إن المسلمين صناع حضارة وأهل خير وعمران قال النبى –ص- كما تذكر كتب السيرة فى النجاشى ما قال وقد كان لا يزال على غير دين الإسلام، وأثنى على حلف الفضول الذى أسسه عبد الله بن حدعان فى الجاهلية وقال "لو دعيت إليه الآن لأجبت" وقد أثنى كذلك على حاتم الطائى وأكرم أهله لكرامته.وقد اعتبر أحد الباحثين المسيحيين "حلف الفضول" فى كتاب له بهذا العنوان أول منظمة لحقوق الإنسان فى العالم (هو الأستاذ جورج جبور أمين مجلس كنائس الشرق الأوسط) كما أن أول مادة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان صاغتها مسلمة إندونيسية من مقولة عمر- رضى الله عنه- منى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" فقال الإعلان فى أول مواد الثلاثين، يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق.
وإن كانت للولايات المتحدة وصنيعتها إسرائيل وسائل ضغطهما على الأمم المتحدة وأعضائها، فكيف يكون لنا مثل ذلك، هذا هو العقل وهذا هو حق "النقل الشريف" ولكن كفوا أيها العجزة أيديكم، فلن يهلكنا إلا جهالنا أصحاب البأس الشديد علينا.ولنعلم جميعا أن هزائمنا بأيدينا لا بيدي عمرو، لذا نرى أن الجهاد المدني داخل المجتمعات المسلمة من أجل إعادة بنائها على أسس الحكم الرشيد والأخلاق الإسلامية الفردية والحضارية السامية أمر له أهميته وضرورته القصوى الآن.كما أن الأمر يستدعي مواجهة الأعمال الانتحارية في هذه المجتمعات، وكذلك ترشيد قوى المقاومة في بؤر الصراع خاصة وأن الغضب سكرة تكاد تغرق الحكمة.قد تكررت بشكل مزعج الهجمات الا نتحارية باسم الإسلام، في المملكة العربية السعودية، مما قد يوحي بتحول جديد تجاهها تحديدا، أو ما قد يتاح لها كما حدث من قبل في الدار البيضاء، أو بالي بأندونيسيا أو غيرها، وهو ما غدا خطرا محيقا يهدد السلم الأهلي في المجتمعات الإسلامية، كما يعطي الذرائع لمزيد من تشويه الإسلام وال ضغط على شعوبه وحكامه.
.وقد بذل علماؤنا الجهد المشكور في تعرية هذا الزيف الفعلي أو الخطابي لدى التفجيريين أو مستثمري هذا الزبف، فأن تتم مثل هذه الشنائع والأخطاء باسم الإسلام أوتحت شعار حماية بيضته وحرمه أو الدفاع عن قضاياه رغم أنها لا يربطها بشرع ولا عقل سبب ؛لأن منطقها مخالف لأصول الشرع في تحريم قتل النفس، وقصة عامر بن الأكوع في الصحيحين حين غلبه سيفه وارتد عليه فقتله وهو يقاتل يهوديا في خيبر، فارتاب الصحابة أشهيد أم منتحر، وهذه الجنة وتلك النار، هذا إذا أردنا فهم الصحابة رضوان الله عليهم ومتابعة السلف الصالح.وهو ماذهب الشيخ الراجحي والشيخ السبيل وشيخ الأزهر، بينما رفضته الأغلبية من العلماء، وهذا راجع للتعاطف والإيمان الشديد بعدالة قضيتنا في القدس والأرض المحتلة، وهو مايؤمن به كل مسلم، ولكن قانون الحرب والمقاومة في الإسلام له مرونته العملية التي تراعي الإمكانيات والنتائج، كما تلتزم آدابه وأخلاقياته دائما..ظني أنه ليس ثمة منطق يمكن أن يبرر به به أحد هذا الفعل المشين نحر الرهينة الأمريكي بول جونسون في 19 يونيو ا2004 أو الرهينة الكوري في العراق-، مما يدل على منطق هؤلاء التفجيريين وإن يسعى البعض لالتماس مبررات لهم من واقع أو تاريخ أو أفعال الآخرين، فهذا الخطل عينه، فهؤلاء لا ينحرون الأجانب المعاهدين فقط، ولكنهم، وغيرهم من قوى المقاومة التي استهلكتها لغة الغضب والانتقام العدمي في فلسطين والعراق، ينحرون باسم "الجهاد"قوانين الجهاد والحرب في الإسلام، وهي أصول متواترة أكدها القرآن حين نهى عن الإسراف في القتل وعدم الاعتداء كما أكدتها السنة الصحيحة حيث النهي عن قتل المدنيين وغير المقاتلين حتى قلع الشجر والزرع، ولعل أخلاق وآداب الحرب في الإسلام كانت حامل دعوته ودافع اعتناقه لدى شعوب البلاد المفتوحة حربا، لأنها التي فرقتهم عن أي غزاة يستحقون المقاومة أبدا، وأكدت أن هذا الدين رحمة للعالمين وليس نحرا لهم أو انتقاما فيهم. انتبه جارودي للإسلام أثناء وجوده في الجزائر من خلال جندي جزائري بسيط رفض إلا أن يلتزم بهذه الآداب الأصول مع من تحت يده رغم أمر قائده له، فما بال هؤلاء وبعض من يلتمسون أعذارا لعملياتهم الانتحارية في أي مكان، بمنطق عدمي من قبيل ماذا يستطيعون غير ذلك، ويقيسون أفعالهم المرفوضة بأفعال الآخرين المرفوضة كذلك، فأين أصول هذا الدين الذين تدعون الدفاع عنه ؟
أقوى هجمة على الإسلام
إن كان تشويه هذا الدين دأب العديد من الصداميين واليمين الديني في الغرب، منذ انتهاء الحرب الباردة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر فإن أقوى حملة جنونية عليه تلك التي مارسها ويمارسها بعض المنتسبين له من التفجيريين لأنها ليست فقط دليلا متفجرا لتشويهه ولكنها أيضا إلغاء وتجاوز لأصوله التي أكد عليها النبي ولم يتركها حتى لاجتهاد الصحابة شأن الخلافة مثلا.إنه تعطيل لرحمة العالمين وخيانة ومخاصمة للنبي الذي صح عنه "من أذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة" فما بالك بالنحر.كما أنه إضرار وأي إضرار بمصالح المسلمين واستقرارهم.ولكن أزمة الفتوى والمفتين في بلادنا عظيمة، وأزمات الأيدولوجيا والسياسة ليست أقل عظمة، من هنا كان فعلنا فاترا ودودنا طويلة خفيفة لا تنتج إصلاحا أو تجديدا وإن رفضنا فرضهما، رغم وعينا بضرورة أي منهما، لا ننتج الممكن بل دائما نصر على المستحيل الذي لا يتحقق إلا بتحقق الممكن، نتحدث عن مواجهة الحملة على العرب والمسلمين في الخارج، رغم عدم القدرة على تصحيح صورة الذات "عيوبنا" أزمتنا الشاملة.
.وما نود أن نناقشه هنا ثلاثة محاور:
أولها: ملامح الفهم السقيم للدين والإضرار الجسيم بالناس لدى الخطاب التفجيري:فالحجاج والجدل حول المرجعية الدينية للإرهابيين التفجيريين، يملأ المشهد الإسلامى والشرعى كل جوانب الصورة فيها، ومن هنا تتأتى ضرورة التصدى لخطاب الإرهابيين المساند لهذه العمليات التى حدثت فى الرياض فى الثامن عشر من نوفمبر 2003 وتوابعها خاصة وما نظنهم إلا من قال النبى- ص- فيما رواه البخارى-فيهم " سيخرج فى آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ".، لأن القرآن لم يجاوز حناجرهم – كما أخبر النبى- عل الله يرزقهم توقير العلم وأهله، وقد قال النبى فيما رواه الطبرانى فى الأوسط "ليس منا من لم يرحم صغير، ولم يوقر كبيرنا، ولم يعرف لعالمنا حقه" بعد أن نزع الشيطان من قلوبهم ورع الخشية من الشبهة وقذف فيهم التعصب وتقديس الذات والرأى.ومن أهم ملامح الخطاب التفجيري اعتماده على الشبهة، لا على الأدلة اليقينية، رغم خطورة هذه المسألة، فضلا عن تجاهل النتائج والاتكاء فقط على مبرراته الرد فعلية.
ثانيها: ازدواجبة المعاببر في الموقف الفقهي
1- الشيخ القرضاوي وازدواجية المعايير الفقهية:
نبدأ توضيح هذه الازدواجية في المعايير الفقهية بهذين النوذحين لاثنين من كبار فقهاء الإسلام المعاصرين، وإن ظل هذا الموقف الموقف الغالب حتى الآن:
-الشيخ القرضاوي وازدواجية المعايي تجاه تحديد الاستشهاد والانتحار: المصدر: الجزيرة " برنامج الشريعة والحياة:27-3-2003.
1-العنف والإرهاب عند القرضاوي:يقول: العنف هو أن تستخدم القوة المادية مع المخالفين حيث يمكن أن تستخدم القوة والإقناع والدعوة. -أما الإرهاب فهو ن تستعمل القوة والعنف في من ليس بينك وبينه مشكلة، وإنما تريد أن ترهب به آخرين هذا هو الإرهاب.وضرب أمثلة من ( أحداث جماعة أبو سياف – أحداث بالي –الأقصر.
2-فرق بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعمليات الاستشهادية في فلسطين: يقول الشيخ:هناك فرق في الهدف وفرق في الوسيلة:فهؤلاء يدافعون عن أوطانهم ضد الغاصب المحتل، هذا الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. 5-هل ثمة فرق بين أمريكاوإسرائيل:(في هذه النقطة يتضح المنطق الانتقائي للشيخ ): سئل الشيخ هل أمريكا دولة ذمية حتى تستثنى التفجيرات فيها بأنها أعمال تفجيرية ؟ فيرد الشيخ بمنطق تبريري أنه ثمة "فقه الموازنات "بمعنى الموازنة بين المصالح وبين المفاسد كل بعضها وبعض، وهناك فقه يسمى فقه المآلات أى النتائج وفقها يسمى فقه االأولويات، ويستشهد الشيخ بعدم قتل عبدالله بن أبي بينما هدمت طالبان تماثيل بوذا المعبود في اليابان. لذا يرى الشيخ أن العمليات الاستشهادية في أفضل أنواع الجهاد: ويرد الشيخ على شبهات المعارضين بأن الهدف مختلف تمامًا بين (الاستشهادي) وبين (المنتحر)، وأن الاستشهاديين لا يتعمدون قتل الأطفال، ولا يقصدون ذلك أصلاً، ولكن هذا يأتي تبعًا، وبحكم الضرورة التي لا يمكن تخطيها. وأن هذه العمليات هي "رد" على اعتداء إسرائيل، وأن العدوان "طبيعة" في إسرائيل، وما كان بالذات لا يتخلف، وبأننا لا ينبغي أن نضخم في أثر الضربات الإسرائيلية على الفلسطينيين، ونغفل آثار الضربات الاستشهادية في كيان بني صهيون. ومما لا شك فيه -كما يقول القرضاوي-: أن أفضل أنواع الجهاد في عصرنا، وأولاها بالمشروعية والفضل: الجهاد لتحرير فلسطين. ومن البَيِّن أن قدرات الشعب الفلسطيني لا تستطيع قهر العدو الإسرائيلي فانتقل واجب الجهاد العيني إلى جيرانهم وأشقائهم من العرب، ومع عجزهم انتقل واجب الجهاد العيني إلى المسلمين كافة في أنحاء العالم، وهذا واجب المسلمين تجاه أي جزء من أرض الإسلام يحتله عدو غاز كافر.
ويتابع القرضاوي: فإذا تقاعست الحكومات عن هذا الواجب المقدس، فعلى الشعوب والجماهير المسلمة أن تضغط على حكامها بكل ما تستطيع، أمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، بواسطة العلماء والدعاة والمفكرين، ورجال الصحافة والإعلام، وأهل الرأي والحكمة، وكل من يمكنه أن يقول كلمة حق، حتى تستجيب لهم الحكومات في النهاية.
العمليات الاستشهادية.. أعلى أنواع الجهاد
أما العمليات الاستشهادية التي تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية لمقاومة الاحتلال الصهيوني، فهي لا تدخل في دائرة الإرهاب المجرّم والمحظور بحال من الأحوال، وإن كان من ضحاياها بعض المدنيين، وذلك لعدة أسباب يمكن تلخصيها من كلام الشيخ القرضاوي في الآتي: - المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري لحمًا ودمًا. - المجتمع الإسرائيلي (مجتمع غزاة) قدموا من خارج المنطقة. - هؤلاء هم الذين يسميهم الفقهاء (الحربيين)، ولهم في الفقه أحكامهم الخاصة بهم.
- إذا جاز قتل المسلمين الأبرياء المكرَهين -في حال تترس العدو بهم- للحفاظ على جماعة المسلمين الكبرى، فأن يجوز قتل غير المسلمين، لتحرير أرض المسلمين من محتليها الظالمين: أحق وأولى.
- الحرب المعاصرة تجند المجتمع كله- تلك العمليات هي ضرورة ماسة وقاهرة.وهكذا يؤسس الشيخ لهذا التفريق بمنطق عقلي لا ديني، وهو ما يستدعي وقفة خاصة وأن الأمر يتعلق بصورة الإسلام وأصوله، يرفض هنا ويقبل هناك مما جعل الشيخ الجليل وهو أحد رواد الوسطية متورطا كذلك في ازدواجية المعايير التي يرفضها ونرفضها معه. وهو أمر نجده لدى الأغلبية من المفتين الذين جذبتهم السياسة والمواقف ولا يسستثنى عنه سوى بعض قليل من المستقلين أو الباحثين عن الموقف الصحيح بعيدا عن أي مؤثرات تاريخية.
-الشيخ كفتارو مفتي سوريا: يصر الشيخ كفتارو في أغلب أحاديثه المذاعة أو المنشورة على موقعه على النت على وصف العمليات التفجيرية في الأرض المحتلة، في فلسطين بانها أفضل أنواع الجهاد المعاصر، ولكن حين تعرضت سوريا لأعمال تفجيرية من هذا النوع ووفق نفس المنطق أصدر بيانا بتاريخ 24-4-2004 مما يقول فيه:
إن المطلوب من أبناء شعبنا في هذه المرحلة هو قدر كبير من الوعي وسلامة الفكر والالتفاف حول قيادته في تعاون وانسجام تامين للوقوف صفاً واحداً في وجه أي مشروع أو عمل يريد النيل من أمن بلادنا واستقرارها ووحدتنا الوطنية لتبقى سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد ملاذاً للآمنين وموئلاً للأحرار وملجأً لكل من أراد الأمن والأمان والسلم والسلام.
فقد لوحظ على كثير من الردود الفقهية على مثل الأعمال –رغم رفضها –حضور الانتقاء والتفريق بين حوادث بعبنها وأخرى، كالتفريق بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو أحداث مدريد أوفي البلاد الإسلامية بوصفها انتحارية أو إرهاببة، بينما سواها في بؤر الصراع في فلسطين والعراق عمليات استشهادية، رغم التزام نفس المنطق ومخالفة الآداب الإسلامية في الحرب (استثناء المدنيين وغير المقاتلين) هذه الأخلاق الداعية ‘ " يذكر أن كتيبة صليبية انضمت لجيش صلاح الدين لما رأت من أخلاقه وعدله " ومن أراد الدين في هذه المسألة فليرجع لوصايا النبي والخلفاء لقواد جيوشهم. أما غير ذلك فمردود على أصحابه ليسموه سياسة أو يأسا أو انتقاما.فالإسلام مرحمة قبل أن يكون ملحمة.
من الطبيعي بل من الواجب مقاومة المحتل والغاصب ولكن ليس بالعواطف المتفجرة، بل بالعلم والإعداد المستطاع والتزام روح الإسلام طوال مسارها، من هنا يقع على عاتق مثقفيتا ونخبنا إبداع آليات جديدة لمواجهة التحديات المطروحة وفق إمكاناتنا في هذا العالم المصمت الذي تسيطر عليه لغة القوة والهيمنة والمصالح لا لغة الحقوق، لذا نوافق على ماطرحه الأستاذ خالص جلبي والدكتور أحمد عبد الله من "الجهاد المدني "، كما نؤكد على ضرورة المقاومة المسلحة في فلسطين والعراق ماظل الاحتلال جاثما فوق الحقوق المغتصبة ولا تنجز معه شرعة دولية أو قرارات مجلس الأمن، ولكن مع التزام الآداب الإسلامية في القتال، فلا يقتل إلا المقاتل والمعين على الاحتلال، ولا يقتل المدني وغير المقاتل قتلا عدميا فوضويا فقد أمرنا الإسلام بالتمييز بينهم دائما، وقد أمرنا باحترام معتقداتهم ومعابدهم، يذكر الشيخ أبوزهرة في كتابه المعروف " العلاقات الدولية في الإسلام "أن عمر رضي الله عنه أثناء سفره لاستلام مفاتيح بيت المقدس شاهد هيكلا يهوديا قد علاه التراب فأخذ يزيله عنه فتعجب الصحابة، فقال لهم هكذا أمرنا باحترام أديان الآخرين، وقد نهانا الله عن الإسراف في القتل وعدم الاعتداء.
ثالثا: في مقولات الخطاب التفجيري
1): المنطق الفقهى وموضع الضرورة:
قال النبى –ص- فى صفة الخوارج" يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم" (رواه البخارى) "وقد قال الإمام البخارى: كان ابن عمر – رضى الله عنهما- يرى فى الخوارج شرار خلق الله قال:" إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين". وهذا سوء الفهم بعينه. فموضوع الاستعانة بالكفار خاضع لمنطق الضرورة، ولم يقيده النبى –ص- فى سيرته حين استعان بالكفار على حرب الكفار والمشركين، سواء حين استعان بـ"قرمان" يوم أحد، واشتراط كونهم أفراداً وليس جماعات تقييد لا محل لإثبات أصالته، فكم حدث أن ساعد أهل البلاد فاتحيها لبأسهم من الظالم المحتل الغشوم، حدث هذا فى مصر حين فتح عمرو بن العاص – رضى الله عنه- لها وهو معروف مشهور، وقد قال النبى –ص- فى شأن قزمان حين قتل ثلاثة من بنى عبد الدار كانو حملة لواء المشركين، إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر. وقد سبق أن وقفت قبيلة خزاعة مع النبى –ص- ضد المشركين حين فتح مكة، وقد استعان عمر بن الخطاب بخبرة الهرمزان فى حرب الفرس والروم. وقد أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز بجوار الاستعانة بهم فى حرب الخليج سنة 1990 والصواب فى كل هذه الإحالات أنه خاضع لمنطق الضرورة وهو ما ثبته فعل النبى –ص- وفعله صحابته وخلفائه وقواده- رضى الله عنهم أجمعين. أما الاشتراطات أو المنع مطلقاً كما صنع الإمام الشوكانى وغيره فغير ذى سند من نقل، ولكنه فهم ظاهرى لأيات الولاء والبراء، كما يقول خطاب هؤلاء فى فهمه قوله تعالى( لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا على الكفر والإيمان ( سورة التوبة ) وهذا أمر مفهوم بأن المحبة والمناصرة لاتنفى التزام الأدب والتعامل الجاد والإنسانى "وصاحبهما فى الدنيا معروفا" أو قوله تعالى "وقولوا للناس حسنا" وليست آراء أئمتنا – كالشوكانى وغيره- ورغم اعتراف هؤلاء ثبات هذا المنطق "الضرورة" إلا أنه لم تكن ثمة ضرورة لذلك فى الحال الحاضر.. كيف هذا وكل بلاد الخليج ودوله وشرعيته مما فيها أرض الرسالة الحرمين كانت معرضة لغزو صدام وجهله "الذى احل قومه دار البوار" وظل ذلك حتى سقوطه.
- إن ما حدث فى مجئ التحالف إلى أرض الخليج والسعودية سنة 1990 لم تكن استعانة بالكفار، ولكنها كانت أشبه بالإجارة والاستجارة.. ماذا تصنع إن بغى عليك أخوك –شقيقك- وأراد مالك وأرضك وعرضك وقد يكون قادراً عليك اتتركه، وإذا دعيت أنت لنصرة مظلوم كافر على ظالم كافر فاجر أتتركه وتعتزل.. ليس هذا من الدن ولا من العقل أو الأخلاق.
أما هؤلاء فيقولون فى كتاباتهم المنشورة على شبكة الإنترنت بتاريخ 25/12/2003 أننا لم نشرف على الهلاك. أى استعانته تصح حتى الهلاك (أى خطل هذا ؟!) ويقولون إن الرسول –ص- هم بدفع المال إلى قبيلة عطفان حتى يدفع شوكة الكافرين ولكن الصحابة أبوا ذلك.. وهل إجازة الرسول – ذلك – ليست إجازة لنا. ولكن موقف دول الخليج كان أصعب وأحلك فالعدو جائر قريب (لم يعرف العالم ديكتاتوراً غشوماً مثله ربمامثل هتلر ونيرون وقد فعل أفعالهما) فمن الجهلاء البلهاء الجبناء أيها الكاتب الخفاش والمجاهد فى الخفاء وهذا الشرع والشرعية (ويبقى سؤال لهؤلاء هل كان ينبغى على أمثال الشعب البوسنى ألا يطلب معونة حلف الأطلنى والولايات المتحدة فى حرب الصرب. حتى يهلك ويفنى، وكان العدو مصراً على استئصال هوياته، بل لماذا هللنا وسعدنا بما فعله "الكفار" فى نصرة مسلمى البوسنة ثم نقاتل إخواننا المسلمين حين استجاروا بالكافرين للرد عن أعراضهم وأراضيهم وإذا كان ثمة اختلاف فى تفسير مدى الضرورة مع أمثال هؤلاء هل ثمة وجه لصحة ما صنعوه من قتل المدنيين من إخواننا والمدنيين العزلالمعاهدين. ألا ساءت أسباب أرحامنا إليهم (تبرأت قبيلة الإرهابي الأردني أبي مصعب الزرقاني منه مؤخرا ) ألا ساءت عقولهم. إنما يكون القتال لأهل الممانعة الواضحة والقتال الصريح وليس الجهاد خارج الشرعية السياسية الإسلامية "الدولة الإسلامية" فى حالتنا وليس فعل خفافيش كما يقول مثلنا المصرى الشعبى "اضرب واجرى يا حرامى"
2): فقه الواقع وفقه السياسة:
السياسة فى أبسط تعاريفها فن الممكن، الذى يستند إلى علم الاستراتيجية الذي ذاع منذ منتصف السبعينيات وانتشرت مراكز دراساته فى مختلف أنحاء العالم العربى والإسلامى، وهو يعنى فى أشهر تعاريفه: "دراسة الجوانب السياسية الدولية التى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بظاهرة الحرب" وهى بذلك تركز أساساً على موضوعات الصراع واستخدام الوسائل المختلفة لتحقيق الأمن القومى، وهى تهدف في عالمنا العربي إلى تجاوز لغة الأحلام والتفكير العاطفي والسحري خاصة، وأننا أمة بيان ولغة عنترية "عنترة فى الجاهلية وصدام وبن لادن فى العصر الحديث) قد نحيد العلم والتاريخ والظروف الموضوعية عن أحكامنا ورؤانا فى أحيان كثيرة، ما كان أعظم شيخ الإسلام أبن تيمية حين ذكر فى شروط الفتيا أنه لا يحل لجاهل بأمر الدنيا عالم بأمر الدين أن يفتى فى الدين، ولا لعالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الدين أن يفتى فى الدين. والخطاب التفجيري –مثلاً- لا يرى غضاضة فى حلم صدام الساقط بتوحيد الأمة العربية (طبعاً تحت لوائه) أو تهليلهم لما يسمى "الخسائر الأمريكية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر" رغم أن كل الباحثين يؤكدون أن ما يظن خسائر قد استحال أدوات جديدة وقوى مضافة إلى قوتها بعد الأحداث، وليس لغرور الإسرائيلي الشارونى فى الأرض المحتلة وسقوط بغداد إلا بعض نتائج ذلك.
3)-المعاهدة لا تعنى الموالاة:
يقول هؤلاء ( أما عدم جواز أن يستعان بالكفار فى القتال بوصفهم دولة مستقلة، أو ما هو فى حكم الدولة المستقلة كالقبيلة والجماعة الممتنعة والمدينة ذات السيادة والمنعة ونحو ذك، مظاهر من أن ذلك يستلزم، ويقتضى ضرورة، موالاة (الكفار، بل توليهم وهو محرم تحريماً أبدياً قاطعاً ).
وفى هذا خلط عظيم لأن الدول الإسلامية، عاهدت ولم توال، وهذا تأويل بشع لتشريع فعل بشع، فالرسول –ص- لم يقل- وحاشا أن نتقول عليه- إن الاستعانة بدولة غير مسلمة حرام حرمة أبدية "وأين التعاهد والحديث عن العهد فى كتب الفقة والفكر السياسي الإسلامي، وتقسيم البلاد إلى دار إسلام ودار عهد ودار حرب" إنها الذهنية الأحادية وخطاب التمويه والمزايدة الذى يسئ إلى النص والفعل، ولا يجلب سوى المضار.وقد تحدث وذكر الطبري والسيوطي عن استعانة الصحابة بملك أرمينيا عام 22من الهجرة.
ويعقب هؤلاء أن مثل هذه الموالاة- التى افترضوها- "جريمة نكراء وكبيرة من كبائر الذنوب "وإنها سمة المنافقين الذين قال الله فيهم:( بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) وغيرها من الآيات. وهذا المثل عينه، فلو فرضنا أن المعاهدين منافقون، فهل أجاز النبى –ص- قتل المنافقين، وهو الذى رفض قتل رأسهم وسيدهم عبد الله بن أبى بن سلول وقال: ما كان يقال إن محمداً يقتل أصحابه ولو أمر أصغر الصحابة لقتله، ولم يجب عمر- رضي الله عنه - الذي طلب ولا غيره. فمن المنظور العقلى ومواقف الحكومات العربية والمسلمة – فى معظمها- تنفصل عن السياسة الأمريكية فى عديد من القضايا الجوهرية، وأولها القضية الفلسطينية أو غيرها من قضايا.

كاتب وباحث مصري