كم كنت محظوظا لأنني قرأت عبارة صغيرة ولكن مفيدة تقول "التعاسه ليس أن تسعى لتحقق رغباتك، ولكن التعاسه أن تحقق كل رغباتك" فهذه العبارة البسيطة ساعدتني على أن أتمالك أعصابي داخل مبنى إصدار التأشيرات، حيث تم تصوير فيلم "التعجيز والإذلال" لمخرجة "المسئول" في الدائرة الحكومية الموقرة.

بدأت القصة عندما تخرجت أختي من الجامعة، وطبعا كأي فتاة ذات طموح تسعى لنيل بعض الاعتبار في مجتمع ذكوري يعاني مرض "النرجسية الذكورية" التي تفتك برجالة قبل نسائه، أقول بدأت المعاناة بعد أن تم قبول أختي في الجامعة وظهور مشكلة "السائق"، لأن الرجل السعودي يرى الرجس كله في قيادة المرأة و لا يرى عيبا في أن يأتي بسائق أدوات زراعية ليقود (دون محرم) بزوجته وبناته. وطبعا كان لابد من إصدار تأشيرة لهذا السائق ليأتي لنا بعقلة "الكامل" ليقود بأختي ناقصة العقل والتي سوف تصبح دكتورة تتحكم في حياة الناس ولكنها بكل سخرية لا تستطيع أن تتحكم بنفسها!

وبدأت مهمة "الإعجاز" ولكن ليس الإعجاز في القران هذه المرة، ولكن إعجاز البشر. فبعد شرح الموضوع عدة مرات تم التكرم علي باستمارة التقديم من "شيخ" يعتقد بأنة وزير العمل والعمال وليس مجرد شخص مسئول عن تنظيم البشر. وبعد شرح حالة أمي وأنها مطلقة وليس عندها سائق نظر لي المسئول وسألني: من أنت؟ فقلت أنا ولدها، فقال ليس لك الحق في أن تحصل أنت على السائق وسوف يكون عليها أن تحضر بنفسها لتقديم الطلب أو أن تأتينا بوكالة شرعية من المحكمة.

أنا إنسان أحترم القوانين، وأشعر بالفرح عند وجود قوانين تتحكم في كل شيء، وأؤمن بأن القوانين هي السبيل الوحيد للوصول للهدف. لا أدري من أين جاء هذا الإيمان، قد يكون لأنني من الغلابة الذين لا يملكون "الواسطة" وحقيقة أن "الضعفاء" هم من يحرص على وجود القوانين ليحمي نفسه من الأقوياء! أو ربما لأنني ممن يفكر بجزئي الدماغ فلدي حب التمرد وحب التقليد في نفس الوقت، لا أعرف ولكنني أحب أن أتبع القوانين (المعقولة). فما كان مني إلا أن ذهبت وأحضرت والدتي في اليوم التالي، وكانت المفاجئة.

فلقد إتضح أن القوانين المعمول بها لا تسمح لسيدة تحت 50 سنه من أن يكون لها سائق! طبعا لم أدع هذه المعلومة تعدي على خير، فكيف نمتع المرأة من قيادة السيارة ثم نمنعها أيضا من أن يكون لها سائقها الخاص؟ وهل سوف تذهب من هي فوق الخمسين للعمل مثل من هي في العشرينات والثلاثينات!؟ طبعا وكالعادة لا توجد أجوبة لأي سؤال يتعلق بالمرأة، فجميع الأسئلة تجاوب بكلمة من أربعة حروف "حرام". فحرام أن تسأل وحرام أن تبحث وإن كنت ممن يؤمن بالله لأنك عرفته بالعقل فلقد آن الأوان أن "تضع" عقلك في الثلاجة وتدع "المشايخ" تفكر عنك.

الغريب في الأمر أن الموضوع: لم ينتهي هنا، فهذا كان أهون علي من هول ما قيل لي بعد ذلك. فقلد أتضح أن والدتي تستطيع أن تحصل على التأشيرة ليس لأنها امرأة بحاجة لسائق، ولكن لأن لها بنت في الجامعة!؟ لم أفهم الحكمة في الأمر ولكني كنت سعيد لأن أمل الحصول على تأشيرة ما زال قائما، خصوصا بعد أن طلب من أمي الجامعية التي تدرس بنات الجيل القادم من أن "تبصم" على الاستمارة (والله العظيم تبصم!).

جاء الطلب الأغرب عندما طلب منا "المسؤول" إثبات أن أختي تسكن مع أمي من عمدة الحي الذي نسكن فيه!؟ صدق أو لا تصدق، على العمدة الذي لم أراه في حياتي، والذي وإن عرفني وأبي لا يمكن أن يخمن من هي أختي من أمي من جدتي، أن يحدد ما إذا كانت أختي تسكن مع أمي أو لا؟ أليس هذا غريبا؟

عموما للحرب بقية غدا وسوف أخذ نسخة من كل الأوراق التي لدينا في المنزل تحسبا لأي هجوم "إداري" من المسؤول الذي يبدو أنه معجب بشكلي ويحب رؤيتي كل يوم لكي يلعب دور البطل ويعكر علي صفو حياتي التي لم أذق فيها طعم التعاسه بعد، فالمشاكل على ودنو كما يقولون، ولكل من لا يعرف طعم المرارة في مراجعة الدوائر الحكومية فليكتفي بقصة المرأة التي لم تبلغ الخمسين وليس لها الحق في القيادة أو الخروج مع سائق!؟

مجموعة الدفاع عن حقوق المرأة السعودية