قرأت بعض المقالات لاخوة من العراقيين، الذين عرفوا طعم الظلم وذاقوه ولمسوه، سجونا، وشهداء، وثكالى، وتشردا وقهرا ما بعده قهر، يتحاملون على الفلسطينيين ويتحدثون عن شعب بالكامل وكأنه فرد من الانتحاريين من فدائيي صدام، أو هو شخص متعصب، متطرف من جماعة الزرقاوي، أو أن الشعب الفلسطيني كله مظلل(بفتح اللام) أو هو فقط حكومته الديكتاتورية، أو كله لا يعرف الوفاء ولا يعرف الاخوة . إن هذا أيها الاخوة ظلم وقسوة، لا أريد أن أعظ ولا احب هكذا موقف، لكن الواجب الإنساني يدعوني أن أميز الشعوب المقهورة والمعذبة يوميا عن بعض قادتها أو بعض أحزابها أو عن أفراد لا يفقهون من السياسة سوى رد فعل أجبروا عليه بحكم المعانات التي يعيشونها والقهر الذي يمارس ضدهم .
الشعب الفلسطيني صاحب حق وحقه ثابت لا يتغير مهما تغيرت أو تبدلت ظروفه، ومهما تبدلت مواقف البعض من أبناء فلسطين، ومهما تكالبت عليه المآسي من كل حدب وصوب، كما تكالبت علينا يوم اغتصبت السلطة في العراق عائلة همجية خربت لنا كل أحلامنا وخربت تاريخ عراقنا ومستقبله، والتي لازالت تقوم بابشع الجرائم ضد شعبنا ووطننا لا لشيء سوى لتعود تتسلط علينا بشتى أساليب الهمجية والموت والعنجهية والاغتصابات، فإن كنا نريد العتب على اخوتنا فالعتب لا يكون تجريحا وقطيعة والصاق تهم و صفات لا يقبلها أي شخص على نفسه وعلى شعبه، ثم أن العقوبات شخصية، ولا تؤخذ الشعوب بأفعال رجالها، فهل نوصم العراقيين جميعا على انهم أمثال صدام وجلاوزته رغم انهم يشكلون نسبة لا بأس بها من الشعب العراقي؟
نحن أبناء العراق الذين عانينا من ظلم العالم لنا وتركنا نصارع الإرهاب والموت وحيدين اكثر من ثلاثة عقود، قيل الكثير بحقنا من الزور والبهتان، فهل ننسى حين اغتصب صدام وأزلامه الكويت بغير وجه حق، واعتدى على حياتهم وانتهك حقوقهم بوحشية، قال البعض أن العراقي شخص سادي، وان الشعب العراقي متعطش للدماء وبأن للعراقيين سيكولوجية خاصة دموية غالبا، قيل الكثير عنا وأخذنا بجريرة صدام وأعوانه المجرمين، ولابد لمن تحمل الجور من البعض أن لا يقع بنفس أخطاءهم،والذين لازالوا يروننا مخطئين ونحن ضحايا، فحين سقط صنم صدام وسلطته الظالمة وتفتحت قبور الشهداء رعبا ومفاجأة للعالم حتى صارت أسطورة البعيد والقريب، قيل عنا أننا خونة ونتعامل مع الأمريكان، وحاولوا حتى تزييف حقيقة هذه المقابر وتزييف حقيقة مجزرة حلبجة وتزييف حقيقة تجفيف الاهوار، ليقولوا أننا لم نكن ضحايا وأن صدام رجل وطني، قالوها على شاشات الفضائيات بملء أفواههم ونحن الضحايا نسمع ونرى ونتألم.
لكن الحقيقة الغائبة هي إرادة الشعوب المسلوبة غالبا، فالشعب الفلسطيني ليس فردا، ولا فصيلا واحدا، ولاحاكما، إنما هو تأريخ، ونضال، وتشرد ومجازر وإبادة، وهو شهداء ومعاناة ومأساة كبيرة في هذا القرن تعلن بأعلى صوتها عن ارتداد الخير بعالمنا، وتعلن عن خراب ٍ روحي واخلاقي، يسود، ويهدد الحق والحقيقة بكل أشكالها ولا يهدد شعب فلسطين أو شعب العراق فقط، إنما يهدد بقاء الإنسان على هذه الأرض.
إننا من موقع المجروح، ومن موقع الدفاع عن حقوق الإنسان، والأبرياء أينما كانوا لابد وإن ندعو للاتحاد الإنساني بين بني البشر، والمظلومين خاصة من أشقاءنا الذين يرزح غالبيتهم تحت نير ديكتاتوريات وظلم كبيرين، فكيف بشعب شقيق مغتصب، مسلوبة كل حقوقه على يد قوة شريرة كإسرائيل؟ لابد لنا من النظر بعين راجحة واسعة الاتجاهات، فهذا الشعب أخونا بالألم، وأخونا بالعذاب، ويكون أحدنا جاحدا ولئيما حين يتخلى عن أخيه في أحلك الظروف أو يشمت به، الشعب الفلسطيني لا يتحمل جميعه وزر من اتفق مع طاغية العراق وساعده ودافع عنه، الشعب الفلسطيني ملايينا من الأبرياء والأطفال التي تـُدك بيوتهم كل يوم وتموت شبابهم وشيوخهم تحت الأنقاض، الشعب الفلسطيني صاحب حق ثابت، وان كنا ندافع عن حقوقنا لا يمكننا أن ندعي الموضوعية والتوازن حين لا نعرف عذابات الأخ ولا نسمع عويل أطفاله، اليوم تقصف مدن فلسطين بشكل مجنون ليل نهار وتقض مضاجع الأطفال هناك، تشردهم وتجوعهم وتقتلهم يوميا، كما يقض مضاجع العراقيين ويقتل أطفالهم غرباء متسللين ومعتوهين متشددين جهلة، وذيول نظام مجرم يريد دمار ما تبقى من حياة بالعراق بعد أن دمروا ما دمروه على مدى السنين الطويلة .
و للأمانة التأريخية لابد من أن نتذكر إن الشعب الفلسطيني كان الوحيد الذي احتضننا وفتح لنا كل أبوابه حينما كنا هاربين من الموت البعثي، حيث أدار لنا العالم ظهره حينما اشترى صدام الذمم بكوبونات النفط، وحينما كان الفلسطينيون لاجئين في لبنان كنا نحن ضيوفهم المكرمين والمعززين، كانوا أول من ساندنا في محنتنا، وتعذب بعضا منهم في سجون صدام كما تعذبنا، عملنا معهم واستشهد بعضنا معهم في الجنوب اللبناني وفي بيروت، واختلطت دماء شهداءنا بدماء شهداءهم، واليوم هناك من أبناء فلسطين الأبرار من يدافع عنا بوفاء منقطع النظير، فهذا الدكتور احمد أبو مطر، وهذا الأديب زياد خداش، ووو وغيرهم أسماء كثيرة، ترفع يوميا أنقى الكلمات وأشرفها دفاعا عنا نحن أبناء العراق، والعيب أن ينكر أحدنا ذلك، والوفاء والعدل يتطلب ذكر المواقف النبيلة والكريمة، كما أن الأيام دول، ولا أحد يضمن ما سيحدث غدا، ومن الحكمة والعقل أن نفكر و نعمل على أساس ألف صديق ولا عدو.

لاهاي/ 4-8-2004
* شاعرة وناشطة حقوقية عراقية