المشاهدين مستنكرا وطالبا الرأى والتصحيح فى واقعة زواج صغارالصبايا. فلقد سمع من احد نجوم الافتاء السوبر فضائى تحبيذا لزواج الفتيات صغارا واستنكر الرجل السائل ان يدعو احد المشايخ الى زواج البنت عند بلوغها تسع سنوات لو بلغت المحيض تحت عباءة انه جائز شرعا.

عندها انبرى الشيخ الازهرى مدافعا عن رأى زميله الفضائى موضحا ان البنت اذا بلغت المحيض تتزوج حتى لو كان عمرها تسع سنوات استنادا الى حديث منسوب للرسول الكريم واضاف الرجل ان البنت- والكلام للشيخ - عندنا فى الارياف بتبقى( فايره ) من صغرها وممكن نجوزها ولا مانع شرعا وذكر بامتعاض ان اليومين دول محددين سن الزواج بستة عشر عاما واضاف ان الرسول تزوج السيدة عائشة ولها من العمر تسع سنوات وان الرسول كان يدعوها للفراش وهى بين اقرانها تلعب وتلهو بالدمى!!!.

كيف لشيخ ازهرى كان يحتل منصب وكيل الازهر الشريف ان يقول مثل هذا الكلام بدون توضيح الظروف الاجتماعية والتاريخية للنصوص التراثية وان هناك بعض الاشياء التى كانت تفعل بالماضى حتى وان صحت ليست ملزمة بالضرورة ويفضل التغاضى عنها.

فمن المفترض ان الازهر- وهو الذى يرسل هذه الايام قوافل صيفية الى اوروبا لتحسين صورة الاسلام ووضعه فى اطاره الصحيح- ان يتعامل بحذر مع تلك القضايا التى تنتقص من رصيد العمل الدعوى وتصيبه فى مقتل.

ان هذا الموضوع ليس دينيا فقط بل هو فى الاساس طبى بحت يدلى فيه الاطباء المتخصصين برأيهم فهل تصلح ان تمارس الصبية وعمرها تسع سنوات فى وقتنا الحالى الجنس بشكل مكتمل وتقيم علاقة زوجية تتحمل فيها مسئولية الييت وتربية اولادها هذا اذا لم تمت اثناء الحمل أ والولادة.

واذا عملنا بالسنة الشريفة كما اوصانا الشيخ الازهرى تأسيا برسول الله، فعلى انا بالتحديد- وأدعوا امثالى ايضا – ولى ابنة عمرها ست سنوات والحقتها برياض الاطفال العام الماضى ان ابدأ فى التفكير جديا فى تجهيز لوازم فرحها من الان فبعد ثلاث سنوات ستصبح زوجه والايام بتجرى!!!.

كما انصح صديقى المبدع عادل سلامه بالبحث فى اسباب تاخر ابنته عن الزواج فلقد تخطت الاثنى عشر ربيعا ولم تتزوج حتى الان!!!.

ان العديد من سلوكيات النبى محمد صلى الله عليه وسلم جاء التصريح بها من الله تعالى كظرف استثنائى " تعدد الزوجات و الحجاب وعدم زواج امهات المؤمنين اكراما له" و اشياء كثيرة اختص بها نبيه الكريم وزوجاته دون باقى المسلمين.

ان وضع الفضائيات تحت تصرف الشيوخ وفتاويهم المفارقة لروح العصر والعلم وحركة التاريخ هو احد اهم المشاكل التى تواجه العقل العربى الاسلامى ده اذا كان فيه عقل من اساسه
فالشيخ يردد اقوالا يحفظها كالبغبغاء ولا يميز ما يقوله واطال وصال وجال بدون ان يدرى ان هناك منطق للتشريع الالهى وان افعال الرسول الكريم وتصرفاته فى معظمها استرشادى وليست ملزمة وان وظيفة رجل الدين الحقيقية ليست الترديد بل اقامة جسور عقلانية ومنطقية بالماضى والتعامل مع الاشياء بروح العصر الذى نعيشه فالعلم لن يتوقف عند القرن الثانى اوالرابع الهجرى.

هذا يقودنا الى قضية التعامل مع السنة - المنسوبة الى نبينا الكريم- بشكل مطلق، الثابت منها والظنى والمتواترمنها والأحاد وهو ما حدا بالمفكر الاسلامى جمال البنا – اخو الشيخ حسن البنا – القول بوجوب اعادة تصنيف الاحاديث النبوية على اساس المتن وليس السند ايمانا منه بخطورة تلك القضية واساءة استخدامها من قبل السلفيين واصحاب المصالح السياسية التى تستخدم الدين جسرا للعبور الى السلطة المطلقة واستعباد الناس باسم الدين وهو منهم براء.

ان قضية التعامل المطلق مع الاحاديث المنسوبة الى النبى بدون تفسيرها وو ضعها فى سياقها التاريخى والثقافى يضغنا فى اشكالية كبرى و اليكم مثال على ذلك " فقد ورد فى مؤلف السيوطى – الاتقان فى علوم القرآن- الجزء الثانى ص 196 ما يلى:


أخرج احمد والترمذى وصححه النسائى عن ابن عباس قال: اقبلت اليهود الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا:اخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من ملائكة الله، موكل بالسحاب يسوقه حيث امره الله قالوا فما الصوت الذى نسمع؟ قال صوته.

وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن نجاد الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرعد ملك يزجر السحاب والبرق طرف ملك يقال له روفيل.

واخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان ملكا موكل بالسحاب يلم القاصية ويلحم الرابية فى يده مخراق فاذا رفع برقت واذا زجر رعدت واذا ضرب صعقت.

ما رأيكم يا ساده هل هذا النص مطلق و متجاوز حدود الزمان والمكان وخارج اطار التفسير الثقافى أم أنه نسبى ويجب تفسيره بمفهوم زمانه حتى نقبلة الان كنص تراثى وليس كحقيقة علمية.

اظن ان الدعاوى السلفية بوجوب الطاعة المطلقة للنصوص الدينية والتراثية حتى لو كانت تفاسير القدماء دعاوى تحتاج الى اعادة نظر وهذا ما يسمى بتجديد الفكر الدينى تلك الدعوة التى وان يسمعها كثيرون حتى يتحسسون بنادقهم وابواقهم وفتاويهم التكفيرية.

وقد دعا الشيخ / احمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر السابق الى قبول اى شىء يندرج تحت عباءة قبولنا الاسلام دينا ومحمدا نبيا ورسولا ولا يجب ان نناقش حتى فى فروع الفروع وهو بذلك يغلق الباب الى ابد الابدين امام التدبر والتأويل والتجديد. واذا كان هذا هو حال الازهريين من ذوى العلم والمعرفة فما بال الوهابيين والسلفيين والشيوخ سوبر فضائى؟

واعجب ان تمتنع وسائل الاعلام بما فيها غول العصر- الفضائيات – على مفكرين كبار امثال د. محمد شحرور و د. جمال البنا والمستشار سعيد العشماوى و د. نصر ابو زيد واخرون من المستنيريين ودعاة الفكر التنويرى والمجتهدين.. وفى نفس الوقت تفتح ابوابها لمن فارقوا العصر ولمستثمرى الفتاوى والانتهازيين الدينيين الجدد، وكلما حدثت لنا مصيبة نقول انها مؤامرة على الاسلام والدين.. بينما فى الواقع نحن مدبروها.

رحم الله اباء التنوير العظام الذين اضاءوا حياتنا القرن الماضى وبعدها تسلمتنا الأصولية لنعيش معها فى الظلام.


" فالقوم لولا عقاب الله ما عبدوا ربا ولولا الثواب المرتجى كفروا كأن الدين ضرب من متاجرهم ان واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا" (جبران "المواكب")


اعلامى مصرى

[email protected]