(1) في البدء، لعل الذكرى تنفع المؤمنين... والفلسطينيين


" في عام 1972 عرضنا على الملك حسين نابلس واريحا كخطوة اولى، لم يرد لانه اراد مشاورة الفلسطينيين اولا".. هنري كيسنجر، مذكرات كيسنجر في البيت الابيض.

" لقد عانى الاردن كثيرا من اتهامات العرب"، العقيد القذافي، خطاب امام مجلس الامة الاردني عام 2001

" لقد كان قلبي يقطر دما على الجيش الاردني"، عبدالناصر، بعد عام 1967

" لا ادري ما هو المبرر"، الراحل الملك حسين ردا على تحطيم فلسطينيين للوحة تشير الى ان اعمارالمسجد الاقصى عام 1994 جرى في عهده.

(2)
رغم ان الاردن هو ثالث دولة عربية حديثة تتأسس في المشرق العربي، ورغم ان الهاشميين هم مؤسسو اولى ثلاث دول عربية حديثة، في سوريا والعراق والاردن، فان العرب لم يجدوا مخرجا لتبرير هزائمهم الا من خلال انتقاد الاردن، هذا البلد الصغير الضعيف، الذي لو صدقت الانتقادات الموجهة اليه، فسيكون بلا شك الدولة العظمى الثانية في العالم.

ومما لم يسلم منه الاردن، هو علاقته مع الفلسطينيين، تلك العلاقة التي تشابكت الى حد التناقض، وتمازجت الى حد التنافر، وكانت عبر خمسين عاما او يزيد محورا لتشكيل منظمومة العلاقة بين دول المنطقة.

ان اعادة دراسة التاريخ من جديد، وهو امر ضروري، في ظل الفشل العربي السياسي والفكري، ستجعل الصورة اوضح، وربما تخبرنا عن المصيب والمخطئ، بعيدا عن قدرة صاحب الصوت الاعلى على تبيت نفسه.

لم يكن الاردن متحمسا لخوض حرب 48، ولكن صيحات القومجية والتخوين، جعلته يدخل الحرب وجيشه تحت الانتداب، في وقت كانت الدول العربية فيه غير مستعدة فما بالك بالاردن، فضاعت الارض، ووجهت سهام النقد الى الاردن، مع ان كتائب البدو في جيشه استطاعت الحفاظ على الضفة، ولكن العرب لهم تفسير اخر وهو ان اسرائيل لم تكن تريد الضفة!!! عند كثيرين، كل الحجج مقبولة الا تلك التي يمكن ان تشير الى ان الاردن قدم شئ للفلسطينيين.

الفلسطينييون هؤلاء، حصلوا على الجنسية الاردنية، وجابوا بها العالم ثوارا وتجارا، ولا يحلوا للبعض تفسير ذلك الا انه الغاء للهوية الفلسطينية، وحين نأتي للجد، فان الجنسية الاردنية عندهم حق، ومازالوا متهافتين عليها، او على شبيه فيها، اي شئ.. اي شئ المهم وثيقة اردنية، نجوب فيها العالم مرتاحين، ونلعن من اعطانا اياها.

ونصل الى حرب 67، وايضا لم يكن الاردن يريد خوض الحرب، لكن صيحات القومجية والتخوين اجبرته على ذلك، وضاعت فلسطين، وتم اتهام الاردن، مع ان عبدالناصر كان هناك، والبعث ايضا، وموسكو ومنظمة التحرير.

وبعد ان ضاعت فلسطين، حاول الاردن ايجاد حل سلمي، وكاد ينجح، اكثر من مرة، مرة مع رابين واخرى مع ريغن، ولكن ياسر عرفا ت كان يرفض، رغبة في السلطة فقط، حتى اذا حانت له الفرصة، وافق على اوسلو، وهي النسخة المعكوسة من فكرة عبدالله الاول في اعطاء اليهود حكما ذاتيا، عبدالله هذا، خائن براي كثيرين، مع انه صانع انجح وحدة عربية رغم انف كل العرب، ووالده ايضا خائن، لانه ثار على الطورانيين، مع ان الانجليز طردوه بعدما وقف موقفا مشرفا، لا يذكره العرب، لانه في جوار ربه غير قادر على اغداق الاموال لكتبة التاريخ المزور.

دعونا نقولها بصراحة، بأن من اضاع القضية الفلسطينية هم الفلسطينييون انفسهم، ومن حالفهم من الانظمة الثورية،
وقصة الفشل الفلسطيني تبدأ منذ بدايات القرن الماضي، حينما رفضوا قرار التقسيم، وخونوا القائلين به، حتى عادوا بعد ذلك يتمنون تطبيقه، وكذلك فعلوا بعد حرب 48 و67، في كل مرة تعلوا اصواتهم برفض" التنازل" حتى اذا جاءت الفرصة اليهم ضربوا بالشعارات عرض الحائط وقبلوا كل شئ.

لو قبل الفلسطينيون ما كان يعرض على العرب لما كان حالهم هكذا، ولكنهم كانوا يرفضون حسدا وغيرة وحبا بالسلطة، فقد كان بامكان الاردن اعادة الضفة الغربية منذ السبيعينيات، لكن قادة الثورة رفضوا ذلك، واشبعونا شعارات تساقطت عند اول ساعات مفاوضات مع بيريز، فكانت اوسلو المشوهة، والسلطة المهزلة.

ولا يكتفي الفلسطينيون باضاعة الفرص لاسباب نرجسية، بل يلومون الاخرين على فشلهم، ذلك لانهم صدقوا انفسهم بانهم ثوار، والحقيقة انهم كانوا ألعوبة بيد قوى اكبر منهم، اولها اسرائيل، التي لعبت بهم كما تشاء حتى اصطادتهم في غزة.

اي ثورة تلك التي اسالت الدماء في عمان، وحولت نهار بيروت الى ليل، وسرقت أموال تونس، وعادت لتساهم في بناء الجدار الاسرائيلي العازل؟!... كل المسؤولين الفلسطينيين اما متورطون في ذبح عرب او مساهمين في مشاريع اسرائيلية، والنزيه فيهم جاهل، والعاقل فيهم له اجندات غير وطنية.

لقد انكشف امر الفلسطينيين حينما اسسوا السلطة، وتبين انهم غير قادرون على ادارة انفسهم، وهم ذاتهم الذين اصموا اذاننا بالنقد والتخوين، وقد تبين الامر بانهم هم سبب الداء، وبدونهم يكون الدواء.

وكعادتهم، وحينما دبت الفوضى عندهم، يريدون ان يزجوا بالاردن، ليصبح بعد قليل بانه هو سبب العنف في غزة، وهو الذي يدل الاباتشي على سيارات المناضلين.

لا حجة الان للفلسطينيين، فالامر بيدهم، وعندهم سبعة عشر جهازا امنيا ورئيس ترافقه كاميرا، فليقولوا لنا لماذا هم فاشلون، وعليهم ان يكفوا عن ذكر الاردن بالسوء، فقد كان لطيفا معهم، ولكن الملك الحالي له راي اخر، وهو صارم وحازم، لانه على حق، ولانه لا وقت عنده للمهاترات، ولان في قلبه مرارة من ناكري الجميل.