الأجندة العربية قبل عشرين عاما لم تكن مشغولة بنفس العدد من القضايا و الأحداث الأزمات مثل اليوم، فكل سنة تمر تضاف أزمة سياسية و اقتصادية و تنموية، و تعقيدات علاقات دولية التي باتت تحكمها أنظمة و قوانين العولمة. تحاول الدول و الأمم إن تخفف من أعبائها السياسية و الاقتصادية بالتكتلات و الاتحادات مع دول أخرى لتشد عضدها بها في عصر حكم سياسة القطب الواحد الذي انفردت به الولايات المتحدة الأمريكية و فرضت واقعا سياسيا و عسكريا و اقتصاديا تضايقت منه دول الاتحاد الأوروبي الذي حدا بها توسيع قاعدة الاتحاد بانضمام دول المعسكر الشرقي السابق لإزالة آثار الهيمنة الأمريكية على حلف الناتو ( حلف الحلف الأطلسي ).

و يأتي هذا التعزيز للمعرفة السابقة لأهداف الدول و الشعوب الأوروبية و الإرادة السياسة و وضع خطط اقتصادية لمواجهة التحديات التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا و ألمانيا، و هذا الاتحاد الأوروبي شعرت به واشنطن في بعض المواقع الإستراتيجية بالنسبة لأمريكا، مثل قضايا منطقة البلقان و تفكك الاتحاد اليوغسلافي و ما نتج عنه من أزمات كسوفو و الصرب و كرواتيا، و التجاذبات التي حدثت بينهما من الحصول على استحقاقات سياسية و اقتصادية ، و شعور دول الاتحاد الأوروبي بأحقية حل القضايا التي تقع في نطاق حيزها الجغرافي و التي تهمها أكثر من أمريكا، ألا دليل صراع إثبات وجود في عالم القطب الواحد.

و لأهمية الاتحاد الأوروبي نرى أن الدول المطلة على حوض البحر المتوسط و تحديدا الدول العربية و دول مجلس التعاون الخليجي العربي تحاول الحصول من الاتحاد الأوروبي على مكتسابات سياسية و أن كانت ضعيفة في هذا الجانب بسبب السيطرة الأمريكية وارتباطها مع سبب المشكلة في الشرق الأوسط و هي إسرائيل.

تسعى الدول العربية و الخليجية على شراكات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي و لكن من موقف هش و ضعيف تتفاوض مع الاتحاد من موقع الذي يأمل من الخروج من أزمات اقتصادي و تقني و احتياج سياسي، و ما حدث لدول الخليج و تعثر المفاوضات في الشراكة التجارية و إصرار الاتحاد الأوروبي على فرض ضريبة الكربون على مبيعات النفط الخليجي و منع بعض منتجات البتر وكيميائيات، ألا إشارة واضحة على أن الاتحاد الأوروبي يرى الضعف ينخر في الجسد العربي و لا يستطيع فرض شروطه في المفاوضات و الشراكات الاقتصادية.

و على الجانب الآخر، فإن علاقة دول حوض البحر المتوسط العربية بالاتحاد الأوربي تشجعها دول الاتحاد و تحث عليها، ليس لأهمية تلك الدول العربية سياسيا و اقتصاديا بالنسبة لدول أوروبا أو للمجاور الجغرافية، و لكن من أجل مصلحة عانت منها دول الاتحاد الأوروبي و هي هجرة العمالة العربية و ما تحمله من أفكار و معتقدات و قيم تشعر دول أوربا بخطورتها على حياتها المدنية و قيمها الحضارية بعد الصورة السوداوية التي طبعت على جبين المسلمين و العرب من العمليات الإرهابية و ما أحدثته كارثة 11 سبتمبر بنيويورك و 11 مايو بمدريد، و التهديدات المستمرة لمدن و أراضي أوروبا التي أصبحت تهديدا و خطرا محدقا للوجود العربي و الإسلامي في دول لها أهميتها في العالم مثل فرنسا و ألمانيا و بريطانيا و غيرها، في وقت نحن بأمس الحاجة لإقناع الأوربيين بقضايانا وبالوقوف بجانبنا أمام تحديات إسرائيل و أمريكا.

و لنكن واقعيين مع أنفسنا فنحن الدول العربية بحاجة إلى وقفة أوروبية مع قضايا الأمة العربية و يفترض أن نعمل ما بوسعنا لكسب ثقة الأوروبيين و مساعدتنا في المحافل و الهيئات الدولية التي تسيطر على قراراتها واشنطن، و لا نعطي الذرائع و المسوغات للدول الأوروبية بالضغط على الجاليات العربية و الإسلامية بفرض أنظمة و قوانين تجعل من الحياة في أوربا صعبة أو مستحيلة مثل قانون منع الحجاب في المدارس الفرنسية و قوانين الهجرة التي تتعقد في وجوه دول المغرب العربي.

إن تهديدات القاعدة و بعض المتطرفين و المتشددين الذين لا يحملون من الدين الإسلامي ألا أسمه تقدم خدمات مجانية للأوروبيين بأن يفرضوا قيودا على الهجرة و العمالة العربية و ينفروا من الدول العربية و قضاياهم.

و بدل أن نسير إلى دول الاتحاد الأوربي و دول العالم بحقيبة سياسية صافية و غير محملة بآثار التخبط الواقع العربي لانعدام الحرية و الديمقراطية، تزداد و تتنوع المشاكل و الأزمات السياسية و الثقافية في حقائبنا المحمولة إلى دول اتحاد الأوروبي بحيث لم نعرف ما هي أولوياتنا و مطالبنا و بأي لغة نتحدث معهم.

[email protected]