من حق العراقيين ان يفرحوا ويخرجوا إلى الشوارع رغم خطورة الأوضاع في ليل العراق الذي يخبئ في ظلامه المجهول وتسكن الأخطار وحوادث القتل والاختطاف ومنع التجول في بعض مدنه ومناطقه, من حق الوجوه والعيون التي غادرها الفرح منذ زمن طويل ان تفرح وتهوّس وترقص وتهتف لكن هذه المرة ترقص وتهتف ( عاش العراق... بالروح بالدم نفديك يا عراق ) وليس إلى زيد أو عمروا, فقد استطاعت كرة القدم رغم ان هذه الكره جسم صلب غير ناطق وعديم الطعم والرائحة كما يقال في لغة العلوم الطبيعية إلى إنها استطاعت باداء وجهد وعرق اللاعبين العراقيين ان تحرك مشاعر الملايين من العراقيين وتجعلهم يفتخرون بوطنهم الذي حقق فريقه الفوز في المباريتين اللتين خاضها في اولمبياد أثينا فقد أصبح العراق أول فريق يتأهل الى دور الثمانية في مسابقة كرة القدم بدورة اثينا الاولمبية بعد فوزه بسهولة على كوستاريكا بهدفين مقابل لا شيء يوم الاحد الماضي ليرفع العراق رصيده الى ست نقاط من مباراتين يتصدر بها المجموعة الرابعة , وكان المنتخب العراقيالذي تحمل صعوبات كثيرة لكي يتأهل الى دورة اثينا قد فاجأ نظيره البرتغالي وفاز عليه 4-2 في اولى مبارياته بالدورة.


حتى أطفال العراقيين الموجودين في ديار الغربة والذين لم يرى اغلبهم العراق إلا من خلال التلفزيون ومشاهد القتل والدمار والانفجارات والحروب التي اصبحت كالمسلسلات المكسيكية مستمرة بسبب أو بدون سبب هؤلاء الأطفال شاهدتهم يرقصون ويغنون كل حسب اللغة التي يجيدها وينزعون قمصانهم الأنيقة التي تحمل إعلام البرازيل والدنمارك وألمانيا وايطاليا ويطلبون قمصانا بيضاء ويرسمون بأيديهم علم العراق ويرتدونها ويخرجون في مجموعات تطوف إرجاء الحي إلذي نسكنه معلنين فوز العراق وتأهله للأدوار المتقدمة في الاولمبياد وسط استغراب الدنمركيين والسكان الآخرين الذين يبدو إنهم لم يسمعوا عن العراق سوى كونه مصدرا لاخبارالقتل والحروب والمآسي واليوم استطاع حسوني وسامر وعلي واوميد وتوناي ورضا وأطفالا آخرين ان يوصلوا رسالة مفادها ان العراق مهد الحضارات والإبداع وانه منبع للعطاء وللفنون وللرياضة والألعاب ما جعلنا نحن الكبار نفرح ونحس بالفخر لانتمائنا لوطن يسكن عنا بعيدا بحكم المكان الذي نحن فيه لكنه يسكن ونسكن فيه بروحنا.


فرح العراقيين بفوز فريقهم يدعونا إلى تقديم اقتراح إلى المؤتمر الوطني الذي يعقد في بغداد ان يجعل القرار الاول له دعم الرياضة والرياضيين في العراق وإلزام الحكومة والأحزاب والهيئات والشخصيات السياسية والدينية والعشائرية ومجالس المحافظات والمنظمات وكل من يدعي ان له نفوذا وشعبية بين الناس ان يقوم كل منهم بدعم الرياضة وتشجيعها بالأفعال وليس بالأقوال وخصوصا كرة القدم من خلال تهيئة ساحات يلعب فيها أطفال وشباب العراق كرة القدم مع توفير الأحذية والملابس الرياضية وهي بالتأكيد ارخص سعرا واقل تكلفة من قطع الأسلحة واللافتات والصحف الحزبية التي يصرفون عليها وكلها تدعي وصلا بالعراق والعراق يجري فيه ما يجري, ادعموا الرياضة أيها الذين تحبون العراق فهي تعلم الشباب وتنشئ الأجيال على المحبة والطاعة والالتزام والاحترام والانضباط وإنكار ألذات والسعي لتحقيق الفوز من خلال الجهد الجماعي والاشتراك بين جميع اللاعبين في تحقيق الهدف وتحمل المسؤولية من قبل الجميع سواء في الفوز أو في الخسارة وكلها معاني ومفاهيم سامية نحن أحوج ما نكون فيها الآن ويحتاج شبابنا وشعبنا في هذا الوقت بالذات إلى ممارستها وتطبيقها سواء في المستطيل الأخضر وساحات وملاعب الرياضة أو في ساحات الحياة.


محام وكاتب عراقي مقيم في الدنمارك
[email protected]