علامة استفهام من هذا النوع فقط وحدها ما يتربع على عرش اهتمامات الجميع عراقيا واقليميا ودوليا في ظل تدويل تاريخي منذ فترة طويلة للقضية العراقية برمتها وخصوصا بعد ان اصبح العراقيون ليسوا وحدهم في ساحة القرار العراقي بل الى جنبهم لاعبون اخرون بعضهم له لمساته الواضحة على خارطة السياسة الدولية، وفي ظل تلك الاجواء فان الاجابة على تساؤلات من هذا القبيل سوف تكون مترتبة منطقيا على معرفة عوامل عدم الاستقرار في بلد مثل العراق وكل ما يقف وراء ذلك اذ انّ معرفتها تشكل المرتبة الاولى في سلم المعالجة.
الوقوف على الاسباب :
* الفراغ التاريخي للتجربة الديمقراطية
ان اهم الاسباب التي تقف وراء الارتباك الحاصل في العراق على الصعيد السياسي والامني هو سبب منطقي نواته عدم توفر الارشيف الديمقراطي في الدولة العراقية الحديثة لغياب الحياة الديمقراطية طيلة فترات الحكم السابقة ( مع الاحتفاظ بنسبة التفاوت لتلك الفترات ) مما يعني ان الجميع في طور الحظانه ومن ثم فالتيارات السياسية قبل غيرها لحد هذه اللحظة لا تجيد ادوارها بشكل مطلوب مما يعني ارتفاع نسبة ارتكاب الاخطاء الذي يؤدي بدوره الى خلق ازمات تنتهي في العديد من الاحيان بالتصعيد العسكري وبالتالي زعزعة الحالة الامنية المتزعزعة اصلا... اخطاء تقع فيها القوى السياسية قد تكون مشروعة بحكم انطلاقة البداية المحفوفة بالمخاطر في طريق تتخلله صعوبات كثيرة.
* العوامل الاقليمية
العراق بلد تسوره ست دول وثلاث قوميات مختلفة اضافة الى العديد من الدول القريبة من العراق وان لم تشاركه في الحدود ويقع ايضا في منطقة تشكل اهم براكين الحروب في العالم وبنفس الوقت هي التربة الذهبية في في جغرافيا الكرة الارضية تطفو على اكبر خزين للنفط في العالم، وتسيح المياه في كل بقعة فيها اضافة الى انها موقع استراتيجي تحسد عليه... عوامل عديدة كل واحد منها تستدعي الوقوف
عندها فاطماع واستراتيجيات واجندة لدول كبرى تتصارع فيما بينها وخوف وارتباك وقلق لدول اقل اهمية في المنطقة لا تريد ان تكون لقمة سائغة لعمالقة هذا العالم وبهذا يكون العراق ورقة الرهان بين المتنازعين.
هذه العوامل بحد ذاتها تشجع بعض البلدان لان تساهم في زعزعة الامن في العراق وتسعى في خلط الاوراق من اجل بقاء عراق غير مستقر، ومما يؤسف له هو مساهمة كبيرة من قبل العديد من القوى العراقية نفسها في تمرير ذلك حيث انها في معظمها لا تتنفس برئة عراقية ولا تملك برنامجا سياسيا عراقيا همه العراق قبل كل شئ حيث ان هنالك من يلوّح بيده للدولة العربية والحلم المدفون وهناك من يقبّل ايادي العمائم الايرانية وهناك تواقون للاردن او عرش الملوك الخليجية الى جانب من تتناغم مصالحهم مع اللادنيين وبقايا الزرقاوي والسلفيين اما البعض فيلوح بالاستقلال بين الحين والاخر وهكذا دواليك دواليك.
* ممارسات استفزاية يومية من قبل التحالف
هنالك ممارسات استفزازية من قبل قوات الاحتلال وهي تحدث بشكل يومي وتثير حفيظة المواطن العراقي وبالتالي قد تؤهله لان يحمل السلاح او يساهم في تدبير بعض الاعمال التخريبية على سبيل الانتقام والثار، وما حدث في ابو غريب وجد طريقه الى الملأ عن طريق شبكات عنكبوتية لوسائل اعلام قوية جدا ولها اساليبها وطريقتها الخاصة في الحصول على الخبر الموثق الا ان ما يحصل في الشارع العراقي في الغالب لا يجد من يوثقه وحتى وان رصدته الكاميرا فلا يوجد قانون يسترجع تلك الظلامات المتكرره التي شجعتها واشنطن بدفع مبلغ هزيل ( 2500 $ ) فدية عن كل قتيل عراقي برئ.وفي مجمل الاحوال فأن استمرار وضعا بهذا الشكل يعني استمرار الزعزعة الامنية حتى بعد تسليم السلطة طالما كانت الاسباب موجودة والدوافع متوفرة.
* تداخل الاولويات
تداخل الاولويات في بلد كالعراق تحمل فيه المواطن العراقي اعواما من الضغوط وعاش سنوات من الحرمان بحيث انه تحوّل الى قنبلة موقوتة قد تنفجر في ايّ لحظة وهو غير مستعد لالنتظار اطول من ذلك فبعد مظي عام كامل لا نجد الخدمات العامة ذات الاستخدامات اليومية لا نجدها متوفرة في وقت كان المفروض ان تنجز في الاشهر الاولى للاحتلال لا بل ان المفارقة ان تجد شحة في مشتقات النفط في بلد اكثر ما
يتوفر فيه هو النفط وتجد ازمة في المياه في دولة لا توجد فيها ازمة مياه على الاطلاق، المسؤولون يبررون ذلك بعدم توفر الامن، اما المواطن العراقي فيعزو الوضع القائم الى عدم توفير مستلزمات الحياة الضرورية التي يحتاجها المواطن العادي كل ذلك جعل عاملا مهما من عوامل عدم الاستقرار في العراق هو الاولويات المتداخلة والاختلاف حول تحديديها بين المواطن العراقي وبين اصحاب القرار في العراق فهناك حالة من الياس تجتاح الشارع العراقي لابد من اخذها بعين الاعتبار.
* الطبقة المتوسطة غياب يبعثر الاوراق
ان احد اهم عوامل الاستقرار في العراق هي ما يخص الوضع العراقي بحد ذاته والطبيعة الاقتصاجتماعية وغياب الطبقة المتوسطة على الصعيد الاقتصادي بالذات اذ ان ذلك خلق تفاوت طبقي رهيب يحفز على الجريمة ويساهم في ارتفاع سقف التوتر المخل بالامن والاستقرار، ذلك الغياب الواضح للطبقة المتوسطة على الصعيد الاقتصادي ادى ( بالاشتراك مع عوامل اخرى ) الى تمييع الطبقة المتوسطة الواعية بشكل عام والوعي السياسي بشكل خاص وهذا ما له استحقاقات خطرة جدا على مستقبل العراق في المدن المتوسط والقريب فان من المعروف ان توفر طبقة متوسطة واعية ومنضطبة وعقلانية يعني توفر اجواء يسودها الهدوء والاسقرار وهو غاية منشودة لكل مواطن في العالم.
* ثم ماذا
معرفة الاسباب وان كانت مرحلة لابد منها لكن التعرف على السبب فقط لا يعني التقدم كثيرا في اتجاه الاستقرار بل يتطلب ذلك تضييق خناق دائرة الاخطاء ومحاولة تمييع الاسباب المذكورة ومن خلال الاستعراض السالف لطبيعة العقبات امام ايجاد حالة مستقرة في العراق يتبين ان بعض العقبات قد يكون بالامكان تجاوزه في الفترة القريبة بتوفير مستلزمات الخدمات العامة والتسريع في مشاريع اعمار العراق وتوفير فرص عمل لاغلبية عاطلة لها حقوق ومطالبات مشروعة سوف تطالب بها بطريقتها الخاصة في الحقيقة هناك شعور يكتنف الشارع العراقي ان استحقاقات التغيير الايجابي قد وصلت الى نهاية المطاف وبدأ الياس يدب من جديد فصاحب الحظ الحسن حصل على فرصة عمل جيده ومن لم يحصل فقد فاته القطار بعكس ما كان يسود الشارع العراقي من وعود كثيرة املت ولا زالت تأمل الاخرين في وضع معيشي افضل اذ انه كان يتأمل في اي لحظة يصله الدور او يحصل على مكسب اقتصادي جيد يختم فيه تاريخا طويلا من المعاناة.ان الحكومة القادمة مطالبة بالاسراع بتنفيذ المشاريع التي وعد العراقيون بها وهي مطالبة باستعادة ثقتها المفقودة عند المواطن العراقي المحروم ومطالبة ايضاان تضع حدا لتجاوزات واستفزازت قوات الاحتلال في الشارع العراقي والا بغير ذلك فالباب مفتوح على مصراعيه لانفجار الوضع من جديد سيما وان المجتمع العراقي تسوده التكتلات المعسكرة من الداخل مما يعني التنبؤ باوضاع منفلته في اي حين هذا من جهة ومن جهة ثانية فأن بعض العوامل المذكورة لا يتوقع تجاوزها في المستقبل القريب بل يتطلب وقتا اطول وارادة سياسية عراقية نابعة من التيارات العراقية ذاتها لان تعيد النظر في طبيعة برامجها السياسية وطريقة التمويل وآلية العمل كذلك عليها الخطى في اتجاه استقلالية اتخاذ القرار بعيدا عن المؤثرات الخارجية.

كاتب عراقي
[email protected]