قانون السلامة الوطنية أكثر من ضرورة وطنية:

بينما يسير العراق الجديد في الاتجاه الصحيح، ويعمل على إزالة أخطاء الماضي التي رافقت بناء الدولة العراقية عام 1921 وحتى انهيار و سقوط النظام الملكي عام 1958، وكيف أن هذه الاخطاء تحولت منذ قيام النظام الجمهوري عام 1958 الى دكتاتوريات متفاوتة في حجمها، ولعل أبشع أنواع هذه الدكتاتوريات دموية و استخفافا بالانسان العراقي و حقوقه الطبيعية تمثلت في سيطرة البعث المشبوه على مقاليد السلطة عام 1968، فأفرزت هذه السيطرة جلاوزة للفكر القومي، فاقوا في إجرامهم جرائم النازية، وفاق طاغية العراق و يزيد العصر، هتلر في شهرته وتدمير بلاده، مع الفارق الكبير بين دكتاتورين، دكتاتور دفع به جنون العظمة إلى أن تكون ألمانيا و شعبها أسيادا للعالم في شعاره المعروف " ألمانيا فوق الجميع" ودكتاتور دفعه الجنون إلى احراق العراق و تدميره و قتل شعبه و دفنه في مقابر جماعية. ولم يشهد العراق في حياته السياسية إستهانة بالإنسان و أبسط المقومات الطبيعية لحياته، ولم يشهد العراق إطلاقا هدرا لدماء الشعب العراقي، واستهتارا بحقوقه كما شهدها شعبنا الصابر الصامد منذ عام 1968 وحتى زوال هذا الكابوس الرهيب عام 2003. ولم يخطر في ذهن أحد علىالاطلاق تلك النوايا الخبيثة، والاساليب الهمجية، والخطط الاجرامية التي وضعها يزيد العصر وأتباعه لمرحلة ما بعد زواله و إنهياره.
قتل للانفس البريئة بالجملة، وسفك للدماء يفوق حد التصور، وتدمير لاقتصاد العراق لايقوم به إلا عملاء محترفين، وحرمان المواطن العراقي مما تبقى له من نزر يسير للتشبث بالحياة، وإصرار على قتل نزعة الابتكار و الابداع التي تعتبر احدى السمات الرئيسية لشخصية الفرد العراقي، و إبقاءه على الدوام مضطربا، خائفا، مترددا، لايفكر إلا في كيفية حماية نفسه، والحصول على قوته البسيط بأي شكل من الاشكال، وتخليه عن حقوقه الطبيعية في أن يعيش عيشا مرفها رغيدا إسوة بشعوب الدنيا في وقت يمتلك فيه العراق من الامكانات و الخيرات و الطاقات ما يجعل شعبه من أكثر شعوب العالم رفاهية و تقدما و إزدهارا لو توفر له من يمارس عمله في موقع مسؤولية الدولة بضمير نقي، ووطنية مخلصة صادقة، ونزاهة شريفة، و خوف من عقاب الله سبحانه، سواء أكان ذلك على مستوى الحاكم أو المحكوم.
إن الاحداث المريرة و المأساوية، ومسلسل القتل و الدماء و خنق الحياة بكل أبعادها التي يمر بها الان شعب العراق، و الاساليب البربرية و الهمجية التي يمارسها محترفوا الارهاب و الابادة من فلول النظام الصدامي المنهار، و السلفيين من القاعدة الوهابية عملاء الموساد و الماسونية تلزم العراقيين الشرفاء كافة التحلي بالصبر، وهم يضيفون لصبرهم الذي لم يصبره شعب من شعوب العالم، صبرا من نوع جديد و فريد، وأن تتوحد الكلمة و الموقف، و تتضامر الجهود في وقفة شجاعة لمواجهة هذا المخطط الاجرامي الجديد و أن نعمل بجد و إخلاص لانجاح قانون السلامة الوطنية الذي يمثل الان أكثر من ضرورة وطنية، لحماية العراق و أمنه، وتحقيق سلامة العراقيين، وحمايتهم من أخطار هذا السرطان الجديد.

من هم أعداء العراق:

إن المتتبع لاحداث العراق يدرك وبشكل واضح من هم الاعداء الحقيقيون للعراق الجديد، فأزلام النظام المقبور على رأس القائمة، فهؤلاء يعد أن سحب بساط البذخ والترف و السلطة و التحكم بمقدرات الناس، و استهتارهم بقيم الشعب و مقدرات العراق، كان من الطبيعي أن يلجأوا إلى هذا السلوك الاجرامي، خاصة و أن يزيدهم الملعون على مر الازمنة و العصور ترك لهم و سلمهم قبل فراره أسلحة ومعدات بلد بالكامل. و أن تركز هذه الفلول في مناطق معروفة من العراق لم يكن أمرا غريبا، لان هذه المناطق كانت هي المتحكمة و المتسلطة على رقاب و مقدرات العراقيين دون منازع، في حين مناطق العراق الاخرى، و خاصة المناطق الشيعية كان نصيبها التخلف و الحرمان و البؤس و الشقاء و كان نصيب أبنائها القتل و التشريد و السجن و التعذيب و المقابر الجماعية. و يبدو لي إن لم أكن مخطئا، أن تخطيطا و تنسيقا دقيقين جرى بين يزيد العصر و السرطان الجديد الذي أدخله للعراق و المتمثل بفلول القاعدة الوهابية السلفية، هذا التنسيق جرى منذ أن أعلنت الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا صدامها شخصا غير مرغوب فيه و يجب الاطاحة به، منذ ذلك الوقت فتح يزيد العصر ابواب العراق على مصراعيها لدخول فلول القاعدة الوهابية السلفية فدنست باقدامها القذرة أرض الرافدين، وإتخذت من مناطق تكريت و الرمادي و الموصل و سامراء قواعد لها، محمية من قبل أزلام النظام المقبور في هذه المناطق ومقدمين لهم الدعم و الارشاد و المعلومات و السلاح و العتاد و الحماية الكاملة. ووجد العدو الثالث للعراق ممثلا في عدد من دول الجوار، و الاقطار العربية فرصته الثمينة لتدمير العراق و إلحاق الاذى بشعبه، تدفعهم إلى ذلك أحقاد الطائفية المقيتة، حيث يمثل شيعة العراق غالبية سكانه، وأنهم لاول مرة في حياتهم يبدأون بعملية حقيقية للتفاعل مع الحياة إسوة بكل شعوب الدنيا السائرة في فلك الحضارة و التقدم. ولم يكن غريبا أن نرى بأن حصاد الارهاب الجديد في العراق معظمه إن لم يكن جميعه من شيعة العراق، سواء على صعيد المسؤولين الجدد ام على صعيد المواطن العادي، وهنا نحذر من وجود مخطط رهيب لتصفية الشيعة في العراق و أحداث التغيير الجغرافي و السكاني في مناطقهم.
وإذا نظرنا الى تاريخ العلاقات العراقية مع عدد من دول الجوار و الاقطار العربية نجد و بشكل واضح عدم الرغبة في أن يصل العراق الى مستوى متقدم و مزدهر خاصة و إنه يمتلك كل المقومات التي تجعل منه العراق النموذج و الجديد في المنطقة. وليس مستغربا وجود الغيرة لعدد من الدول العربية في أن العراق كان سباقا حضاريا و أنه مؤهل لمركز الصدارة في المنطقة، و لذلك لم يتوقف عملها منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 في أن يبقى العراق بلدا لا ينعم بالاستقرار السياسي و الامان الحياتي. و خلف هؤلاء تقف قوى أجنبية مستفيدة و محركة لقوى عراقية محلية لا يهمها وحدة العراق و سلامة أراضيه فأتخذت منها أدوات فاعلة في العمل على إستغلال فرصة التغيير في العراق لتعمل على المساهمة خفية في إشاعة الفوضى و عدم الاستقرار و التهديد بلغة السلاح مستفيدة من إنشغال العراق الجديد في مجابهة أعداءه على عدة جهات دون أن تأخذ من تجارب تاريخ هذه المنطقة دروساً و عبر. و أخيراً و ليس آخراً يقف الكيان الصهيوني و عملاءه القدامى و الجدد مستفيداً من سمفونية الفوضى و الاضطراب في أرض الرافدين.

كيف تواجه الحكومة الجديدة الارهاب الجديد:

على الحكومة الجديدة أن تدرك بأن شعب العراق يفهم و يدرك أيضاً إدراكاً كاملاً أن إتخاذ الاجراءات الصارمة بحق الارهابيين، و استعمال لغة العزم و الحسم لن يعطل إطلاقاً المسيرة الديمقراطية الجديدة، بل العكس ستكون هذه الاجراءات و منها قانون السلامة الوطنية دافعاً أساسياً لتحقيق الامن و الامان، حلم شعبنا المفقود منذ أن تبوء يزيد العصر عرش الطغيان و الاستبداد، و دافعاً أساسياً لتطبيق الشعب العراقي مسيرته الديمقراطية كاملة و بشكل صحيح، فإنتهاء الارهاب على أرض الرافدين من العوامل الاساسية و المهمة لظهور العراق الجديد، و بقاء الارهاب و استمراره لاسامح الله، دمار أكيد للعراق و العراقيين، ولذلك يجب على الحكومة الجديدة عدم التسامح إطلاقاً مع الجريمة و المجرمين و الارهاب و الارهابيين أياً كانوا و تنظيف أرض العراق الطاهرة من المخدرات و التهريب و التزوير و الفساد و الخطف، و الاحتيال و الاعتداء على أعراض الناس و كل ما يساعد أو يؤدي الى خلق المناخ الملائم لارتكاب الجريمة الاجتماعية و السياسية.
إن المواطن العراقي يريد أن يأكل جيداً و يلبس جيداً و يسكن جيداً و يشعر بقيمته الحياتية و الانسانية و يعبر عن رأيه بكامل حريته و يمارس حقوقه الطبيعية قولاً و عملاً ولذلك فان من أكبر الكبائر أن يكون في العراق إنسان فقير عاطل عن العمل و لايعيش حياة مرفهة بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ولذلك يجب على العراقيين و خاصة شيعة العراق مساندة كل الاجراءات التي تقوم بها الحكومة الجديدة في إطار مكافحة الارهاب و الارهابيين، فالشيعة هم المستهدفون أولاً و أخيراً.

إن التصريحات التي تفضل بها السيد حازم الشعلان وزير الدفاع في هذا الصدد، تأتي في الاطار الصحيح، فنحن بلد مسالم، لا نعتدي على أحد، ولكن من يريد محاربة العراق و الاعتداء عليه سننقل فعلاً أعمالهم الاجرامية الى بلدانهم. في هذا الاطار يجب على كل الشعوب و البلدان المتقدمة، مساندة العراق الجديد في مواجهة الارهاب الجديد، و يجب على كل الشرفاء في العالم مساعدة العراق في مسيرته المتطلعة الى عراق حر موحد مستقل متقدم و مزدهر. وعلى شيعة العراق جميعاً الحذر كل الحذر من مخططات القاعدة الوهابية السلفية و مطالبتهم الحكومة الجديدة بالضرب على أيدي هؤلاء المجرمين المتعطشين لمزيد من دماء العراقيين.
حماك الله يا أرض الرافدين و انت ما زلت و لحد الان ترتوين من دماء أبنائك البررة. حماك الله يا شعب العراق الصابر الصامد المجاهد. حماكم الله يا شيعة العراق فكم من الشهداء و الضحايا قدمتم على مذبح الحرية. و ليعلم أعدائكم، أعداء العراق، أن مقصلة الثورة الفرنسية ستعود من جديد لتحسم وجودهم حيثما كانوا. فالى مزابل التاريخ أيها الارهابيون، و إلى نار جهنم خالدون فيها، ولن يتبقى لكم من شئ سوى اللعنة الابدية جيلاً بعد جيل.

تنويه : أتقدم بالشكر و التقدير لشبكة كربلاء للانباء لنشرها مقالي المعنون " الزيباري و ضمانات الكويت" و لكن أثار إستغرابي عدم تخزين الشبكة لمقالي المذكور اسوة بالكتاب الاخرين. أرجوا الانتباه لذلك مع الاشارة أيضاً الى عدم قيام " إيلاف " بنشر مقالي المذكور آنفاً.

أستاذ التاريخ الحديث و المعاصر/ كلية الاداب / جامعة بغداد