عندما يقال ان التاريخ مرآة المستقبل هذا لا يعني ان نقرأ التاريخ كقراءتنا لقصة عفى عنها الزمن او لغرض التسلية وقضاء الوقت، بل قالها اجدادنا كي نقرأ التاريخ بتمعن ودراية واستخلاص الدروس والعبر منه. فقراءة بسيطة للتاريخ الشرق اوسطي يعطينا كم هائل من المعرفة والدروس لتخطي المشاكل المستعصية التي تضرب منطقتنا.

فيقول لنا التاريخ انه علينا ألا نحيك المؤامرات لبعضنا البعض طمعاً في جاه او سلطة او منصب مصيره الزوال ولو كان بعد حين. وكذلك يعلمنا التاريخ ألا نعتمد على الغير في مصارعة اخوتنا للنيل منهم او لكسر عودهم وجعلهم عبيد خارج مصاف الانسانية ويعلمنا ايضاً ألا نتكبر على حساب ابناء جلدتنا والضرب بهم وتحطيمهم لنعلو نحن. والكثير من الدروس التي لا يمكن عدها واحصاءها في مقالة صغيرة مكونة من عدة سطور ولكن العبرة في ان نستخلص هذه الدروس ودراستها بتمعن منطقي وعقلي لخطو خطوات نحو المستقبل الذي نرسمه.

فنظرة سريعة لما تقوم به الانظمة التسلطية في منطقة الشرق الاوسط ندرك تمام الادراك ان هذه الانظمة ليس لها علاقة بالتاريخ لا من قريب ولا من بعيد وكأن التاريخ لا يعنيها ابداً. فالنظام السوري الذي راح يتشدق بالديمقراطية والسلام وأنه لا تنازل عن حقوق العرب في الجولان وفلسطين نسي او تناسى ان ما يقوم به ضد ابناء شعبه من الكرد لا يخفى على احد ابداً وكأن الكرد هم شعب من الدرجة الثانية والثالثة لا حق لهم سوى عبادة الرئيس الذي يمثل الرب على الارض وقراءة اقواله في كل صلاة يقومون اليها وانه لولا سيادة الرئيس لما كان لهذا الشعب المغلوب على امره حياة اخرى يرونها. بهكذا عقلية ديمقراطية داعية للسلام العادل يتقرب النظام السوري من ابناء جلدته الكرد الذين لم يتوانو لحظة واحدة في بذل كل غال ونفيس لحماية امن الوطن والدفاع عنه. وهذه ليست منّة للكرد على أحد بقدر ما هي واجب مقدس احترمه ويحترمه وسيحترمه الكرد اينما كانوا، ولكن الامر المضحك والتراجيدي في نفس الوقت هو ما يناله الكرد من ايدي جلاوزة النظام البعثي في سورية من اهانة وظلم وتعذيب تفوق بعض الاحيان الدكتاتورية البعثية الصدامية التي باتت في مزابل التاريخ. فالى متى يستمر هذا النظام وغيره من الانظمة المتسلطة على رقاب الكرد، كسيف ديموقليدس يحيكون المؤامرة تلو المؤامرة ويتفقون على مضض بالرغم من العداوة التاريخية الموجودة بينهم، للنيل من كرامة ومجد وعزة الكرد وطمس حقيقتهم وجعلهم عبيد وآلة طيعة لتنفيذ ما يصبون اليه. ألم يحن الوقت لهذا الشعب ان يعيش بقية عمره كباقي البشر بعيداً عن السجون والمقابر الجماعية وسراديب السجون والمحاكم العسكرية التي لا تذكرنا سوى بمحاكم التفتيش إبان الحرب في اوروبة.

الجرائم التي قام بها الديكتاتور صداح حسين لا يمكن عدها بحق الشعب العراقي بشكل عام والكرد بشكل خاص، فلم يترك الديكتاتور وسيلة إلا ونفذها بحق الكرد من مقابر جماعية وتشريد واغتصاب وحرق آلاف القرى وحلبجة ووووالخ. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ فكل ارض العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه لم تأويه وتحميه من عاقبته المحتومة هو وأفراد عائلته، فتم قتل ولديه شر قتلة وتشريد بناته وزوجته كل واحدة في دولة وظهر هو من قبو رجس وكأنه كاريكاتور للقبور التي صنعها للشعب. ويمكن القول ان كل عمله ذهب هباءً وكل الحفر التي قام بحفرها لاخوته وقع فيها في محصلة الامر. فعجب للأنظمة المجاورة له، فكيف لا يقرأون التاريخ القريب الذي لم ينسَ بعد ويقومون بحفر الحفر كي يوقعون الكرد فيها، وما هذه الاجتماعات المكوكية للنظام السوري والايراني والتركي والتحالفات والمعاهدات التي يوقعون عليها، كي لا يحصل الكرد على ادنى حق لهم وهو العيش بكرامة ضمن ارضه وبين شعبه. أما آن لهم ان يخجلوا من انفسهم ولو قليلا وليتركوا الكرد يقرروا مصيرهم بذاتهم بعيدا عن اهوال الحروب وقصف القرى والإعتقالات الجماعية واقبية السجون.

وفي النهاية كم اتمنى من الكرد ايضا ان يستخلصوا الدروس والعبر من الانظمة الحاكمة على الاقل. فهاهم بالرغم من التناقضات التاريخية التي يعيشونها مع بعضهم البعض، إلا أنه عندما يكون الخطر الكردي محدق بهم يلهثون وراء بعضهم البعض ويعقدون الاجتماعات تلو الاخرى للقضاء على الحلم الكردي الذي لا يزال في مرحلته الجنينية. فكم حري بنا نحن الكرد ايضا ان نعقد مثل هذه الاجتماعات والمعاهدات عندما يحدق بنا خطر الدول المجاورة، وان يكون ممثلاً بكل القوى الكردية بدون استثناء من شمال الى جنوب كردستان ومن شرقها الى غربها وبعيدا عن الصراعات الايديولوجية والسياسية والفكرية ونبذ كل الخلافات جانباً مهما كانت ولنعقد اجتماعاً نثبت به للغير ان الكرد بمقدورهم ان يتخذوا قراراتهم الوطنية بمحض ارادتهم. حينها فقط سوف يكون لكل حادث حديث.