لكل عصر رجاله الذين يستحقونه ويستحقهم فعصر صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز وغيرهم من الكبار أصحاب الشيم في جميع الميادين عسكريا وسياسيا وفكريا واجتماعيا يبدو أنه قد ولى في زمننا العربي المعاصر ولم يبق لنا سوى الأقزام المتهافتين على موائد الغير والمرتبطين به ينفذون أوامره دون مناقشة ويسبحون بحمده ليل نهار ومن هنا فهذا زمن الهزائم والانكسارات في جميع الميادين وعلى جميع الأصعدة في عالمنا العربي الذي لم يجن منذ أكثر من قرن من الزمان سوى مزيدا من الانهيار والتشتت والانقسامات وعاش تابعا سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا ومن هنا فهذا زمن محمد دحلان ومن على شاكلته من الطامحين في المجد المزيف ولو على جسد الوطن والمواطنين التعساء الذين يعانون ويلات الاحتلال وذله.
ففي الوقت الذي كللت فيه محكمة العدل الدولية بحكم تاريخي يزين صدورنا جميعا بعدم شرعية جدار الفصل العنصري الذي بناة النازيون الجدد في دولة الكيان الصهيوني تحت رئاسة مجرم الحرب إرييل شارون وعصابته والذي توجه قرار تاريخي مؤيد للحكم من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموافقة 150 دولة بينهم 25 دولة من دول الاتحاد الأوربي ضد 6 دول فقط بينهم دولة الكيان وراعيتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية وامتناع عشرة عن التصويت يطالب بضرورة إزالة الجدار وضرورة تعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم أكبر دليل على أن صوت الحق أعلى وأبقى وأقوى من صوت الباطل ورغم هذا نجد أن هناك فصلا من المأساة الإغريقية التي لا يمكن تصديقها إلا على أنها نوع من الخيال الذي يولده فراغ قاتل لكاتب يعيش بمعزل عن الناس في برج عاج بعيدا عن الواقع الذي يعيشه الناس هذه المأساة تجسدها الصراعات التي تفجرت فجأة على سطح الواقع الفلسطيني المأزوم والذي يعاني من ظلم الاحتلال وبطشه وأثبت المواطن الفلسطيني شجاعة نادرة في الصمود في مواجهة أقوى آلة عسكرية في المنطقة بصبره وجلده وإيمانه بعدالة قضيته نجد القتال الذي تفجر في الشارع الفلسطيني بين رجال الأمن على السلطة وهو ما يوحي بوجود خلل في بنية السلطة نتج عن جمود الحال وعدم إجراء إصلاحات لفترة طويلة كما هو الشأن في معظم بلادنا هذا الصراع الداخلي بين الفلسطينيين دليل على ضعف السلطة الفلسطينية وتآكل دورها ودليل على تغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية العامة وهو بكل أسف خلل منتشر في بلادنا العربية من أقصاها إلى أقصاها وبدلا من الالتئام والتكاتف في مواجهة العدو المتربص بالأرض والعرض والبشر حيث يقتل ويدمر ويهدم ويصادر الأخضر واليابس ضاربا عرض الحائط بالقوانين والشرائع تطل علينا شرور النفس البشرية المفتوحة بلا نهاية تلجمها عن غيها وشرهها واستعدادها للغوص في دم بعضهم بعضا بلا نهاية وكأنهم عقدوا حلفا مدنسا مع الشيطان للصراع الداخلي فيما بينهم حتى أخر فرد فلسطيني دون رادع أو وازع من ضمير أو عقل يلجم الشهوات المستعرة وكأنها جهنم تفتح ذراعيها بلا نهاية للأشرار.
هذا الصراع المحموم الذي بدا في قطاع غزة ثم انتشر لبقية الأرض الفلسطينية والذي حركه في الأساس محمد دحلان حسب تصريحات وتحليلات قادمة من داخل الأراضي الفلسطينية الذي يدبر من زمن طويل للسيطرة على مقاليد الأمور في غزة خصوصا بعد غياب شخصيات لها زن وثقل في القطاع كالشهيدين الشيخ ياسين وتلميذه الدكتور الرنتيسي اللذين استشهدا بصواريخ أطلقها العدو الصهيوني من طائرة على الأول وهو خارج من صلاة الفجر لتحقيق نصر بقتل شيخ قعيد على كرسي متحرك إنها الخسة والعنصرية والحقد في أبشع صورها وعلى سيارة الثاني فاستشهد ومعه عدد من مرافقيه بينهم نجله ومن هنا خلا القطاع لأمثال دحلان من منافس قوي وحقيقي ويبدو أن الطريق أصبح مفتوحا أمام دحلان لما هو أبعد من السيطرة على الأجهزة الأمنية في القطاع فأصبح يطمح لوراثة عرفات ويجد دعما من أطراف عدة كثيرة داخلية وخارجية تغذي طموحه وتنفخ فيه بصورة لا تخفي على أي متابع للشأن الفلسطيني والغريب أنه يعتبر ذلك شرفا له كما صرح لبعض الصحف العربية..وكما كتب هو يؤكد ذلك في الصحف! فأي شرف في نهر الدم المتدفق بين الأشقاء والذي ينذر بنيران تأكل الأخضر واليابس في حياة التعساء..
المؤسف في الأمر أن دراما هذا الصراع الفلسطيني الذي يدور بين رجالها على أرض الواقع في الأراضي الفلسطينية هو صراع بلا معنى ولا مضمون ودليل على شيخوخة أصابت أجهزة السلطة من قمة الرأس حتى أخمص القدمين أعجزتها عن التفكير السليم ورؤية الأمور من قريب أن ما يدور داخل الأراضي الفلسطينية حاليا من صراع على السلطة بين الفلسطينيين أنفسهم وخصوصا بين حركة فتح التي تسيطر على مقاليد السلطة في إدارة الحكم الذاتي الحالية دليل على الخلل الذي يسيطر على كثير من الحكومات العربية التي قامت على أحادية الفكر وترفض التغيير أو لا تؤمن بحكم الزمن الذي يؤكد أن دوام الحال من المحال.
إن اندلاع هذا الصراع والاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين في هذا الوقت بالذات دليل واضح على وجود مؤامرة تشترك فيها عناصر داخلية تغذيها أصابع خارجية تريد للفلسطينيين أن يظلوا في صراع دائم لا يلتقطون فيه أنفاسهم حتى لا يفكروا في إصلاح الخلل وتدارك العورات التي يبدو أنها أصبحت ظاهرة للعيان بصورة دفعت مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أن يكتب تقريرا يؤكد فيه اضمحلال السلطة وتدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بصورة أكدتها الأحداث المتصارعة من أجنحة السلطة التي أعمتها المصالح الشخصية عن التحديات الجسام التي يفرضها واقع مؤلم سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو المنطقة العربية بأسرها واقع يؤكد حاجتنا ليقظة ذاتية ووحدة كاملة داخل كل قطر وعلى مستوى الأمة حتى نستطيع مواجهة الأحداث الجسام المفروضة علينا والتي تتطلب أقصى درجات الحيطة والحذر وفي نفس الوقت تخطي الخلافات الجانبية وتماسك الجبهات الداخلية بدلا من الاحتراب الداخلي والانقسام لفصائل تتصارع على شهوات حقيرة وتافهة وتغفل في نفس الوقت التحديات الجسام التي تهدد مستقبلنا ووجودنا ذاته.
إن كل إدارة السلطة مسئولة عن تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والتي تبعث برسائل سلبية للعالم من حولنا تؤكد مقولة دولة الكيان الصهيوني أنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن أن نتفاوض معه وبالتالي على الرئيس ياسر عرفات حسم هذا الصراع بأسرع وقت ممكن وبتر كل العناصر الفاسدة التي تقف خلفه وتوحيد الأجهزة الأمنية تحت قيادات وطنية مسئولة تقدر طبيعة الموقف وتعلو على الأطماع الشخصية من المتربصين بالشعب الفلسطيني ويريدون أن يتعاونوا مع الشيطان لتحقيق مطامحهم الشخصية.
يجب ضرورة إجراء تعديلات جذرية تمس كل أجهزة السلطة ومشاركة واعية للشارع الفلسطيني في اختيار ممثليه وبتر كل عناصر الفاسد في السلطة التي فاحت رائحتها وطغت على كل أنواع الفساد الموجودة في باقي الدول العربية والتي لا يوجد لها مبرر داخل سلطة محدودة تمثل شعبا محتل يئن من الظلم ويعاني أفراده من البطالة والفقر والتشريد وهدم المنازل ومصادرة الأراضي ويحتاج لقيادة تخفف معاناته بالعمل على تخفيف أعبائه لا بسرقة قوته وإضافة أعباء جديدة ترهق كاهله.
وبلغ الأمر بالصراع لدرجة محاولة تصفية شخصيات نزيهة وشريفة بوزن نبيل عمرو وزير الإعلام السابق في حكومة أبو مازن وهو شخصية وطنية نزيهة معروف عنه صراحته ومساهمته في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية في نقد الخلل في صفوف السلطة لأجل المصلحة العامة وليس من أجل مصلحة شخصية يسعى إليها وهذا دليل على تحزب أعمى بين رجال السلطة ومحاولة بعض عناصر السلطة إسكات الأصوات المطالبة بالإصلاح حتى يظل محتفظا بمكاسبه على حساب القضية الأساسية وهي قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال وللأسف يعاني ويلات السلطة أيضا التي أصبحت عبئا وهما جديدا يذكرهم بقول الشاعر: ولو كان هما واحدا لاحتملته/ ولكنه هم وثان وثالث .
إن الدراما عديمة الجدوى التي تفجرت أخيرا في الشارع الفلسطيني والتي حولت الأنظار عربيا وعالميا عن كفاح شعب مضطهد يعاني من بطش الاحتلال وويلاته إلى متابعة احتراب وصراع داخلي على السلطة هو فصل جديد من فصول العبث والمجون في حياتنا ويعكس عدم قدرة كثير من المسئولين في بلادنا عن رؤية الأحداث وتقدير حقيقي للأوضاع ويكرس حالات المأساة ويؤكد على أننا أمة تسبح ضد التيار وليس لديها رؤية واضحة للأمور وتشغلها سفاسف الأمور وتوافهها عن مواجهة التحديات وكأننا أشبه بالنعامة التي تدس رأسها في التراب خوفا من رصاصة القناص بدلا من مهاجمته ومحاولة صرعه لتخلص نفسها من الموت إن الصراع المتفجر على الأرض الفلسطينية هو دليل عجز ووهن يضاف لأرصدة الفشل المتراكم في حياتنا كعرب نعاني من وجود خلل في التفكير والممارسة نتج عن غياب صوت الجماهير التي تئن من الظلم والإحباط ويضاف إليها في فلسطين الاحتلال والفقر والبطالة وعدم الاستقرار أو الاطمئنان على الغد في ظل احتلال غاشم لايرحم ولا يكل عن تحقيق مشروعه بالتوسع طولا وعرضا بحجم الأرض الفلسطينية كلها وحينئذ لن يجد الفلسطينيون مكانا يتحاربون فيما بينهم عليه ومن أجله أيها المتصارعون على الفتات إن عدوكم المتربص بكم يسعى لاستئصالكم فتنبهوا قبل فوات الآوان لأن العالم أوشك أن يفقد ثقته فيكم كقيادة قادرة على تحقيق أهداف شعب محتل منذ أكثر من نصف قرن وربما يظل إذا استمر هذا الصراع الداخلي فيما بينكم لأكثر من نصف قرن جديد يعاني ويلات سلطة الاحتلال وسلطته الوطنية أيضا.

كاتب مصري /جامعة الإمارات
[email protected]