اقترنت، ظاهرة الحياة الحزبية في الغرب والدول الديمقراطية عامة، بانبثاق عهد الحريات السياسية واحترام حقوق الإنسان، وجاءت الأحزاب كإحدى اشكال والصيغ لممارسة هذه الحريات والحقوق والمشاركة الشعبية في الحياة العامة، فهي( الأحزاب) تعمل في الدول الديمقراطية، في ظل قوانين ودساتير تشرع وجودها وتحمي نشاطها.أما في سوريا، ومثلها كثير من دول المنطقة، التي لم تدخل عصر الحريات السياسية و الديمقراطية بعد، تعمل الأحزاب في ظل قوانين تمنعها من أن تتنشط وتعاقبها على ممارسة حقوقها السياسية، لهذا بقي نضالها يتمحور حول إحقاق الديمقراطية والمطالبة بالحريات السياسية واحترام حقوق الإنسان.
ومع عودة السلطات السورية إلى التضييق على الأحزاب ومحاصرة نشاط المنظمات الأهلية المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، بعد الهامش النسبي والمحدود الذي عاشته في السنوات الأخيرة، ازداد الحديث في الشارع السوري عن أهمية صدور قانون ديمقراطي خاص بالأحزاب يشرع وجودها ويضمن لها حق العمل والمشاركة الكاملة في الحياة السياسية العامة. لا شك أن التحولات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي حصلت في المجتمع السوري خلال العقود الماضية باتت تتطلب صدور مثل هذا القانون.لكن هل مجرد صدور قانون الأحزاب سيحل أزمة العمل السياسي ومشكلة الحريات والديمقراطية في سورية؟.بكل بساطة الجواب هو: لا، إذ لا يمكن للقوانين وحدها أن تجلب الديمقراطية لأي مجتمع.من دون شك يعد غياب قانون الأحزاب من أهم مظاهر التخلف السياسي والتأخر الديمقراطي في المجتمع، لكن من الخطأ أن نعتبر غياب هذا القانون سبباً لانعدام الحريات السياسية والديمقراطية في سوريا.هناك شرطان أساسيان للوصول إلى الديمقراطية، الأول: وجود تواصل وثيق ومزدوج الاتجاه بين الحاكم والمحكوم،الثاني: خضوع الدولة لسلطة(مؤسسات المجتمع المدني). أرى أن الشرطان غير محققان في سوريا، فالتواصل هو باتجاه واحد فقط، من الحاكم الى المحكوم، كما أن هناك هيمنة شبه كلية من قبل الدولة(السلطة السياسية والأمنية)على المجتمع. لهذا من الخطأ المراهنة في حل مشكلة الديمقراطية في سورية على صدور قانون خاص بالأحزاب،خاصة إذا ما تمت ولادة هذا القانون في ظل موازين القوى السياسية الحالية،التي هي في صالح حزب البعث،وابعاد المعارضة،الضعيفة، عن المشاركة في وضع هذا القانون،إذ لا بد من أن يعاني القانون المنتظر، في هكذا أوضاع،من تشوهات،سياسية وقانونية وحقوقية، وسيكون هذا القانون مفصلاً على مقاس حزب البعث وبما يضمن استمراره في الحكم وقيادته للدولة والمجتمع.
ولا يخفي الكثيرين في سوريا خشيتهم من صدور (قانون الأحزاب)،على شاكلة(قانون المطبوعات)،الذي صدر قبل أكثر من سنتين،وقد سماه البعض بـ(قانون العقوبات)،وتمنوا عدم صدوره، لما تتضمنه من قيود وشروط تعجيزية على الطبع والنشر والتوزيع.ويزداد التشكيك بجدوى (قانون الأحزاب) بعد أن رجحت بعض المصادر أن القانون المنتظر لن يرخص لأحزاب تقوم على أسس دينية أو أثنية(قومية) كالأحزاب الاسلامية والكردية والآشورية والأرمنية وغيرها،بحجة أن هذه الأحزاب هي فئوية طائفية، منغلقة على ذاتها، مضرة بالوحدة الوطنية. فيما يتعلق بهذه النقطة، حقيقة نرى بأن أحزاب الأقليات أكثر موضوعية وواقعية من الأحزاب العربية.لا جدال على أن أبواب حزب البعث، وبقية الأحزاب العربية، مفتوحة لكل السوريين، بكل طيفهم الاجتماعي والثقافي والديني دون استثناء، لكن من شروط الانتساب الى هذه الأحزاب أن يعلن المتقدم انتمائه للعروبة، ويؤمن بالأهداف القومية للأحزاب العربية والعمل من أجل تحقيقها، أي على غير العربي أن يتنكر لقوميته حتى يقبل في صفوف هذه الأحزاب،ويبقى التشكيك قائماً بوطنية كل من لا يقبل بالعروبة هوية وانتماءاً وثقافة،ألا يعني كل هذا بأن الأحزاب العربية هي أحزاب متعصبة قومياً، لا مكان لغير العرب فيها.
أما بالنسبة لأحزاب القوميات الغير عربية(آشورية، كردية)، المتهمة بالتعصب الإثني، هي تحترم وتقبل ظاهرة التنوع والاختلاف القومي والثقافي في اطار الهوية الوطنية السورية الواحدة. قد تبدو أحزاب الأقليات منغلقة على ذاتها وانعزالية، لكن لهذا الانغلاق أسبابه ومبرراته، في مقدمه هذه الأسباب،عامل الخوف المركب، من السلطة التي تحظر نشاطها ومن الأغلبية العربية التي ترفض القبول بها كمجموعة ثقافية وقومية متميزة عنها، ولهذا تجد الأقليات صعوبة في اندماجها السياسي والاجتماعي والثقافي بالوسط العربي ، لكن بالمقابل، من السهل جداً أن تتعايش مع الأغلبية العربية، إذا ما تساوت معها في كامل حقوق المواطنة، ويزداد انفتاح أحزاب الأقليات على المجتمع بقدر ما يوفره لها من ديمقراطية وحريات سياسية وحقوق قومية،وبقدر ما يقدمه من ضمانات ضرورية، تنهي حالة الاستبداد القومي التي يمارسها حزب البعث بحق القوميات الغير عربية، وتزيل أسباب الخوف والقلق على خصوصيتها الثقافية.
لذلك من المهم جداً أن يستند، قانون الأحزاب في سوريا، إلى مفاهيم صحيحة للوطنية والديمقراطية وينطلق من مبدأ الشراكة الحقيقية في الوطن وقيم العيش المشترك بين الأغلبية والأقليات، وبحيث ينهي احتكار السلطة من قبل حزب البعث باسم الشرعية الثورية. وأن يبعث، هذا القانون،الأمل في نفوس جميع السوريين ومنحهم الفرصة في المشاركة السياسية وفي تداول السلطة في البلاد.أن الديمقراطية قطعاً لا تعني أن تحكم الأغلبية وتهمش الأقلية، أياً تكن الأغلبية أو الأقلية، قومية سياسية دينية، خاصة في ظل غياب الوعي الديمقراطي والوطني الصحيح في المجتمع، إذ يجب أن تضمن الديمقراطية حق الأقلية بالتمثيل السياسي والمشاركة في الحكم،من خلال دستور ونظام انتخابات يكفل أو يضمن هذا الحق.


الكاتب آشوري سوري مهتم بحقوق الأقليات
[email protected]