أهلنا في فلسطين يموتون كل يوم,تـُهدم على رؤوسهم منازلهم,يُحرق ويقلع زرعهم,ويُهـــدر ضرعهم,يُِِحاصرون ويجوعون على مدار الساعة, ونحن مشلولون مـقـهورون لا نستطـيـــع ان نقدم لهم عونا غير الهتافات و المظاهرات والدعوات والفتاوى وحرق الأعلام والتهديد والوعيد. وعلى الرغم من أن العالم كله يعرف عدالة هذه القضية ويعرف مدى الظلم والقهر الواقع على الفلسطينيين إلا انه أيضا لا يقدم ما يفيد, فغوغائيوه يقدمون ما نقدمه نحن من هتافات ومظاهرات,اما الفاعلون فيه فلا يقدمون شيئا,وان قدموا فهو دائما لمصلحة إسرائيل لانهم يرون الواقع من خلال المنظار الإسرائيلي لأنها استطاعت ان تصل إليهم وتجعلهم يرون الواقع,ليس كما هو, ولكن كما تريد هي. أتعرفون لماذا؟ فـقـــط لأننا نواجه عدوا قويا عمل طوال السنين ولم يتكلم وفي الآخر صار قوة فعلية, ونحن تكلمنـا طـول السـنين ولم نعــمـل فـصرنا قوة وهـمية بعاطفة جـياشة وبلا عـقل.هـم غـزوا العالم مـنذ عشرات السـنين وعرفوا كيف يسيطرون على مفاصل القوة فيه من اقتصادية وإعلامية وحتى ثقافية وبالتالي صارت لهم لوبيات يحركون بها العالم في الاتجاه الذي يريدون بكلمة أو إشارة إصبع, على الرغم مـن انـهـم وعلى مسـتوى العالم حـفـنة ملايين. أما نحن, الأكثر من ربـع المليار عربيا والأكثر من المليار وربع المليار إسلاميا (كما نتبجح بذلك ليل نهار,وبمناسـبـة وبدونها)أما نحن فقد تقوقعـنا طول تلك السنين خوفا من العالم وتشكيكا فيه وحذرا منه وركـبنا مـوجة الانعــزالية الأولى (القومية العربية) وكانــت حصانا من خشب توهمنا به صـنـاعة كثير من البطولات منها الحقيقي الذي ضخمناه ونفخنا فيه حتى صار وهما ومنها الوهمي الذي ضربنا عليه حتى صدقناه و قبلته عقولنا المغسولة. دارت السنين وتوالت الهزائم والكوارث لنكتشف خطل ما كنا فيه. لكن بدل أن نتوقف ونراجع كي نتراجع ـ حيث كان ذلك ممكنا ـ بدلا عن ذلك تقهـقرنا مئات السنين عندما ركبنا موجة الانعزالية الثانية, والأخطر, وهي موجة الهوس الديني التي اسماها أصحابها الصحوة الإسلامية. واصحابها الذين اعنيهم هم كل حملة الإسلام السياسي, ومن سار في ذيلهم من المشائخ, وكل الذين يدعون لإقامة دولة دينية دون ان يكلفوا أنفسهم السؤال عن مدى إمكانية إقامة دولة دينية في هذا العصر. هؤلاء الذين طرحوا أنفسهم ليس بديلا للقومية العربية فحسب وانما مخلصا للعالم كله مما يرونه هم فسادا. تسلحوا بهتافية جوفاء لاتقدم حلولا فعلية لأي شئ, ولكن على الرغم من ذلك سادت هتا فيتهم, لا لمنطقيتها أو عقلانيتها ولكن فقط لان الآخرين قد سكتوا. سكت الجميع لأن هؤلاء فرضوا أنفسهم ناطقين باسم الله ولا أحد غيرهم له حق الكلام,وبذا صاروا هم المنظرين والمتحدثين والفاعلين باسمنا وباسم الدين, ولان عقلهم وفكرهم لم, ولن ينتج شيئا فلاغرابة ان تكون هتا فيتهم منتزعة من كتب التاريخ, ذلك التاريخ الذي كتبناه لأنفسنا بلا شاهد ولا رقيب وجعلنا منه سيرا ملائكية لا تتناسب مع طبائع البشر التي يعرفها العقلاء. لذا صرنا,وتحت قيادتهم وهتا فيتهم, نتعامل مع واقع اليوم بعقلية من ماتوا منذ مئات السنين بل ونريد إعادة واقعهم لنفرضه على واقع اليوم,وهذه هي حالة الفصام التي نعيشها الآن. فأدمغتنا التي صنعها لنا هولاء لا تستطيع مجاراة عالم اليوم, ومقدرتنا لا تستطيع إرجاع الحياة إلي عصر الفرس والروم, أمام هذا ليس لنا خيار غير الانتحار والاكتفاء بالجنة وهذا هو ما يفعلونه بنا الآن ولا ادري الى متى سنظل نموت من اجل اجندتهم.

كاتبة من منازلهم

(القاهرة )