بدا الرئيس الأميركي جورج بوش مبتسماً في صورة جمعته برجال الدين في تركيا، أثناء حضوره قمة حلف شمال الأطلسي، وهذه أول مرة يتم تركيب بضاعة موزاييكية بهذا الشكل ( رجال دين مسلمون، مسيحيون، مذاهب وطرق سنية وعلوية مختلفة، مع ملاحظة غياب شيوخ الديانة الإيزيدية الكردية ).
الإشارة هذه تترك أكثر من إنطباع بعد عقود الظلم والإضطهاد التي وقعت على معتنقي الأديان والمذاهب الغير مسلمة والغير سنية في الدولة العثمانية المتخلفة و خليفتها الدولة التركية الحديثة التي انشأها مصطفى كمال أتاتورك على ذلك النسق العنصري/الإستبعادي القائم الأن...
والحال، إن الولايات المتحدة وبعد تصريح جورج بوش الذي حثّ فيه أوروبا على قبول تركيا ضمن المجموعة الأوروبية لأن " تركيا تنتمي لأوروبا وفي ضمها قوة ومنعة لها" تبحث لتركيا عن منفذ ديمقراطي جديد بعد التوتر والتشنج الذي أصابّ علاقاتهما منذ حرب تحرير العراق العام الماضي.
الولايات المتحدة تأخذ الموقع الإستراتيجي لتركيا والموديل الجديد الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية في إمكانية دمج الإسلام بالدميقراطية والحداثة وبالتالي تكوين خلطة"ديمقراطية" عجيبة، ترنو واشنطن إلى تقديمها إنموذجاً يحتذى به في المنطقة ضمن مشروعها الجديد ( الشرق الأوسط الكبير).
أوروبا أيضاً تبدو مقتنعة بالفكرة الأميركية المتمحورة حول تأهيل تركيا ( المٌسلمة العلمانية، ذات الإتجاه والميل الغربي...) وتسويقها كموديل مناسب لبقية دول العالم الإسلامي، لابل إن بعض الساسة المتحمسين يذهبون إلى تثبيت تركيا حاجزاً ديمقراطياً ( وديمغرافياً، كذلك..) بين أوروبا وبين دول العالم الإسلامي التي يجتاحها حالياً شبح الإرهاب الإسلامي الإصولي...
فهل ستنجح أوروبا في ذلك، ومن ثمّ، هل حقاً تركيا هي الدولة التي تستحق أن تقدم كإنموذج للمنطقة؟.
منذ حوالي الشهرين والجيش التركي يقوم بعمليات عسكرية شاملة في منطقة كردستان ضد المقاتلين الكرد التابعين لمؤتمر الشعب الكردستاني، أعادت إلى الأذهان الحرب القذرة التي شنتها الدولة التركية ضد الشعب الكردي منذ 20 سنة والتي أحرقت فيها حوالي 4000 قرية كردية وهجرت 3 ملايين كردي إلى داخل تركيا لتٌسكنهم في بيوتات مدن الصفيح...
وبعد إعلان قيادة قوات حماية الشعب إنتهاء الهدنة ووقف إطلاق النار التي كان الجانب الكردي قد أعلنها من طرف واحد، تركزت المواجهات اليومية بين الجانبين داخل القرى والمدن في إقليم كردستان الشمالي.
وبدأت القوات التركية وتنظيمات الجحوش الموالين لها في إرتكاب الفظائع ضد أبناء الشعب الكردي الأبرياء العزل، ومن تلك الفظائع قطع رؤوس المقاتلين الذين يتم قتلهم أو أسرهم، وقد كشف الأهالي أن برابرة الجيش التركي قد قطعوا رؤوس وأطراف أبنائهم الذين أستشهدوا بعد المواجهات وهم: محمد سعيد أوزكون، عادل دنك، سردار مورسمبول، روهال أكيلدز، نجات محمود كريم.
ونقلت صحيفة ( أزاديا ولات ) الكردية من أن الأهالي وبعد حصولهم على الوثائق والإثباتات اللازمة سيرفعون شكواهم إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، فهم، والحال هذه، لايثقون بعدالة القضاء التركي، لكنهم يثقون بالعدالة الأوروبية، ويثقون بالمجموعة الأوروبية التي تستعد لتحديد موعد بدء مفاوضات الدخولية مع الحكومة التركية.
إن الدولة التركية، كنتاج منظومة إنكارية عنصرية تقودها الإيديولوجية الأتاتوركية/العسكرتارية عصية على الإصلاح الذاتي، ورغم ضغوطات الإتحاد الأوروبي ل"حضرنة" هذه الدولة وتحديث قوانين جديدة فيها تراعي حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ( وهي هنا، وحسب تصنيف أوروبا ذاتها، الشعب الكردي الذي يربو على 18 مليون إنسان!!)، إلا ان التجاوب والإستيعاب التركي بطيء جداً، فالمورث العنصري المتوارث عبر مئات السنين ليس من السهولة بمكان التخلص منه، وإذا كانت أوروبا متفائلة بدخول تركيا ضمن المجموعة الديمقراطية الأوروبية، فعليها أولاً التأمل قليلاً في أحوال الجالية التركية في ألمانيا ورفضها الدائم الإندماج في المجتمع الغربي.
والرفض هذا عائد إلى أسباب قومية عنصرية و دينية نرجسية تقول بتفوق المسلمين على بقية خلق الله و إحتكارهم الإيمان والحقيقة ( هذا رغم البطالة الشاملة بين صفوفهم، ورغم نسبتهم العالية في السجون الألمانية، وأخيراً رغمّ قطع دولتهم رؤوس البشر وهم أحياء).
لاأحد يستطيع أن ينكر إن الأكراد يبنون آمالاً كبيرة على دخول تركيا النادي الأوروبي لإنتزاع أكبر قد ممكن من حقوقهم الإنسانية البسيطة، لكن قبول تركيا ضمن البيت الأوروبي الحضاري سيخلق مشاكل كبيرة ستتأصل مستقبلاً داخل المجتمعات الأورربية نفسها.
وإذا كانت أوروبا، كعادتها، تأخذ الجانب المصالحي في أولوية إهتماماتها، فلتعلم هذه المرة إن عملية تأهيل هؤلاء الناس وقيادتهم نحو الحضارة صعبة جداً وهم أحفاد أولئك الذين جاؤوا بالغزو والقتل إلى المنطقة منذ 1000 عام، وقتلوا شعوبها الأصلية ( الروم، السريان، الأرمن، والكرد: الذين مازالت مذبحتهم مستمرة) والذين وصلوا ذات مرة إلى أسوار فيينا، في قلب أوروبا وكادوا أن يحتلوها لولا القوة التي أردعتهم.
إن عملية قبول تركيا بهذا الإرث الديني والقومي العنصري وبدون حل القضية الكردية بشكل بنيوي سيؤثر على مستقبل المنطقة والإستقرار والأمن فيها، فالمواجهات ستستمر بين الأكراد والأتراك وقد تتصاعد ويتسع مداها لتطال أوروبا نفسها في السنين القادمة إذما إنضم الأتراك لها...
فهل سيتم قبول الدولة القاطعة لرؤوس أبنائها بين أحضان الحضارة الأوروبية"الكافرة"؟؟.
صحافي كردي مقيم في ألمانيا
[email protected]
التعليقات