بقيت لسنين عدة لا ألتفت كثيرا الى ما يرويه الاردنيون من قصص عن حلم وتواضع افراد عائلتهم المالكة، مع ان بعض هذه القصص جديرة بالاهتمام كحادثة اخراج الملك الراحل حسين للمعارض ليث شبيلات من السجن وفي سيارة الملك الخاصة، لكن منظر الملك الشاب عبدالله الثاني وهو يقفز فرحا حينما سجل الاردن هدفا في اليابان بدّل قناعاتي الى حد كبير، ففي الصورة التي شاهدها العرب قصة وعبرة للشعوب والحكام ، لا بل عنوان منهج جديد في الاصلاح المنشود.

ودعونا نفكر قليلا بنفسية هذا الملك، الذي تصرف على طبيعته مثل كل الاردنيين، وحتما ان مشاعره التي تدفقت اثناء المباراة جعلت كل الاردنيين يشعرون ان ملكهم مثلهم ويشبههم، لقد تصرف كملك متواضع لا يترفع عن شعبه ولا ينظر اليهم من عليائه، فقد نزل الى مستوى طموحاتهم وامالهم ولامس مشاعرهم، وهو الذي كان قد تخفى ليلمس مشاكلهم الحقيقية فجاب مؤسسات الدولة دون خجل او خوف ليتاكد من ان مواطنيه يتلقون الخدمة الافضل.

قفزة الملك عبدالله تفتح امامنا اسئلة كبيرة حول " انواع" الحكام العرب وحقيقة الاصلاح العربي؟، ولعل المثال الذي يطرحه الملك عبدالله يجيب على السؤال الاكثر الحاحا حول السبب الحقيقي وراء فشل العرب، فالجواب واضح وهو حكامنا واسلوب معيشتهم وأفكارهم وبطانتهم.

من هو الحاكم العربي الذي يجرؤ على حضور مباراة، من هو الحاكم العربي الذي يشعر بالامن الى الحد الذي يجعله ينزل الى ارض المباراة ويرافق ابناءه اللاعبين، من هو الحاكم العربي الذي يحب وطنه بحق الى الحد الذي يجعله يتصرف كما تصرف عبدالله الثاني.

ليت حكامنا يعودون الى انسانيتهم، تماما كالملك عبدالله ، ليتهم يلتفتون الى شعوبهم ولو لمرة واحدة، وليتهم يتركون الاساليب القديمة ، فقد ضحكوا علينا كثيرا، تارة من اجل القضية، واخرى من اجل الامن القومي. تاجروا بنا وألهونا وجعلونا شيعا وقادونا الى الجحيم، ملايين العرب ساروا في طريق لا يريدونه فقط من اجل فكرة شاذه لزعيمهم، وملايين ماتوا من اجل طموح رئيسهم.

الملك عبدالله الثاني نموذج حي في التطوير والاصلاح، فالرجل لا يخاطب شعبه بلغة القائد الملهم، ولا يعدهم بسجون مظلمة ان خالفوه، وهو يسعى رغم امكانات بلده الضعيفة الى خلق بلد متطور وحديث قوامه الاقتصاد الحر والديمقراطية الحقيقية وحقوق الانسان الكاملة.

لقد قفز الملك عبدالله فرحا، لكنه ايضا قفز عن واقع عربي مر، باتجاه افاق ارحب ، افاق لا تعرف الحكم التقليدي ، تطمح بمستقبل عربي جديد ، مستقبل يؤمن بالانسان، فالملك الذي تتدفق مشاعره وهو يشاهد اللاعبين، لا بد تحركه مشاعر المسؤولية حينما يصاب مواطن بالجوع او الظلم.

هذا نوع من الحكام نؤيده، فهو مثلنا، يسير في الاسواق، ويحضر المباريات، ويكره الفساد، ويؤمن بالانسان والديمقراطية، ويرفض ان تلتف حوله بطانه متكرشة، وهو قبل كل ذلك ذو عقلية منفتحة، فهل يعي الاحد وعشرون زعيما عربيا ماذا يعني ان يكون الحاكم ملتصقا بشعبه؟؟؟ وهل يسيرون على نهج هذا الملك الشاب؟؟؟ استبعد ذلك، فهم ان نزلوا الى الملاعب سيقطعون اربا، فالاحدث فيهم قتل الالاف في القامشلي، فما بالك باقدمهم وعميدهم!!!