يجتمع رئيس جمهورية الموت بأعضاء الوزارة ورجال الدين الرسميين والمستشارين يقول لهم :

السادة أعضاء الحكومة كما تعلمون أن فلسفة جمهوريتنا تقوم على عنصر الدين ليس كمشرع لحق الإنسان في العدالة والمساواة والحرية وإنما كوسيلة " ميكافيلية " تبررها الغاية في التسلط.

فلتكن لغتنا واحدة كلما خاطب أي منا الجمهور انطلاقا من تلك الفلسفة التي ينبثق منها فكر الجمهورية.. واللبيب بالإشارة يفهم.

ثم استدار الرئيس على كرسيه استدارة كاملة تتسم بالغرور وخاطب الجميع قائلا : غدا أريد من كل واحد منكم أن يحضر لي خطته بناء على ما يتوافق وفلسفة الجمهورية.

وفي اليوم التالي حضر الجميع وبدأ كل منهم يقرأ أمام رئيس جمهورية الموت خطته كل حسب اختصاصه ووزارته.

ثم تقدم وزير التعليم أمام رئيس الجمهورية ليقرأ خطته وقال :

السيد الرئيس : كما يعلم سيادتكم إن فكر جمهوريتنا يعتمد على نظرية " الغاية تبرر الوسيلة " وانطلاقا من هذا المبدأ رسمنا خطتنا التعليمية، مما حدا بنا أن ندخل ثقافة الكراهية في مناهج تعليمنا كي نجعل هؤلاء الأبناء أدوات في أيدينا نستخدمها متى ما أردنا كلما خرج لنا من يريد أن يشكك في مصداقية جمهوريتنا أو يطمع في مشاركتنا سلطة حكم الجمهورية التي تشبه في لذتها ( ســـــلطة خضراء ممزوجة بالدرسنق الفرنسي ) ثم ضحك الحاضرون كثيرا... وبعد أن انتهى الحاضرون من قهقهتم استمر الوزير قائلا :

السيد الرئيس... لقد غرسنا الموت في مناهجنا وفخخنا الكتب بفكر لا يؤمن في الآخر مما سوف يجعل من أبناءنا أسوارا محصنة ضد أي غزو فكري أو ثقافي خارجي أو داخلي يهدد بقاء الجمهورية، بل أننا نحاول بث الفرقة والتناحر بين أبناء المدرسة الواحدة كيلا يشعرون بالإنتماء إلى وطن بقدر ما يكون انتمائهم فقط لسلطة الجمهورية.

إن الشعوب التي تحب أوطانها أيها السيد الرئيس : شعوب يهدد اتحادها واعتزازها وحبها لوطنها بقاء الجمهورية أكبر من أي تهديد خارجي.... فليسعد سيادتكم لقد قضينا على كل ولاء للوطن وللإنسان كي يظل الشعب بلا انتماء سوى لسيادتكم وكلما فكر الشعب في الخلاص منكم شعر بالخوف من الضياع.أنتم الوطن.... وغيركم الباطل... !!

ضحك الرئيس وشكر الوزير على حسن إعداده وتخطيطه ثم التفت إلى وزير الفضيلة والأخلاق الذي نهض بدوره ليقرأ خطته قائلا :

الحمد لله الذي جعل سيادتكم رئيسا لجمهوريتنا التي ننعم فيها بالرفاهية والعيش الكريم....

سيدي الرئيس : أود أن أبشركم أن خطتنا تكمل ما بدأته وزارة التعليم... حتى وضعنا خطة متكاملة لاحتواء خريجي تلك الوزارة المحترمة وإلباسهم ثياب الفضيلة والأخلاق التي تدعيهما وزارتنا الموقرة، وقد وجدنا أولئك الشباب مبرمجين أحسن برمجة على فكر واحد لا يقبل القسمة على اثنين ولايسير في غير اتجاه واحد حتى وان كان ذلك الإتجاه الوحيد يقودهم نحو الهاوية..... فأما أن يؤمنوا بنا أو يسيروا إلى الهاوية.

وفجأة تضج الصالة بالتصفيق : تعيش الهاوية... تعيش الهاوية...

واستمر الوزير في كلامه الممزوج بالبلاغة والروحانية :

هاهم شبابنا أيها السيد الرئيس... يجوبون العالم لينشروا فكر الفضيلة والأخلاق الذي يميز جمهوريتنا عن جمهوريات الدنيا كفكر يمتهن الموت ويحتقر الحياة لتدوم جمهوريتنا ويدوم رئيسنا وننعم بقربك بهذا النعيم الذي من اجله يموت الشباب دفاعا عن قيم الجمهورية.

إنها جمهورية الموت أيها السيد الرئيس....

وتضج الصالة بالتصفيق من جديد لتردد الأصوات:... موت.. موت.. موت...

إلتفت الرئيس ناحية الوزير وقال له : فليبارك لك الرب جهودك كي تبقى جمهوريتنا حية بدماء هؤلاء الشباب المقاتلين في سبيل حياتنا... سنحتفل غدا على أنغام الفرحة ونرقص سوى على مسرح الجماجم التي تتدحرج من أجل أن تظل جمهورية الموت جنة لممارسات حكومتنا الفتية.

وألتفت الرئيس إلى وزير البلديات وسأله وأنت ماذا أعددت ؟

نهض الوزير وقرأ خطته :

السيد الرئيس : شوارعنا مليئة بالمطبات والحفر والتقاطعات الخطيرة.

و المغزى من ذلك : أن يستفيد أصحاب الورش من الأعطال المستمرة لسيارات الناس نتيجة ما تسببه تلك الحفر والمطبات التي نضعها كفخاخ في جميع شوارعنا كنوع من التشجيع الاقتصادي لأصحاب الورش الفنية، أما التقاطعات الخطيرة فإن الغرض منها أن تتزود المستشفيات كل يوم بمصابين كيلا يجد الأطباء أنفسهم بلا أعمال، ولا يفوتني أن أفيد سيادتكم أن كل تلك الفخاخ التي نزرعها في الشوارع بما تسببه من مشكلات ومصائب وعوائق تشغل تفكير الإنسان بما يجعله لاينتبه إلى ما نفعله في قصر الجمهورية حين نجتمع هنا لنفرح ونرقص ونبتهج.

إن فلسفة البلدية.. أيها السيد الرئيس تقول : أشغل الإنسان قبل أن يشغلك ولا تدعه يرتاح أبدا...

ثم صفق الحضور لتلك المقولة ورددوا معا : أشغله... أشغله... أشغله....

شكر الرئيس وزير البلديات وقال له : ولا تنس أنكم محترفون في ازكام الأنوف بروائح الصرف الصحي الذي يملأ الشوارع مما سبب الكثير من الأمراض الخطيرة. فلتسعد وزارة الصحة لأنه لم يعد لديها مستشفى لا يعمل أطباؤه. والتفت الرئيس إلى وزير الصحة وقال ما رأيك ياوزير الصحة ؟!

قام وزير الصحة وقرأ خطته :

السيد الرئيس... أود أن أزف البشرى إلى سيادتكم أن المستشفيات مليئة بالمرضى بحيث لم يعد الناس قادرين على متابعة ما يدور حولهم من أخبار، وأود أن اشكر كل البلديات على نشر العديد من الأمراض عبر ترك مياه الصرف الصحي تسيل في كل جانب حتى أصبحت المدن تعوم على آلاف " البيارات الخاصة بالصرف الصحي" وهي بالطبع سوف تهدد مصير الإنسان والمدينة يوما ما.

لقد شاخ العديد من مدراء فروع الوزارة في بعض المدن مما سبب فسادا في تلك الإدارات حتى ترهل النظام الصحي وهو يوشك على الانهيار.

إنني متأكد يا سيادة الرئيس أنه بمقدوركم أن تغيروا ألف وزير صحة ولا تستطيعون تغيير مدير فرع صحي.

حينها نهض وزير البلديات ووزير التعليم ووزير الفضيلة والأخلاق وقالوا بصوت واحد :

وذلك ينطبق علينا أيضا...وهذا سر بقاء جمهورية الموت " حية ".

صرخ الرئيس قائلا " حية " ؟!

ورد عليه الوزراء : لا نقصد الحية... التي تنفث سمها لتقتل....

قال لهم : فماذا تقصدون ؟!

قالوا : حية ترزق.... وضحكوا جميعا.......

وقبل أن يطلب رئيس الجمهورية من بقية الوزراء الاستمرار في قراءة خططهم... نهض أحد الفراشين من خلفهم ثم طلب أن يتحدث قال :

ياوزراء جمهورية الموت...

أما حان الوقت لكم أن تموتوا أو تذهبوا كي يحيا الشعب...؟!

أيها السيد الرئيس...

هؤلاء.. هم صناع الموت

كل واحد منهم حية... ولها سم قاتل

هؤلاء : ليسوا أوفياء كالكلاب

هل رأيت حية وفية أيها الرئيس ؟

لكنك لن تجني من الحية التي ربيتها سوى السم الذي يجلب لك الموت....

وزير التعليم يغرس الموت في عقول أبنائنا

ووزير الفضيلة والأخلاق يجنيه ثم يرده إلى نحورنا

ووزير البلدية ينشر عفن الموت في شوارعنا

ووزير الصحة يفتح أبواب مستشفيات وزارته كي يحتضن الموت ويدفن الصحة...

وأنت أيها السيد الرئيس...

ترفل بنعيم المديح والنفاق والكذب..

لكنك غدا سوف تكون أول ضحايا هذا الفكر الذي يمتهن الموت للناس كي يخلد القبح والفساد والكراهية....

استيقظ أيها السيد الرئيس...

عد إلى عقلك...ووعيك

فجمهوريتك مليئة بالشرفاء "المغيبين "... الذين يحترفون صناعة الحياة...

وجمهوريتك مليئة بالأكفاء والمخلصين القادرين على انتشال الجمهورية من مآزق الهاوية التي يصفقون لها... إلى فضآت الحرية...

أما هؤلاء المنافقون فهم يصنعون لك صور البقاء ويغرسون في أرضك بذور الموت...

دعهم يرحلون...أو يموتون ليبقى الوطن.

الوطن : الذي يفرح كل المنتمين إليه بأنهم شركاء في صنع مستقبل أبناءه..

يعشقون فيه الحياة ويرقصون على مسارح النغم لا على مسارح الكراهية والجماجم....

ولنبدأ من اليوم كي تكون هذه الجمهورية أيها السيد الرئيس جمهورية الحياة...

وليست جمهورية الموت...

أليس كذلك؟!

وفجأة يقتحم مجموعة من الأطفال مبنى مجلس الحكم مرددين :

حياة.. حياة.. حياة !!

[email protected]