المراقب للوضع العراقي منذ سيطرة الحزب البعثي على مقاليد الحكم يجد إن هناك أحزابا ومنظمات وحركات وطنية ودينية وقومية عربية وغيرها تسعى للإطاحة بنظام صدام السابق وكانت هذه الأحزاب تشعر بأنها هي القوى السياسة المؤثرة في الشارع العراقي، وتتعامل بأنها تمثل رأي الشعب العراقي المغلوب على أمره، والمحروم من قول رأيه، ولكن بعد سقوط صدام برزت تيارات وجماعات تحظى بشعبية في الشارع العراقي لم يتوقعها الكثير من الساسة والمفكرين والمثقفين والمتابعين ممن كانوا يعيشون في الخارج، وممن كانوا يخططون لمستقبل العراق، ومن أقوى تلك التيارات التيار الصدري بقيادة الشاب السيد مقتدى الصدر.
ومنذ بداية دخول القوات المحتلة للعراق وهذا الشاب القائد للتيار الصدري بالرغم من نقص الخبرة الواضحة في خطاباته وخطواته إلا انه يأب أن يعيش في الظل، وخلف توصيات سياسة المهادنة مصرا على البقاء في صدر الأحداث في الواجهة الأمامية.
لماذا تم تجاهل وتهميش وعزل هذا التيار منذ بداية دخول القوات الأمريكية إلى العراق لإسقاط النظام البعثي السابق، وهل هذا التيار يشكل خطرا على أمريكا، ولماذا لم تبذل أمريكا محاولات لاستقطابه؟
من المستحيل أن تتخذ أمريكا هذا الموقف المضاد والحاد جدا والعنيف من التيار الصدري، وتشويه سمعته بدون وجود سبب أو موقف سابق، وإنما هناك أسباب كبيرة ومصيرية لم يتم تناولها وطرحها بشكل صريح ولكن حتما منها:
إن أمريكا حاولت طلب مساعدة وخدمات من التيار الصدري قبل بداية عملية إسقاط النظام السابق إلا إن التيار الصدري رفض بقوة تقديم تلك الخدمات مما جعل أمريكا التي لا تقبل سماع كلمة لا أن تعاقبه وتزيله من الوجود.
معرفة أمريكا السابقة بقوة التيار الصدري ومدى شعبيته في الشارع العراقي، وخوفها الكبير من نجاح هذا التيار الرافض لوجودها في الحصول على أعلى نسبة أصوات في ظل الديمقراطية والتصويت والخضوع لإرداة أكثرية الشعب مما يجعلها تقع في مطب صعب جدا خاصة عندما تختار الأكثرية نموذج ديني ( في ظل وجود العقدة الأمريكية من إيران).
ولهذا سعت أمريكا بجميع الوسائل المتعددة منذ البداية بالإساءة والتشويه للتيار الصدري عبر جميع الوسائل والإمكانات الهائلة مستغلة ضعف الخبرة والتجربة في الممارسة السياسية لدى قيادة هذا التيار وعدم وجود عمل تنظيمي بين أفراده، وكذلك الاندفاع والحماس، الذي أدى إلى ارتكاب بعض من أفراده المتشددين أخطاء كبيرة بأساليب وطرق غير صحيحة وغير ملائمة لأجواء الانفتاح والديمقراطية واحترام رأي وحرية الطرف الآخر حسبت على التيار مما ساهمت في تشويه سمعته، وحاولت أمريكا والمنافسون لتيار الصدري استغلال هذه الأخطاء والتشهير بهذا التيار إلا جميع المحاولات لم تنجح وعندما سقطت هذه الطريقة حاولت أمريكا استفزاز التيار الشبابي والمتحمس وسحبه في معارك عسكرية مفتوحة غير متكافئة عسكريا لتتمكن من القضاء على قيادته.
لماذا يرفض التيار الصدري التعامل مع أمريكا؟
إن سياسة التهميش والعزل للتيار الصدري وقيادته من قبل قوات الاحتلال الأمريكية، وعدم دعوته في تشكيل مجلس الحكم والحكومة المؤقتة بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها في مقاومة حكم النظام الصدامي ساهمت في تشدده وكراهيته للامريكين ومن يدور في فلكهم، وأدى كذلك إلى وجود حالة من التطرف بين شبابه المحرومين من المميزات التي حصل عليها شباب التيارات والأحزاب الأخرى.
ويعود السبب الرئيسي للموقف المتشدد للتيار الصدري من أمريكا لدورها الذي لا يغتفر عندما أعطت الضوء الأخضر للرئيس العراقي البائد باستخدام أبشع الوسائل للقضاء على الثورة الشعبانية الشيعية عقب حرب تحرير الكويت، إذ إن اغلب الذين راحوا ضحية لتلك الأعمال الوحشية هم من أهل الجنوب وأهل النجف والكوفة واغلبهم يعودون إلى مرجعية السيد الصدر الأب.
الدمام
التعليقات