لا نختلف مع أحمد قريع في تشخيص الحالة الكارثية التي اصبحت عليها الظروف في قطاع غزة، لكننا نختلف معه بشأن الأسباب التي جعلت هذه الحالة تشكل مصيبة لا مثيل لها. قريع، وعموم المؤسسات القيادية في السلطة الفلسطينية ترد اسباب هذه المصيبة إلى "انفلات أمني لم نشهده من قبل"، غير أننا نرى هذا الإنفلات الأمني جزءا من ظاهرة، ومن نتائج ترتبت على مقدمات راكمها ياسر عرفات رئيس السلطة، ورئيس وزرائه، وكل الطاقم الذي يلتف حوله. لقد انحصرت المطالب المعلنة للذين خطفوا اللواء غازي الجبالي في:
أولا: اقالة الجبالي من منصبه.
ثانيا: محاكمته بتهم الفساد، ومنها تلقي الرشى، فرض الأتاوات والتعذيب والتنكيل والإستيلاء على اموال واراض الدولة.
ثالثا: محاكمته بتهم الإعتداء على شرف المواطنين.
واحدة من هذه التهم ثابتة بحق الجبالي من خلال الثروة التي وجدتها قوات الإحتلال الإسرائيلي في ثلاجة منزله برام الله، في اطار عمليات السور الواقي، وقد عرضت على شاشات التلفزة في حينه.
وكل التهم اعترف بها الجبالي خلال التحقيق القصير الذي اجراه معه خاطفوه في مخيم البريج.
خلال فترة ساعتين هما كامل الزمن الذي استغرقته عملية الإختطاف، ولا يعرف عدد دقائق التحقيق الذي اخضع له قائد الشرطة الفلسطينية، كان قد أدلى باعترافات كاملة وتفصيلية مسجلة تؤكد أول ما تؤكد مدى صلاحية الرجال الذين يعتمد عليهم الرئيس الفلسطيني، ويتمسك بتثبيتهم في مواقعهم..!
هذه الإعترافات وحدها تكفي لإطاحة الجبالي، لكن أحدا لا يعتقد بأن عرفات سيلتزم بالوعد الذي اطلقه على نفسه لهذه الجهة..! خاصة ولأن الرئيس الفلسطيني ينظر للمسألة من زاوية شديدة الإختلاف، وباعتبارها أحد مظاهر صراع الخلافة.
في هذا السياق، من حق عرفات أن يتوقف امام النقاط التالية:
اولا: تعرض الجبالي في شباط/فبراير الماضي لمحاولة اغتيال من قبل قوة خاصة من الأمن الوقائي بقيادة رشيد أبو شباك، وتفجير مدخل منزله في غزة من قبل مجموعة يعتقد أنها تنتمي كذلك للأمن الوقائي.
ثانيا: تولي رئيس الأمن الوقائي التفاوض الفوري مع خاطفي الجبالي، ونجاحه في اطلاق سراحه خلال ساعتين فقط من اختطافه، ما يعني معرفته المسبقة بالخاطفين، وتبنيه لمطالبهم التي تولى عرضها على الرئيس عرفات.
ثالثا: تولي العقيد سمير مشهراوي نائب أبو شباك ترويج عملية الإختطاف واسبابها اعلاميا.
بالطبع، كل ما قيل بحق الجبالي وسلطة عرفات صحيح، لكن هذا الكلام ينطبق على جميع قادة اجهزة أمن السلطة وليس على الجبالي وحده. ولهذا، فهو كلام حق اريد به التقدم خطوة على طريق الخلافة.
عرفات نفسه ادرك ذلك، وتصرف على اساس منها حين سارع إلى تعيين قريبه اللواء موسى عرفات مدير الإستخبارات العسكرية قائدا لقوات الأمن الوطني في قطاع غزة، ليس بهدف اطاحة عبد الرزاق المجايدة، وإنما بهدف الإمساك بالقوة الضاربة الرئيسة في مواجهة الأمن الوقائي، وبقية الأجهزة، إن استدعت الظروف ذلك.
والأرجح أن التحركات التي استهدفت الجبالي لم تتقصد تأكيد صحة تقرير تيري ريد لارسون لمجلس الأمن الدولي بشأن فساد سلطة عرفات وإنما هي ارادت أن تبني عليها، ما دام تقرير لارسون ودفاع كوفي عنان عنه يشيران إلى قرب رحيل القائد الرمز، الذي كان رمزا للثورة، فأصبح وبإجماع المجتمع الدولي، رمزا للفساد والإفساد..!
ولكن، هل يجد عرفات الحل لدى عرفات..؟
للتذكير، فإن لجان المقاومة الشعبية سبق أن حاولت اغتيال موسى عرفات لأسباب مماثلة لتلك التي جعلتها تختطف غازي الجبالي..!