لقد تربى المذكور مدللا في مصر ومن الفنانات الجميلات والفنانين العربان، الذين نعرف ولاء معظمهم لصدام، وسفرات وفود منهم لبغداد في أيام الطاغية الدموي، وحصول البعض على الكوبونات الملطخة بدم الطفل العراقي.

لقد عرف السيد نصير جيدا عن معاناة الشعب العراقي في عهد صدام. وبدلا من الشجب والإدانة وهو بعيد، أو الصمت تفاديا لأي خطر، فإنه راح ينضم لجحافل المثقفين العرب والإسلاميين في الوقوف ضد إسقاط صدام والتعاطف العلني مع قتلة محترفين يفجرون المساجد والكنائس والمدارس والدور الآمنة وأنابيب النفط وخدمات الكهرباء، ويقتلون يوميا عشرات من أفراد الشرطة والأساتذة والموظفين والأطباء والأطفال، ويخطفون عربا وأجانب مساكين جاءوا للعمل وليقدموا خدمة لشعب العراق ولعائلاتهم، ثم يقطعوا الرؤوس بمنتهى الجبن والوحشية أمام عدسات التصوير ووسط تهليل فضائيات شريكة في الجريمة.

نصير باشا شمة لم تهزه منظر المقابر الجماعية التي ضمت مئات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ ومعظمهم من مذهب نصير الشيعي. فقد وقف موقف عدم المبالاة كبقية المثقفين في مصر وفلسطين والبلدان العربية الأخرى، وحيث وجدنا البرلمانيين العرب يرفضون قرارا بإدانة تلك المقابر. وصمت نصير عن مآسي المهجرين من قومه الكرد الفيليين، ومأساة آلاف من الشباب الكردي الفيلي الذين اختطفوا في الثمانينات في معتقلات مجهولة وتبين اليوم أن معظمهم قد اغتيلوا في المعتقلات الوحشية. وسكت عن جرائم حلبجة وحروب الأنفال.

لقد هزت جريمة أنفار من المجندات والمجندين الأمريكان في أبي غريب، وهي جريمة فضحتها الإدارة الأمريكية وأدانتها قبل صدور أي خبر من وسائل الإعلام العربية، التي تنفخ في نصير شمة وكأنه عبقري العود الذي خلف وراءه بمسافات طويلة الشريف محيي الدين وسلمان شكر وجميل بشير، الذين لا ترقى أعمال نصير إلى عشر ما حققوه في عالم الإبداع الموسيقي العراقي. ولكن نصير شمة يصمت صمت أهل الكهوف عن جرائم صدام على مدى عشرات السنين في سجن أبي غريب هذا نفسه: من تعذيب حتى الموت، وتثريم الجسد، وغرس المسامير في الجسم، ومن حملات إعدام جماعية.

إن القطعة الوحيدة عن معاناة عراق التي دونها نصير شمة وتاجر بها حتى اليوم هي عن مأساة مخبأ العامرية خلال الحرب الكويتية ومقتل حوالي 700 طفل وامرأة وآمنين تحت القصف الأمريكي. حقا كانت قطعة مؤثرة وتستحق التقدير. ولكن ماذا خلق لنا نصير شمة من قطع ضد مغامرة صدام التي تسببت في تلك الحرب وبالتالي في تلك المأساة؟! وماذا فعل عندما علم أن صدام وشركاءه كانوا يستخدمون بالفعل ذلك المخبأ كوكر اجتماعات حتى عشية القصف التدميري المروع؟!

لكن جديد نصير شمة هذه المرة هو التصريح لتلك المجلة عن امتلاكه لقدرات التنبؤ بالغيب! عجيب أمر هذا الطاووس الذي خلقه الإعلام العربي الداعم لصدام! عجيب لنصير شمة حين يجرؤ على ادعاء النبوة دون خشية من خنجر إسلامي إخواني أو لادني! ولكن يظهر أن دعايته للإرهاب القومجي ـ الإسلامجي ـ الصدامي في العراق يشفع له أن يهذي بما يشاء مادام واقفا في خانة الزرقاوي و بن لادن ومقتدى الصدر وعصابات صدام.

هل يسمح لنا النبي الجديد، دام ظله وشفع لنا خطايانا عند الرب، أن نسأله: وكيف يا سيدنا النبي لم تستطع التنبؤ بموعد إلقاء القبض على سيدكم صدام وهو في بالوعة الفئران لتوصلوا له الخبر بالطرق النبوية فيهرب ويظل هاربا من زاوية لأخرى ومن بالوعة لأخرى، حتى تستطيعوا الاتصال النبوي بأحد الملائكة ليطير، وينقذ الطاغية، ويحلق به لمصر ويضعه بين أحضان الفنانات الجميلات والفنانين، الذين نادوا بمجده في بغداد، وتلقوا منه "مكارمه" من الكوبونات والسيارات وأسعار الشقق؟!

إن مجدك الحقيقي هو في أن تمتلك مشاعر إنسانية ودعنا عن الشعور الوطني. إن الشاعر أو الموسيقار وأي فنان مبدع لابد أولا من أن تكون له مشاعر إنسانية نبيلة. فتعسا لفنانين لا تهزهم المقابر الجماعية ولكنهم يرقصون فرحا لجرائم قتلة في العراق، هم ما بين حفاري قبور أمس، وما بين حلفائهم القتلة الوافدين من وراء الحدود باسم الدين.

ترى متى سيمتلك الشاعر المعروف فلان والعازف فلتان والكاتب الأديب علّلان، [ على وزن برزان ووطبان وعديّأن وقصيان!!] ذرة من الشعور الإنساني وبقايا ضمير، ليحق القول إنهم أولا بشر وفنانون أيضا؟؟

ترى: هل سيصحو أمثال هؤلاء من خدر المصالح الخاصة والشهرة المنتفخة وهيجان الشهوات؟؟