يبدو لنا من متابعة المناكفات المستمرة بين الحكومات الأردنية وبين الأحزاب السياسية وبعض مؤسسات المجتمع المدني حول محتوى ومضمون التنمية السياسية، فضلا عن اختلافات حول قضايا جزئية تندرج في إطار الحريات العامة،ان هناك خلافا أساسيا بينهما، فالحكومة ربما تعني بالتنمية السياسية نشر أيدلوجيتها على نفس مقاسات الحرية في منهج الأنظمة الشمولية، كالنظام الشيوعي سابقا، وبنفس الأسلوب. فالحكومة ترى التنمية السياسية هي الحركة في إطار الثوابت التي تحددها هي. أما تلك المؤسسات فترى التنمية السياسية رفع سقف الحرية لممارسة دورها دون خرائط أيدلوجية مسبقة. وبشكل عام ومن خلال تجارب دول مشرقية كثيرة ان التنمية السياسية لم تستطيع ان تخرج من عنق الايدولوجيا الى فضاء الفلسفة الحر.فالايدولوجيا بطبيعتها مغلقة ونقيض التنمية التي تعني التغير في احد جوانبها، ويبدو لي ان حكومتنا تعيش مثل هذه الأزمة في طريقة عرضها ومفهومها عن التنمية السياسية. وكذلك الأحزاب الأردنية ومؤسسات المجتمع المدني على اختلاف تشكيلاتها.
أولا انه من الواجب حسم مسألة أساسية مسكوت عنها، في الخطاب السياسي الأردني وهي : من يرسم الثوابت ويحدد الخطوط الحمراء في وجه المتجاوزين ؟؟
والتنمية السياسية كأي تنمية تحتاج الى فلسفة توجهها، وحتى الآن نحن لا نعرف ماهية تلك الفلسفة ؟ ولا نعرف حتى إذا كانت موجودة أم لا ؟ هل تعني التنمية تغيرا في مفهوم الحكومة ودورها ووظيفتها باتجاه حكومة تنفيذية تؤدي وتنفذ مهمات كلفت بها ؟ أم هي حكومة أيدلوجية ثورية شمولية تريد تغيير المجتمع حسب رؤيتها ؟ هل هي "عقل " يخلق الأفكار والاتجاهات أم يد تنفذ المطلوب منها لا اكثر؟
اغلب الآراء تتفق على انه في عصر سقوط الايدولوجيا على مستوى العالم لم يعد مقبولا من الحكومات ان تجعل نفسها العقل الكلي أو المرشد الروحي للمجتمع. الحكومة جزء من الدولة، والدولة جزء من المجتمع. والمجتمع بكل مؤسساته هو من يرسم ثوابت الحركة ويحدد أين هي الخطوط الحمراء أو الخضراء.
ثانيا : هل يوجد في مجتمعنا المؤسسات الملائمة لخلق فلسفة التنمية السياسية الحقيقية ؟ وحتى الأحزاب نفسها ربما لا تملك الا منهج معارضة الحكومات ونقد قراراتها الجزئية. ولغاية الآن لا تتوفر مؤسسات فكرية غير حكومية تساهم في إنضاج توجهات المجتمع. ونرى ان المساعدة في تكوين هذه المؤسسات أهم من دمج الأحزاب، وغيرها من القضايا الحزبية الفنية.

mailto:[email protected]